إبعاد الشعب عن المشاركة فى الحياة السياسية وممارسة الديمقراطية الحقيقية عمدًا، يعد واحدة من كبرى الجرائم التى اقترفها النظام المصري السابق بقيادة "مبارك" بحق أبناء هذا الوطن على مدار ثلاثين عامًا مضت مثلت فترات حكمه المشؤوم. إن ما قام به الرئيس المخلوع من جرائم عديدة كتقييد الحريات، كبت الرغبات الجماهيرية المشروعة وتزوير عمليات الاقتراع المختلفة، بل وتزييف الحقائق بشكل منهجي منظم غير مسبوق من قبل أفراد بطانته، لا سيما ثعلبه الماكر "صفوت غير الشريف" الذى لطالما تباهى بنزاهة الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت فى عام 2010 عقب إعلان نتائجها والتى زُورت بشكل كامل قائلاً: "هذه أنزه انتخابات فى تاريخ مصر، وسيتحدث عنها التاريخ" وها قد صدقت نبوءته! وأضاف أيضًا متفاخرًا بنظافة يده المصطنعة: "إحنا مش على راسنا بطحة" وكشفت لنا الأيام بعد ذلك أن رؤسهم جميعًا كانت مهشمة تمامًا!

لقد ساهم كل هذا الكذب وكل هذه الافتراءات من قبل النظام وحاشيته فى بناء جدار سياسيّ عنصريّ عازل بين الحاكم وأفراد الشعب، وأصبحت السياسة وممارستها خطًا أحمر، وحكرًا فقط على شهريار مصر السابق وأفراد بلاطه من حملة المباخر وضاربي الدفوف. وللإنصاف، هم مارسوا السياسة بلغة واحدة طوال الوقت، والتى اعتمدت فقط على سلب ونهب ثروات الأمة، وإرهاب من يخالفهم بعصا مباحث أمن الدولة، وإيداعه السجون والمعتقلات السرية، وليست هذه سياسة بل بلطجة ودليلٌ واضحٌ على فشلهم الذريع فى إدارة الشؤون الداخلية للبلاد.

أما عن الساحة الخارجية الإقليمية والدولية، فقد تركها النظام السابق خاوية ترتع فيها القوى الإقليمية الجديدة -كتركيا وإيران- وتبني لها أدوارًا سياسية مؤثرة وفاعلة في مختلف قضايا منطقة الشرق الأوسط، والعمل على زحزحة وتهميش دور مصر كلاعب أساسى تقليدى وإستراتيجي في المنطقة من زمن بعيد. وتفرغ هؤلاء العملاء وأصحاب البزنس لاغتراف أموال الشعب وإيداعها الآبار البنكية العالمية التي ليس لها قرار، لتنمو بها الاقتصاديّات الغربية على حساب أوطانهم التى تربوا على أراضيها. وهذا لا يمت للسياسة بأي صلة، وإنما هى سرقة بالإكراه لا تحدث إلا من لصوص قد تمرسوا على ذلك. إذ أن السياسة ذات طابع متجدد دائمًا، لا تعتمد لغة واحدة، وإنما لغات متعددة تختلف باختلاف الزمن، ويجب أن تواكب الأحداث المستجدة على الساحة دائمًا، وتسير فى إطار المصلحة العليا للبلاد.

وقد أدت تلك الجرائم والانتهاكات تدريجيًا إلى جعل مصر فوق فوهة بركان غضب يغلي ينتظر لحظة الانفجار، وحدثت المفاجأة الكبرى وجاءت لحظة الحسم (الانفجار) وانتفضت الجماهير فى الخامس والعشرين من يناير بثورة شعبية سلمية عظيمة شملت كافة ربوع أرض مصر، معلنة هدم ذلك الجدار العازل وتطهير البلاد ممن يتربصون خلفها كالذئاب المفترسة؛ لانتزاع حقوق الشعب المسلوبة والمستباحة منذ أمد بعيد. وأصبحت مصر على مشارف ديمقراطية حقيقية جديدة تفتح ذراعيها لجميع شرائح المجتمع بكافة أطيافه السياسية والشعبية من أجل ممارسةٍ علمية منهجية متكافئة، تضع نُصب عينيها مصلحة الدولة العليا، وتعلي قيمة الفرد وتحترم حقه فى التعبير عن رأيه ولو كان مخالفًا للآخر. بطريقة أخرى لنقل أن مصر رُدّت إلينا بعد أسرها اغتصابًا مقابل دماء الشهداء من أبنائها المخلصين كثمن لفك ذلك الأسر الذي طال أمده لعقود من الزمان؛ اشتاقت فيها الأمة لأن تشتمّ نسائم الحرية وتنعم بالديمقراطية.



التدقيق اللغوي لهذه المقالة: هبة البشير

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية