لطالما إشتهرت مصر بإستتباب الأمن ووجود الأمان فيها عبر قرون من الزمان بجذور ضاربة فى عمق التاريخ المصرى والإنسانى منذ آلاف السنين.
فدائماً ماكان الأمن والسلم والتضامن الإجتماعى سمة أساسيًة، وصفة جوهرية تميًز بها مجتمعنا فى جميع الأوقات، بل وفى أحلك الظروف والأزمات التى مررْنا بها.
فحين أعودُ بذاكرتى إلى الوراء متذكراً كارثة الزلزال المروًعة التى حلًت بمصر فى عام 1992, وكنت لم أتجاوز العقد الأول من العمر وقتها؛ أسترجعُ ما حدث للمواطنين من قسوة المعاناة بعد إنهيار منازلهم وضياع أمتعتهم، وإفتقاد ذويهم تحت أنقاض البنايات المحطمة، وتشرد قطاع عريض منهم مما ساق كثير من الأسر والعائلات إلى إفتراش الشوارع والميادين العامة بل واللجوء إلى المقابر فى بعض الحالات، بحثاً عن الأمان والإستقرار المفقود بعد الكارثة.
ورغم كل ذلك لم نسمع عن حالات نهب أو سرقة أو اغتصاب أو قتل أو حرق، وهو ما يعرف بظاهرة البلطجة وترويع الآمنين عياناً بياناً أمام الناس فى وضح النهار كما يحدث الآن فى العديد من الشوارع والقرى والأحياء والميادين الكبيرة والرئيسية. بل كان الناس يحتضنون بعضهم بعضاً يحافظون على أعراضهم وممتلكاتهم، يواجهون مصيراً واحداً فى إطار دفء مجتمعى طبيعى إلى أن مرت الأزمة بسلام وعاد الهدوء والسكينة مرة ثانية.
فعندما أجرى قياساً أو أعقد مقارنة بين الحالتين الماضية المتمثلة فى كارثة الزلزال، والآنية التى تكمن فى كارثة غياب الأمان والطمأنينة بين أفراد المجتمع، والإنفلات الأمنى المتفشى كالوباء فى كافة ربوع البلاد؛ يرتجف قلبى حزناً، وتفيض عينى دمعاً، لما آلت إليه الأمور من تردٍ فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر الحديث.
أشعر الآن برغبة جامحة كمواطن مصرى عاشق لتراب الوطن يبتغى أمنه وإستقراره؛ أن أبعث برسالة إلى كل مثيرِ للشغب والتوتر والبلطجة، أن يكف عن هذا ويعود إلى رشده، فمصر عادت للمصريين، ولفظت القتلة والمجرمين، ولن تترك من يعبث بحاضرها أو يقامر بمستقبلها.
"فلا تغتر أيها العابثُ بأمن الوطن بمن وراءك من الخونة أصحاب البزنس والعمولات بائعى الوطن وجواسيسه، يستأجرونك لترويع إخوانك، ويستعبدونك مقابل فتات من الجنيهات. ثم هم أول من سيبيعونك ويتبرأون منك حينما تسقط فى ويلات خيانتك لبلدك التى تربيت على أرضها وشربت من نيلها".
ورسالتى الثانية إلى إخواننا من الشرفاء أفراد جهاز الشرطة؛ "أنتم الآن أمام مفترق طرق فى لحظة تاريخية من عمر هذا البلد العظيم. فإن أردتم حمايتنا وتصحيح أخطاء الماضى القريب والبعيد، ودفع أصابع الإتهام بعيداً، وتطبيع العلاقة بينكم وبين الشعب؛ فعليكم أولا بتفسير أو تبرير ما يحدث من إنفلات أمنى فى الشارع المصرى، ثم ترجمة إرادتكم إلى واقع عملى نشعر به ونراه بأعيننا".
الأمن هو حجر الزاوية لبناء مستقبل الأمم، وهو أيضاً نقطة البداية لتقدم ونهوض أى مجتمع يريد مواكبة الحداثة، والسير فى ركب التطور الحضارى." فأمة بلا أمن هى أمة بلا حياه!"
فلم تجئ ثورة الخامس والعشرين من يناير العظيمة لنشر الفوضى والإنفلات الأمنى كما يتوهم بعض ضعاف النفوس ممن إرتكنوا إلى الثبات والسُبات العميق فى إنتظار المخلص الذى طال إنتظاره؛ وإنما إندلعت كزلزال شديد البأس يدمر بنايات الظلم والإستبداد، ليبنى بدلاً منها صروح العدل والحرية.