قام الإسلام على الإصلاح والتحديث وتقويم المجتمع العربي منذ بدء الدعوة الإسلامية؛ حيث كانت الحضارة العربية والإسلامية قد بدأت تشع في الشرق والغرب، ومن ثمّ انتشرت في بلدان الغرب التي كانت تئن آنذاك تحت وطأة الفقر والجهل والتخلف.
فالعروبة والإسلام وما يمثلان من حضارة ومدنية استمرا يشعان على ظلام وتخلف أوروبا لقرون كثيرة.
وعلى الرغم من كل الحروب الصليبية والأوربية الحديثة في المحاولات التي كان القصد من ورائها القضاء على إنجازات الأمة العربية والإسلامية، والتي تظل شعوب العالم تنهل من علومها المتنوعة؛ في الرياضيات والعمارة والهندسة والفيزياء والكيمياء والطب والصيدلة والموسيقى والطبيعيات والعلوم الإنسانية وسواها من علوم طبيعية ونظرية.
ويلاحظ أيضا أن (خط شريف جولخانة) يكاد يكون الخط الأول المتكامل الذي لم يكن معتمدا على الشريعة بل تضمن توفيرا واحتراما للقرآن الكريم وللشريعة، وقد تضمن الخط الفرمان نقاطا رئيسة تتمثل بما يلي:
1- ضرورة إيجاد ضمانات لأمن جميع رعايا الدولة على حياتهم وشرفهم وأملاكهم.
2- ضرورة إعلان محاكمات الرعايا، وأهمية مطابقتها للوائح.
3- إلغاء إجراءات مصادرة الأملاك.
4- إيجاد نظام ثابت للضرائب يحل محل الالتزام.
5- توفير نظام ثابت للجندية بحيث لا تستمر مدى الحياة، بل تحدد مدتها بفترة تتراوح بين أربع أو خمس سنوات.
وقد اعتبر الأروبيون (خط شريف جوخان) بمثابة العهد الأعظم بالنسبة للعثمانيين.
- إن شعوب العالم العربي هي أفضل من يفهم التحديات التي تواجهها ومن تقرر كيف التعامل معها، ثم أكد على أهمية تدخل بريطانيا والغرب في العالم العربي للأسباب التالية:
1- قرب العالم العربي من بريطانيا ومن الدول الأوربية .
2- الشراكة بين العالم العربي والغرب في التجارة والاستثمار والتعلم .
3- الشراكة بين الجانبين في مكافحة الإرهاب العالمي ونزع أسلحة الدمار الشامل.
4- إن العالم العربي هو المصدر الرئيس للطاقة وللاقتصاد العالمي بأسره.
5- الاهتمام المشترك من أجل حل القضية الفلسطينية وبناء عراق حر ومزدهر .
6- إن العالم العربي هو مهد الإسلام ومهد الديانات السماوية الأخرى .
7- إن الحريات والتطور والتحديث عوامل أساسية للازدهار والاستقرار في العالم العربي .
8- إن مئة مليون وظيفة يحتاجها العالم العربي في العشرين سنة القادمة استنادا إلى تقرير البنك الدولي، كما يعاني العالم العربي من البطالة بين الشباب تقدر بـ 50%، ولن يحل هذه المشكلة إلا عمليات التطور والإصلاح .
9- إن نصف العالم العربي مصاب بالشلل الاقتصادي والاجتماعي لأن الحكومات والمجتمعات العربية تمنع النساء من العمل والمشاركة في دور الاقتصاد مما يعني أن نصف المجتمع لا يستطيع أن يقوم بدوره في النمو الاقتصادي وفي تنمية المجتمع.
10- يعاني المجتمع العربي من الأمية والجهل لاسيما بين الإناث والأطفال، مما ينذر بأوخم العواقب التنموية لا سيما في ظل تزايد مخيف لعدد السكان .
* لهذا كله رأى جاك سترو أن العالم العربي حاليا يواجه هذه التحديات مجتمعة والتي لا يمكن تجاوزها إلا بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتربوي.
- والحقيقة أن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو رأى أن العالم العربي يحتاج أكثر مما طالب به المثقفون العرب، فقد رأى أن الشعوب العربية تحتاج إلى :
1- حكومات عربية ديمقراطية أكثر انفتاحا ومشاركة وتمثيلا لشعوبها مدعومة من المجتمع المدني.
2- حكومات عربية تجعل حكم القانون أكثر فعالية وشفافية وتتخذ إجراءات لاحترام أكبر لحقوق الإنسان .
3- إصلاحات اقتصادية لإيجاد الوظائف وتحفيز النمو .
