قبل أن تجيب على هذا التساؤل انظر من حولك يمينًا ويسارًا وشمالاً وجنوبًا وفكر مليًّا وابحث كثيرًا؛ لتدرك بأنه بمجرد سقوط غزة فإنه لم يعد هناك من معقل لمقاومة أو إيقاف مشروع إسرائيل إلا في تلك البقعة من الأرض، وأنه بمجرد الإعلان عن سقوط غزة ونزع سلاح حماس سوف تشطب كلمة (الصراع العربي الإسرائيلي) من قاموس المفردات ليحل محلها كلمات ومعاني كثيرة كلها تحمل في طياتها أكبر معاني الخضوع والخنوع والمهانة.
إذا ما سقطت غزة فسوف يسقط وللأبد أي صوت وكل صوت كان ينادي بالوحدة العربية وبعودة الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل، وبحلم العودة إلى القدس الشريف والصلاة في الحرم القدسي أولى القبلتين وثالث الحرمين.
والمصيبة الكبرى أن البعض يظن بأن الأمر لن يتعدى ذلك وأنه في حال نزع سلاح حماس وتوقف المقاومة ضد إسرائيل فإن الأخيرة سوف تنشر السلام في المنطقة وتتوقف عن مشاريعها التوسعية وبكل بلاهة افترضوا حصول ذلك وقد نسوا أو تناسوا بأن هذا الكيان الصهيوني له مشروع وحلم لن يتوقف حتى يحصل عليه ويتمه ألا وهو دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. هذا إلى جانب أن هناك البعض قد باعوا ضمائرهم وتحالفوا مع الشيطان وعقدوا معه صفقة بموجبها يحصلون على نهر من الدولارات في مقابل غض الطرف والتوقف عن مهاجمة إسرائيل والسكوت على جرائم الإبادة العرقية التي تحدث في غزة منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي بل وتبرير ما تقوم به إسرائيل من أفعال لا يرضى بها إنسان يحمل في داخله أدنى قدر من الإنسانية.
إذن فماذا بعد سقوط غزة؟
إنني بت لا أعرف هل ضاعت البوُصلة من أيدي من يقومون على حكم مصر وبعض البلدان العربية ليتخذوا من غزة عدوًا يجب تقليم أظافره. أم أنه تواطؤًا مع الكيان الصهيوني ظنًّا منهم بأن هذا في مصلحة مصر ومصلحتهم جميعًا؟!
إن غزة تعني للعدو الصهيوني الكثير للعديد من الأسباب وأهم تلك الأسباب هو أنها معقل لحماس وهي آخر صوت في العالم يرفض الاعتراف بالكيان الصهيوني (دولة إسرائيل) وهذا يسبب لتلك العقلية الصهيونية الكثير من الغل الذي يجعلها تفقد عقلها بالإضافة إلى أن غزة تطل على سواحل وحسب خبراء عالميين تحوي في قاعها حوالي ثلاثين مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي وجميعنا نعرف بأن تلك العقلية المادية التي لا تعترف سوى بالماديات كيف تنظر إلى هذا الكنز وتخطط للحصول عليه كما حصلت من قبل على نفط سيناء بعد استيلائها عليها.
أما الهدف الغير معلن والذي لا يفارق بال ولا نظر حكماء صهيون هو أن سقوط غزة يعني سقوط البوابة الشرقية التي تطمح لدخولها منذ نشأتها إلا وهي بوابة مصر الأهم والأصعب على إسرائيل والتي ما أن تسقط حتى يصبح الطريق إلى نهر النيل معبدًا وسهلاً.
إسرائيل في هذه المرة لا تطمح إلى احتلال سيناء فقط فمخطئ من يظن ذلك فهي لن تتوقف هذه المرة حتى تحصل على الشطر الشرقي من نهر النيل كاملا وتكمل في الجانب الشرقي حلمها في استحواذها على الخليج لتعلن ساعتها قيام دولة إسرائيل كاملة وتبدأ في ترسيم حدودها التي تقبلها وليس تلك الحدود الحالية، وهنا ادعوا كل من يرى أن هناك ثمة خطأ في سردي لتلك الحقيقة أن يخبرني بحدود إسرائيل أو يأتي لي بخريطة دولة اسمها إسرائيل، وإن لم يجد فليصمت ويدرك حقيقة مخطط تلك الفئة الصهيونية التي لا تعرف للسلام طريقًا ولم تسلك لها دربًا يومًا ما إلا بالضغط عليها ومحاربتها.
إن هذا الكيان والجسد الغريب الذي زرعه الغرب في أرضنا بموجب الوعد المشئوم (وعد بلفور) مخطئ من يظن أن ذات الغرب قد تغير وأنه سيسمح بإدانة إسرائيل أو حصول الفلسطينيين على حقهم في دولة مستقلة وحكم مستقل فهذا غير وارد في الأدبيات الغريبة التي تنفست الصعداء بخروج اليهود من أوروبا واستوطانهم لأرض ليست بأرضهم وبوطن ليس بوطنهم، وأن كل تلك النبرات التي تشجب أفعال الكيان الصهيوني من منظمة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان وكل تلك المنظمات تعلم جيدًا بأنها تفعل هذا بعد استئذان من الولايات المتحدة الأمريكية لتخفيف الضغط على إسرائيل وحتى لا يهاجمهم العالم على صمتهم المطبق والذي لا يعني إلا تواطؤ وخذلان للإنسانية، وأن تلك المنظمات التي تشارك فيها أمريكيا بنسبة 90 بالمائة من ميزانياتها نعلم جيدًا بأن لها خط أحمر لا تستطيع تعديه وأن التهديد الأمريكي المتواصل بالانسحاب من تلك المنظمات يجعلها تقف عاجزة حتى وإن كان بها أصوات تنادي حقًا بشجب ورفض الأفعال الصهيونية في فلسطين.
ولكن المشكلة ليست في أمريكيا وليست في المنظمات الدولية (الأمم المتحدة وحقوق الإنسان) إنما المشكلة الأكبر التي باتت تهدد مستقبل تلك المنطقة هي عقيدة بعض الحكام وبعض أنصارهم ممن يروجون لفكرة أن حماس هي الكيان الأخطر على المنطقة وأن إسرائيل يمكن أن تصبح دولة سلام، وها نحن نرى كل يوم على بعض القنوات الفضائية الحكومية والخاصة تبريرًا لأفعال إسرائيل ومجازرها التي ترتكب في حق الأطفال والنساء والشيوخ ثم نتفاجئ بتبرير من أشخاص يدعون العروبة بل وتحميل المسئولية لغزة وعلى وجه الخصوص حماس بأنهم هم من يبدأون العدوان على شعب إسرائيل المسالم هذا كله وسط سكوت وصمت مطبق من حكومات عربية، لا نعرف كيف تركت القضية الفلسطينية وترفض حتى مجرد الشجب وإدانة المجازر الإسرائيلية.
إننا نمر بظرف عصيب في تاريخ هذه الأمة، ولن أكون مبالغًا في حديثي إذا ما قلت بأن تلك المرة تختلف عن جميع سابقاتها منذ نشأة الصراع العربي الصهيوني فإن تكالب بني صهيون وحلفائهم من أبناء جلدتنا على غزة قد وصل إلى حد خطير يدعوا كل من يحمل في داخله ذرة من عروبة أو إسلام أو حتى إنسانية أن ينظر إلى أبعد من ذلك في حقيقة ما تفعله إسرائيل، فالأخيرة قد انتوت شراء الذمم وقد حاربت لتحدث فوضى في البلدان العربية باستغلال ثورات الشعوب العربية وجعلها بدلاً من أن تكون ربيعًا عربيًا أن تكون شتاءً طويلاً للعرب والمسلمين في تلك المنطقة.
وأعود وأحذر كل من يظنون بأن هذا الشر الصهيوني لن يطالهم بأن ظنهم قد خاب وأن كل المنطقة سينالها شيئًا من ويلات هذا الفكر المتطرف لبني صهيون، فكل المنطقة في خطر وهذا السرطان الذي زرعه الغرب في أرضنا لن يتوقف قبل أن يقضي على معالم الوطن العربي بالكامل ودون استثناء.
إن آل روتشيلد قد أعدوا خطتهم الشيطانية منذ عصور طويلة لكي يصلوا إلى ما هو الحال عليه في تلك المنطقة، فبعد أن دمروا أوروبا ونشروا فيها الفساد واستغلوا مواردها واشتروا ذمم حكامها وأشعلوا الحروب بين أبنائها فها هم ومنذ العام 1907 لحظة سقوط آخر دولة إسلامية كانت تجمع المسلمين (الدولة العثمانية) يخططون ويدبرون المكائد ويشترون الذمم وهذا ما كشفه الباحث الأمريكي من أصل صيني (سنوغ هونغبينغ) وتعرض على إثره إلى العديد من المشكلات من قبل تلك العائلة، ونحن نعرف أن مخططهم في تلك المنطقة أن يجعلوا منها مرتعًا لأبنائهم الذين لا نعرف لهم أصلاً وما هم إلا عالة على شعوب العالم وأيضًا حتى تستطيع إسرائيل المزعومة أن تصبح الدولة العظمى لتحل محل الولايات المتحدة الأمريكية، ولن يتوقفوا عن دعم وتدعيم هذا الجسد النتن المزروع في أرضنا قبل أن يتحقق حلمهم وحلم آبائهم وأجدادهم في الحصول على دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وعاصمتها القدس، وهنا لن يعود هناك شيء اسمه فلسطين أو سيناء أو خليج أو عرب.