ماذا لو أعطى العرب كلهم وخاصة نحن الجزائريين -سلطة ومعارضة.. جيشا وشعبا- هذا الشهر الفضيل حقه، وتحولت عملية التقديس لـ "رمضان" إلى إلتزام حقيقي.. ووقع إنصهار عميق مع آداب هذا القادم الكريم، بعيدا عن أي مظلة، وبعيدا عن أي واجهة، أو لون، أو غطاء.. ماذا سيحدث؟ بالتأكيد سيحدث التغيير الذي ظللنا ننشده لعقود من الزمن.. ستتفكك كل الأزمات.. سيزول الاحتقان.. ستتكسر كل أشكال الانسداد.. سيختفي الصراع والاستبداد .. وتتوارى مختلف الكومبلووات.. ولا ينقضى الشهر إلا والجزائر تكون قد خرجت من طور المخاض، ووضعت أقدامها على ساحة الانفراج حيث الأمان والسلم والطمأنينة.
هذه هي المعجزة التي تحدث عنها بعض المحللين في فك الشيفرة الجزائرية.. ورمضان هوالمعجزة الذي لا يحتاج إلى وساطة أحد، ولا يخضع لضغط أمريكي، أو ترهيب فرنسى، أو ترغيب أوروبي..
رمضان - وفق آدابه- هو الذي يقتل كل الفيروسات التي ترقد في أعماق نفوسنا ، ويمسح كل النفايات واللوثات التي تراكمت على أرواحنا، فبلدت مشاعرنا وأفسدت حياتنا..
رمضان هو الذي يقمع فينا النوازع الشريرة، ويكرس الأخوة فيما بيننا، ويزرع في قلوبنا قيم الخير والحق والجمال فيسمو بنا عن الحزازات والتآكل والصراع المقيت ، ويمضي بنا نحو التصالح من غير إبتزاز أونفاق، ويرسخ فينا قناعة التعايش في جزائر تستوعب الجميع ، بل وتتسع لأضعاف وأضعاف من ذلك ..خاصة وقد حباها الله بالنعم والخيرات وجعل الاختلاف بين أفرادها سنة كونية..
رمضان يذيب فينا كل هذه التصنيفات و"التيكاطات"، فيصهر الجميع في بوتقة واحدة من المواطنة والعبودية لله وحده دون غيره لا فضل لأحد على أحد إلا بالعمل والعطاء..
فلماذا لا يسعى الجزائريون إلى إكتشاف هذه الحقيقة وتجسيدها بشكل تلقائي.. لماذا لا يستغلون فرصة هذا الشهر الفضيل، والذي يصادف ذكرى غالية في الجزائر، ومحطة ذهبية للمراجعة والتأمل وهي ذكرى ثورة "نوفمبر" الخالدة التي هي أعظم ثورة إسلامية في العصر الحديث أطاحت بفرنسا -وهي أكبر قوة إستعمارية- وكذا بالحلف الأطلسي ..فيكون المناخ أكثر ملاءمة لاستلهام أدبيات "نوفمبر" وميراث الشهداء في تكوين دولة جزائرية ديمقراطية في إطار المبادىء الإسلامية، وإعادة صياغة الذات وتسليحها بالشكل الذي يضمن لها الانتصار على التحديات التي تتربص بها..
الاشتغال بالطقوس المظهرية فقط ، وتمييع الحكمة التي جاء من أجلها هذا الشهر هو الذي يجعل الأمة في حالة إنتكاسة دائمة وخسران مبين ،ومدعاة لأن تتداعى عليها الأمم الأخرى.. أليست أزمتنا في حقيقتها هي أزمة إيمان وعقيدة وأخلاق قبل أن تكون أزمة سياسية أوإقتصادية أو أمنية..؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية