بالتأكيد فإن عراق صدام حسين لم يكن مثالاً طيباً لنزاهة وعفة اليد، فقد كان، فيما يتعلق بتفشي الفساد والمحسوبية سيم سيم مثل بقية ديار العرب، ولكن عراق جورج بوش ليس أفضل حالاً من عراق صدام، إلا لشركات أمريكية مثل بكتل وهاليبيرتون، فالأخيرة مثلاً تبيع البنزين المستورد بواقع دولار وتسعة وخمسين سنتاً، مع أن شركة النفط العراقية ترى أن سعره لا يزيد على 98 سنتاً، وحصلت بكتل على عقود بقيمة مليار دولار لتأهيل البنى الأساسية في العراق، وهانحن نشهد يومياً على شاشات التلفزة دلائل الازدهار والرفاهية ووفرة الخدمات في العراق، ومن آيات هذه الرفاهية أن منظمة إغاثة بريطانية كشفت النقاب عن أن أربعة مليارات من الدولارات من عائدات نفط العراق "خرجت ولم تعد"، ولا يعرف أحد في أي جيب أو كرش استقرت وخلاصة القول هي أن الأمور في العراق مبحبحة على الآخر، فراتب المهندس غير العراقي في اليوم الواحد 900 دولار، يعني أكثر من راتبك في شهر كامل أيها القارئ الكحيان، وأقترح عليك أن تتوجه إلى ميناء أم قصر العراقي حيث تقوم شركة أمريكية بتفريغ الطن الواحد من البضائع نظير 12 دولاراً، بينما تتقاضى موانئ الخليج الأخرى 3 دولارات عن الطن، فإذا كنت ذا عينين زرقاوين وشعر أشقر فعليك بأم قصر حيث راتب الحمال أعلى من راتب الأستاذ الجامعي.
والأمريكان ديمقراطيون وعادلون، ومن ثم فقد أتاحوا المجال أمام أعضاء مجلس الحكم والوزراء في العراق للحصول على عقود وعمولات "بالهبل"، وهكذا فإن عقد إقامة شبكة للهاتف الجوال رسا على مُضر شوكت أحد كبار معاوني حُجّة الدولار، أحمد الجلبي، الذي لمع اسمه في ساحات النضال المصرفي في الأردن وسويسرا، وفوق هذا - يقال - إن وزير التجارة العراقي الحالي علي عبدالأمير علاوي، هو ابن شقيقة أحمد الجلبي، أما إياد علاوي عضو مجلس الحكم المحلي فإنه يرتبط بصلة النسب بوزير الداخلية نوري البدران حيث إن الأخير هو زوج شقيقة إياد، وفوق هذا فإن عم إياد متزوج بشقيقة الجلبي!! هل فهمت شيئاً؟ ولا أنا!! هل شبعتم من السيرة الجلبية العطرة؟ حسناً، خذ ما يلي: يقال إن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري هو خال مسعود البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإن وزير الموارد المائية لطيف رشيد متزوج بشقيقة زوجة جلال الطالباني رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في حين أن وزير النفط إبراهيم بحر العلوم هو ابن عضو مجلس الرئاسة محمد بحر العلوم.
وحكومة أولاد العم وبنات الخال هذه هي نفسها التي كانت تلطم الخدود وتشق الجيوب لاستفراد صدام وعدي وقصي ووطبان وبرزان ورزان بالسلطة في بغداد!! وأرجو ألا يحسب القارئ أنني أتهكم على تركيبة الحكومة العراقية الجديدة،... بالعكس هي حكومة متجانسة بسبب روابط الدم والمصاهرة بين أعضائها، وإذا أخذنا في الاعتبار أن عشرات الجنود الأمريكيين تزوجوا بعراقيات، فمعنى هذا أن روابط الدم ستتسع خلال سنة واحدة بحيث يصبح من حق حكام العراق الحاليين أن يقولوا بكل صدق "الأمريكان منا وفينا" وإن سحب القوات الأمريكية من العراق سيؤدي إلى خراب البيوت وتشتت العائلات.
عندما قرأت تركيبة الحكومة العراقية أصبت بعقدة وأحسست بأنني "قليل أصل"، فليس بين أفراد عائلتي من صار وزيراً أو محافظاً لإقليم، مما يعني أن عيالي سيعيشون مبهدلين مثلي، بلا مراكز تكفل لهم تلقي الرشاوى والعمولات، ولا ألقاب تفتح لهم صالات الـ"في آي بي" في المطارات.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية