لم تشفع الخطب العرمرمية التي كان يطلقها عبد العزيز بوتفليقة أيام الحملة الانتخابية و حتى بعد ظفره بمنصب رئيس الجمهورية أمام منافسيه الستة المنسحبين. . أحمد طالب الإبراهيمي. . يوسف الخطيب. . آيت أحمد. . مقداد سيفي. . مولود حمروش. . و عبد الله جاب الله في أبريل 1999. . قبالة الركام الهائل من المشاكل المتعددة الأوجه. . وأمام المواطن الجزائري المعني رقم واحد بتداعيات الأزمة و بالنظام السياسي المترهل الجاثم قسرا على مفاصل دواليب الدولة لأزيد من أربعين سنة. فما كان يقوله بوتفليقة عن تفعيل الحياة السياسية و ترتيب البيت الاقتصادي المتآكل بفعل العامل المافيوي و الذي حدده عبد العزيز بوتفليقة نفسه بعصبة من المستوردين لهم ملكية مطلقة على الموانئ ... وكذا تقليص دائرة العنف و حماية المواطنين العزل في المد اشر من تنكيل و تذبيح الجماعات الإجرامية ليلا. . لم يكن في واقع الأمر سوى أد لجة في أد لجة. . تبعث على التساؤل من قبل الجميع عن جدية المسعى التغييري المنتهج من طرف بوتفليقة وما له صلة بحياة الجزائريين كدولة كان لها الدور الريادي في زمن من الأزمان. . خصوصا وأن عبد العزيز بوتفليقة تحصن بالشعب باكورة الانطلاقة في مهامه كرئيس منتخب حيث كانت المبايعة تكاد أن تكون مطلقة من مختلف المشارب المفاهيمية من حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بقيادة سعيد سعدي البربري. وحزب الجمهوريين بقيادة رضا مالك. مرورا بجبهة التحرير الوطني بقيادة بوعلام بن حمودة و التجمع الديمقراطي بقيادة أحمد أويحيى إلى حركتي النهضة و حماس بقيادة لحبيب آدمي ومحفوظ نحناح"رحمه الله". فمفاتيح أبواب النجاح جلها كانت في قبضة يد عبد العزيز بوتفليقة حتى المفتاح المستعصي المتمثل في الأمني كان بحوزته أيضا عندما استجاب أزيد من 6000 مسلح لسياسة الوئام الوطني مما اعتسرساعتدئذ نصرا بل فتحا مبينا لعهد جديد مشرق. لكن مع توالي الأيام و بعد أن ألزم نفسه بوتفليقة بثلاثيته التي تشمل إجراء عملية جراحية تزيل العلة من جسم الجبهة الأمنية بإعادة الأمور إلى نصابها كما صرح في المنتدى الدولي الاقتصادي "كرانس منتانا" بسويسرا "أن إلغاء انتخابات 26 ديسمبر 1991 التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت عنفا في حد ذاته. . وهذه المزلقة الأولى لعبد العزيز بوتفليقة ودخوله المواجهة غير المعلنة مع المتنفذين في الحكم و صناع القرار في الجزائر الذين امتعضوا لمثل هذا التصريح غير المنتظر. كذلك كانت الثلاثية إلى جانب الأمني تنطوي على البحث عن دور فاعل للجزائر بعد أن تم تطويقها من كل جانب وعزلها ومشاكلها. . ورسم اقتصاد ناجح يأخذ البعد العالمي في الحسبان فكان مشروع الإنعاش الوطني على شاكلة مشروع " مارشال" بعد الحرب العالمية الثانية. . بيد أن أموال هذا المشروع الثلث منها ذهب مع الوحل الذي غطى باب الوادي بالجزائر العاصمة في 10 نوفمبر 2001. إن إلقاء نظرة موضوعية على مسار عبد العزيز بوتفليقة الرئاسي يصل بنا إلى حقيقة مفادها أن الرجل استطاع خلط الأوراق ومناورة خصومه وإزعاجهم كم من مرة. . ولم يستطع في المقابل الوفاء بالوعود التي حملها برنامجه الانتخابي.. فقد أجل كل شيء إلى حين رغم أن الفرصة واتته حيث كان الرئيس الوحيد الذي تمكن من جمع المتناقضات حوله من أحزاب وشخصيات وجمعيات… وهذا كان كافيا ليحدث ثقبا في جدار الأزمة الجزائرية… كما يعد الرئيس الوحيد الذي تحوي الخزينة العامة في عهده من احتياطي الصرف ما يربو عن 22 مليار دولار. فرغم توفر كل المعطيات الكفيلة للخروج نهائيا من عنق الزجاجة ومن حالة التشنج و الاحتقان إلا أن التماطل في إزالة العوائق الداخلية والاهتمام بالسياسية الخارجية كإحدى أولويات السيطرة على قوى الداخل و الخصوم المناوئين أرجأ الحل إلى إشعار آخر و عمق الفجوة بين السلطة والشعب أكثر ما كانت عليه. . ودفع بجموع المواطنين إلى الاستقالة من الحياة إما بالانتحار وإما بالجنون. بوتفليقة اليوم بعد أن قاربت عهدته على النهاية ،ولم يبق من عمرها سوى خمسة أشهر.. مجبر على التعامل مع الأزمة بواقعية أكبر إذا ما أراد فعلا ربح المعركة الرئاسية القادمة في حال الترشح لها. . وعليه إذن في هذه الحال اختيار أقصر السبل إلى تحقيق الإجماع من جديد حوله… وحسب الملاحظين و ما تجمع عليه الأمة قاطبة أن السبيل الوحيد إلى الرضا الشعبي هو العفو الشامل عن كل المساجين السياسيين ، والدخول بجدية في إحقاق المصالحة الوطنية الشاملة مهما كان الثمن.. ولو أن الوقت لم يبق منه متسع بيد أن المسألة في غاية البساطة لو كانت النية صادقة. إن التحديات الكأداء الملازمة لرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا تمثل فقط كما يقول هو بنفسه في المحيطين به ممن رسموا له خطوطا حمراء وخضراء.. وحددوا له المساحات المسموح اللعب فيها. . بل في شخصه نفسه ومساره ككل.. وجنيه للثمار منطلقه الحرث وزرعه للبذرة وباتفاق معظم المحللين العارفين بخبايا أروقة بوتفليقة أن عبد العزيز بوتفليقة بعد جهد جهيد فسر الماء بالماء. . وضيع وقته في الأسفار ..وبدل من يلتفت للمشاكل الداخلية كرئيس جمهورية راح يقوم بدور وزير الخارجية ولهذا لم يتقدم خطوة واحدة في حلحلة الأزمة الجزائرية بالقدر الذي ارتمى في حضن الأدلجة وكسر الطابوهات بشكل غير مسبق لا نظير له…….

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية