تحولت الساحة السورية في الفترة الأخيرة إلى ثقب أسود يكاد يجرف دول المنطقة كلها إلى التورط في الصراع الدائر بين نظام الأسد والمعارضة المسلحة، وقد تميز الصراع منذ بدايته بضراوته وظهور إمكانية توسعه وانتشاره وهدا ما حدث بالفعل بانجرار بعض الأطراف الإقليمية والجماعات المسلحة للمشاركة في العمليات القتالية سواء بدعم المعارضة والدعوة إلى تسليحها أو دعم الجيش النظامي، أي أن الأمر تعدى المساندة السياسية التقليدية إلى التحالف الاستراتيجي والمشاركة كطرف فاعل في الحرب الأهلية.



وقد اكتسب الصراع السوري ملامحًا تضعه ضمن الصراعات المزمنة والخطيرة بسبب اكتسابه صبغة طائفية من جهة؛ ولأنه عكس التباينات والانقسام الدولي والإقليمي من جهة أخرى، وأهم التطورات التي طرأت على الصراع السوري هي كالتالي:

1- التصعيد المستمر:
بدءًا من نسف المدن والقرى والقصف الذي استهدف المدنيين مرورًا إلى حرب المدن الشرسة والتي كانت من نتائجها تقسيم المناطق حسب نتيجة حسم المعارك إلى جهات تسيطر عليها المعارضة؛ وأخرى يسيطر عليها الجيش النظامي؛ وانتهاءً إلى الأحداث الأخيرة في الغوطة والتي على أثرها قضى أكثر من 1500 مدني والتي أثار فيها حقوقيون شبهة باستعمال النظام لأسلحة كيماوية؛ وهو ما تم اعتباره تصعيدًا خطيرًا – حسب وجهة النظر البريطانية –؛ وتعديًا للخطوط الحمراء – حسب وجهة النظر الأمريكية – حينما صرح أوباما أن استخدام الأسلحة
الكيماوية يعد خطًا أحمرًا ، بما أوحى بأن رد الفعل الأمريكي سيكون قاسيًا في حال ثبوت استخدام هذا النوع من الأسلحة.

في الوقت الذي تعاملت معه القيادة السورية مع الحادثة باستهتار؛ حيث اعتمدت أسلوب الإنكار والتجاهل، حيث اعتبر الأسد أن الادعاءات التي روجها الناشطون الحقوقيون خرقاء ومنافية للواقع، وفي نفس الوقت لم تقم الجهات الرسمية بإدانة العمل؛ بل تم مواصلة الترتيبات الرسمية دون انقطاع حيث تم إجراء تعديل حكومي شمل وزارتي السياحة والتجارة، في مساء ذلك اليوم؛ علق كثير من المحللين أن الأسد لا يخشى الغرب بسبب الدعم الروسي المطلق له، وارتفعت الإدانات من العديد من الدول وتمت الدعوة إلى إرسال فريق مفتشين دوليين إلى الأراضي السورية للنظر في المسألة .

في مقابل هذا التصعيد؛ ارتفعت التكلفة الإنسانية للحرب الدائرة في سوريا ليصل عدد اللاجئين السوريين الهاربين من النزاع في بلادهم إلى الدول المجاورة لمليوني شخص يتواجد ثلثاهم في لبنان والأردن؛ حسب أحدث تقرير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، كما أن أعمال العنف أودت بأكثر من 100 ألف شخص؛ حسب الأمم المتحد، إضافة إلى حاجة حوالي سبعة ملايين سوري لمساعدات إنسانية لم تف بها لا المعارضة ولا الحكومة السورية.

2- امتداد تأثير الصراع إلى الدول المجاورة:
رجح عدد من المحللين إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يسعى إلى تصدير الصراع إلى منطقة الشرق الأوسط بهدف رفع تكلفة أي تدخل عسكري خارجي ضد سوريا، ويستغل النظام – في تنفيذ هذه الإستراتيجية – استعداد هذه المنطقة للتفاعل مع الصراع الدائر في سوريا  نتيجة ثلاث متغيرات رئيسية؛ يتمثل أولها في تقارب التشكيل العشائري والطائفي الخاص بسوريا مع دول الجوار؛ ويرتبط ثانيها بالوجود الكبير للاجئين السوريين في دول الجوار؛ ويتعلق ثالثها بانقسام مواقف هذه الدول من الصراع في سوريا، ومن ملامح محاولات تصدير الصراع هي حادثة إسقاط الطائرة التركية في مياه المتوسط من قبل دفاعات الأسد الجوية والتجاوزات العديدة التي قامت بها سوريا من إطلاق للصواريخ على القرى التركية الحدودية والتي راح ضحيتها بعض من الأبرياء؛ والتي أدت تركيا إلى الاستعانة مباشرة بحلفائها في حلف الناتو لنشر منظومة صواريخ باتريوت المتطورة على طول حدودها مع سوريا والتي
تمتلكها فقط بعض الدول منها هولندا وأمريكا.

وحالة لبنان الذي بات يشهد يشكل يومي مصادمات بين مؤيدي الأسد ومعارضيه وتطورت الأزمة لتنذر بوقوع لبنان في مستنقع حرب طائفية جديدة بسبب زج حزب الله نفسه بشكل علني في الصراع السوري الذي باتت تدور رحاه بين العلويين السوريين وبقية أطياف الشعب.

3- تنامي التنظيمات والجماعات الجهادية:
كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون قد أبدت قلقها من تنامي جبهة النصرة التي تدعمها القاعدة؛ والتي تفوقت على جميع منافساتها في القوة القتالية في أنحاء عديدة في سورية، وهذا التفوق قد يكفل لها المشاركة في الحكومة التي ستشكل على أنقاض نظام الأسد وربما هذا ما يفسر تردد الدول الأوروبية وأمريكا حول موضوع تسليح المعارضة.

4- أزمة المعارضة السورية:
استبعد المحللون إمكانية الحسم الداخلي بسبب الانقسام في المعارضة السورية؛ فالمعروف أن المجلس الوطني السوري والذي كان مقره في تركيا ويهيمن عليه الأخوان المسلمين، وهو يُعارض على الدوام إجراء أي مفاوضات مع النظام طالما بقي الرئيس بشار الأسد في السلطة،
ويبقى هدفه الإطاحة به لكنه أثبت عدم فعاليته في السيطرة على المقاتلين السورين.

مما أدى إلى تبني قطر والولايات المتحدة إنشاء كتلة معارضة جديدة هي الائتلاف الوطني السوري وجرى ضم المجلس الوطني السوري ضمن هذا الائتلاف كأبرز مكوناته الرئيسية، وكان أداء الائتلاف الجديد لا يختلف كثيرًا عن أداء المجلس؛ مع سيطرة الإسلاميين في مقابل التمثيل المحدود لليبراليين وقد فشلت الأطراف المنضوية فيه على إظهار التلاحم الكافي بما يسمح له بتشكيل حكومة معارضة ذات مصداقية تمكنه من كسب دعم سياسي ومالي حقيقي من الغرب؛ ناهيك عن الأسلحة.

في الوقت الذي تتناقص فيه فرص نجاح التسوية السياسية في إنهاء الصراع السوري؛ بدأت تلوح تصريحات لقيادات سياسية لدول مثل فرنسا وأمريكا بإمكانية تدخلها عسكريًا في سوريا بعد "مجزرة الغوطة" على خلفية استعمال النظام السوري لأسلحة كيماوية محرمة دوليًا، وبدأت بالفعل عملية حشد من بعض الدول العربية للترويج بأن توجيه الضربة العسكرية هي الحل، كما بدأت إسرائيل بتسريب سيناريوهات عسكرية لضربة جوية تستهدف مواقع حيوية للنظام السوري؛ إلا أن هذه المسالة لا تزال غامضة خصوصًا مع التردد الأمريكي الواضح؛ واستبعاد مسئولين عسكريين أن يكون هذا العمل العسكري – في حال حدوثه –  حاسمًا للصراع السوري؛ بل هو لن يتعدى لفت الانتباه والتأديب حسب تعبيرهم؛ وربما القضاء على الكتائب الإسلامية التي يشتبه انتماؤها إلى القاعدة.

 

التدقيق اللغوي: ريم المطيري

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية