على أكثرية الجدل الدائر حول وجود طبخة سياسية بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والزعيم الأول للجبهة الإسلامية للإنقاذ الدكتور عباسي مدني المتواجد حاليا في العاصمة الماليزية كوالالامبور من أجل الطبابة وشيوع خبر مفاده أن لقاء قد تم بينهما في كوالالامبور. لا يعني البتة أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد كسب الولاء السياسي وضمن الوعاء الانتخابي للحركة الإسلامية على وجه العموم والجبهة الإسلامية للإنقاذ على وجه الخصوص .. لأنه ببساطة شديدة الدكتور عباسي مدني هذه المرة لا يمثل إلا نفسه كما تقول بذلك كل التحاليل وحتى أغلبية قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ.وقد لمح في تصريحاته الصحفية أن الحل الذي سيقدمه من أجل المعضلة الجزائرية التي طال أمدها لا تعنيه كرئيس حزب بل كشخص محايد ينتمي للجزائر .. .. مما يعني أن الرجل لا يريد أن يخلق لنفسه تبعات،ومزالق سياسية فيما بعد كونه يتحدث باسم أكبر حزب إسلامي في الجزائر يحوز على قاعدة عريضة.. كما لا يريد أن يصطدم مع بقية القادة التي تجهل حيثيات الطبخة التي طبخها مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ،والحوار الذي دار بينهما في العاصمة الماليزية.وهناك أمر أجاب عنه عباسي مدني في حوار صحفي أن الصحافة تريد أن تخلق فتنة بينه وبين الزعيم الثاني للجبهة الإسلامية للإنقاذ علي بن حاج. وهذا ما فهمته قادة جبهة الإنقاذ الموجودة في الجزائر والتي لا تملك جوازات السفر.. بادئ ذي بدء أن خروج عباسي مدني بحجة الطبابة كان فخا نصبته السلطة له من أجل الحؤول بينه وبين علي بن حاج،وحتى جميع القادة في ما يتعلق بالتشاور و التناصح وتقريب وجهات النظر،وحتى تنظيم صف الجبهة للإسلامية للإنقاذ بعد أن أصابها التشتت والذر ذرية ..ويكفي للتدليل على ذلك أن السلطة طوال فترة السجن التي قضاها كل من عباسي مدني وعلي بن حاج حرصت على أن تفصل بينهما،وأن تبقي كل واحد بعيدا عن الآخر.وقد بدأت تظهر بوادر تلك الطبخة بين عبد العزيز بوتفليقة وعباسي مدني في أن هذا الأخير أعلن ولاءه علنا لعبد العزيز بوتفليقة ولمساره الرئاسي خصوصا ما تعلق بالوئام المدني . . ولو بمناورة من طرف عباسي مدني الذي تحوم شكوك حوله فهو إما ذكي جدا ،أو لا يفهم في أبجديات العمل السياسي قطميرا.وتجلت تخمينات بعض القادة لجبهة الإنقاذ في أن سفرية عباسي مدني كانت بدافع سلطوي من أجل خلق الشروخ والبلبلة في صفوف حزب الإنقاذ ،وإرباك القاعدة،خصوصا وأن هذه السفرية لم يعلم بها أحد سوى عباسي مدني وعائلته.وما يزيد تأكيدا على أن عباسي مدني هو في مهمة لصالح عبد العزيز بوتفليقة تصريح وزير الداخلية يزيد زرهوني مشددا على أن عباسي مدني لن يعود إلى الجزائر.وذهب المراقبون مذهبا بعيدا في فحوى هذا التصريح وما تضمنته عبارة لن يعود .. أيقصد أن عباسي مدني لن يعود لأنه مريضا بمرض خبيث سيقضي عليه لا محالة في الشهور القادمة.. أم أن عودته مرتبطة بعهدة رئاسية ثانية لعبد العزيز بوتفليقة؟.الواضح أن علي بن حاج الذي يجهل لحد الساعة توجهه وما تعلق بالإنتخابات الرئاسية القادمة في أبريل 2004 ..سيكون على حياد ما دام لا يزال ممنوعا من الكلام ومحاصر سياسيا.كما هو مستبعد جدا أن يحذو حذو عباسي مدني في كل تحركاته ولو كان تحركا فرديا .وعلى الرغم من أن الطبقة السياسية يهمها توجه الرجل الثاني في حزب جبهة الإنقاذ..إلا أنه حسب اعتقادات المراقبين فسيكون في الوقت الحالي مستحيلا مادامت الرؤية السياسة لم تتوضح بالشكل المطلوب .ومعروف عن علي بن حاج أنه مهما قال فلن يخضع لخيارات السلطة ومسلكياتها،ولن يؤيد السياسة البتراء التي لا تتوافق ومنهجه الفكري ولا تحقق مبتغى تطلعات الجماهير.. والأكيد في أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقاعدتها وكما تدل الدلائل والمؤشرات أنها اليوم تستمع لعلي بن حاج أكثر من عباسي مدني خصوصا وأن هذا الأخير ارتمى في حضن سياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ولو من منطلق اتفاق مبدئي حول تطوير الوئام المدني إلى وئام وطني .. لكن الوئام الوطني الذي أصبح مهترئا من فرط البكاء عليه .. لم يولد بعد وقد قاربت عهدة بوتفليقة على النهاية.. على الرغم من أن كل ما بشر به عبد العزيز بوتفليقة من مشاريع كإصلاح المنظومة التربوية التي أشرف عليها علمانيون أقحاح رأت النور .. ومشاريع أخرى سترى النور في المستقبل القريب كمشروع إلغاء قانون الأسرة الحالي وتعويضه بمشروع ينسجم والتطورات العالمية،والاعتقاد الكبير أن قانون الأسرة التونسي سيكون نموذجا.ويخشى الإسلاميون من أن عبد العزيز بوتفليقة سيلجأ إلى طريقة يؤجل بها موعد الإنتخابات الرئاسية حتى ينهي من كل أعمال الورشات التي نصبها.. ولو أن عبد العزيز بوتفليقة هو المرشح القوي لرئاسيات 2004 كما تقول بذلك التقارير .. لكن كل هذا مجرد افتراض،و قد تتغير الأمور فجأة.. وقد تكون المفاجأة مع الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي المرغوب فيه شعبيا ..و الذي سوف يجد الدعم الجماهيري مادام أن الفريق محمد العماري قد ألتزم بأن تكون المؤسسة العسكرية محايدة إلى أبعد حد.الأحزاب الإسلامية وعلى قدرتها على تحريك الشارع فهي مطالبة اليوم بأن تتفق على مرشح واحد من داخل الصف الإسلامي لأن الفترة القادمة ستكون فترة تكتلات وفترة زمر.وهذا الذي فهمه عبد العزيز بوتفليقة عندما سارع إلى مساعدة عباسي مدني على الخروج ،وجعله إلى صفه .. ولكن ربما نسي شيئا مهما عبد العزيز بوتفليقة أن عباسي مدني مفردا لا يقدم ولا يؤخر شيئا..يبقى هناك عائق يواجه الأحزاب الإسلامية في الجزائر .. هو الزعامة القاتلة ولهذا ذهبت مقترحات أحد رجالات الخير السعوديين أدراج الرياح عندما اقترح على الإسلاميين في الجزائر اختيار مرشح واحد لهم.. ولكن من خارج التيار الإسلامي نفسه وليكن أحمد طالب الإبراهيمي.وفهمها الإسلاميون على أنها حرق لمراحل النضال.. لكن نسي الإسلاميون أن الواقع السياسي في العالم على غير ما يتصورونه.. وليس من يتفوه ببعض الكلمات تدلل على الخير فهو قادر على تسيير الدولة .. خصوصا في الوقت الراهن.فبعد أن رفض الإسلاميون مقترح الدكتور محمد عمر الزبير في جعل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي مرشحهم الفعلي في الإنتخابات القادمة .. فأي موقع لهم من الإعراب.. والسياسة لا تؤمن بالبلاهة.