4- الاهتمام بالتعلم المتطور مقدمة لإعداد كوادر تتميز بالكفاءة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين .
5- إحداث تغيرات مبدعة لتمكين النساء من توظيف قدراتهن في المجتمع العربي .
6- إصلاحات جذرية في القضاء الذي يحتاج إلى إصلاح حقيقي في العالم العربي.
7- إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ لأن استمرار العنف بين الشعبين يمثل عقبة في سبيل الإصلاح.
- أهم البنود التي جاءت في وثيقة (مسيرة التطوير والتحديث والإصلاح في الوطن العربي) في ختام القمة العربية السادسة عشرة في تونس:
نعلن تصميمنا على ما يلي :
1- استمرار الجهود وتكثيفها لمواصلة مسيرة التطوير في المجالات السياسية والاجتماعية والتربوية تحقيقا لتقدم المجتمعات ومفاهيمها الثقافية والدينية؛ في سبيل تقدم المجتمعات العربية النابع من إرادتها الحرة بما يتفق مع قيمها ومفاهيمها الثقافية والدينية والحضارية وظروف كل دولة وإمكاناتها.
2- تعميق أسس الديمقراطية والشورى، وتوسيع المشاركة في المجال السياسي والشأن العام وفي صنع القرار في إطار سيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير وفقا لما جاء في مختلف العهود والمواثيق الدولية والميثاق العربي لحقوق الإنسان، وضمان استقلال القضاء؛ مما يدعم دور مكونات المجتمع كافة رجالا ونساء في الحياة العامة ترسيخا لمقومات المواطنة في الوطن العربي .
3- الاهتمام بالطفولة والشباب ومواصلة النهوض بدور المرأة في المجتمع العربي وتدعيم حقوقها ومكانتها في المجتمع؛ تعزيزا لمساهمتها في دفع عملية التنمية الشاملة من خلال مشاركتها الفعلية في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
4- مواصلة الإصلاحات الاقتصادية للارتقاء بمستوى معيشة شعوبنا ورفع معدلات النمو في بلداننا، وتفعيل دور القطاع الخاص واتباع سياسات تستهدف تحرير التجارة والنفاذ إلى الأسواق الخارجية، وتطوير أجهزة الدولة لتقوم الدولة بدورها بشكل فاعل في تنفيذ هذه الإصلاحات .
5- العمل على الإسراع بإنجاز سوق عربية مشتركة والإسراع بالمراحل المطلوبة لذلك وتحقيق التكامل بين اقتصاديات البلدان العربية وتنمية الاستثمارات وتطوير العلاقات الاقتصادية البينية، وتدعيم انخراطها في اقتصاد السوق مما يكفل عمل البلدان العربية مع بقية البلدان كمجموعة اقتصادية متماسكة ومنفتحة على الدول والتجمعات الاقتصادية الأخرى.
6- وضع استراتيجيات عربية شاملة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية والبشرية قصد ترسيخ مفاهيم الحكم الراشد ومعالجة ظاهرة الفقر والأمية وحماية البيئة وتوفير فرص العمل والرعاية الصحية في العالم العربي .
7- تحديث البنية الاجتماعية لدولنا والارتقاء بنظم التعلم وتطوير قواعد المعرفة لمواكبة التطورات العلمية والتقانية والتقنية في العالم العربي، وتمكين مجتمعاتنا من التعامل مع متطلبات روح العصر في إطار صيانة هويتنا واحترام تقاليدنا الأصيلة .
8- التعاون مع المجتمع الدولي في إطار الشراكة المتضامنة وعلى أساس المصالح المشتركة قصد تحقيق ازدهار ونمو الدول العربية وشعوبها؛ مما يسهم في تعزيز ركائز الأمن والسلم والاستقرار إقليميا ودوليا .
9- مضاعفة الجهود باتجاه المجموعة الدولية من أجل تحقيق التسوية العادلة .
10- دعم حق سيادة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث المحتلة .
11- مواصلة العمل في إطار الشرعية الدولية وبشراكة مع الدول العربية والمجتمع الدولي على مكافحة الإرهاب بكل أشكاله واقتلاعه من جذوره .
12- التمسك بقيم التسامح والاعتدال والحرص على ترسيخ ثقافة الحوار بين الأديان والثقافات ونبذ روح الكراهية بكل أشكالها وإشاعة قيم التضامن والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم؛ مما يعزز عرى الصداقة والتفاهم في إطار الاحترام المتبادل .
13- التأكيد على أهمية دور الجاليات العربية في الخارج كجسر للصداقة والتعاون بين الدول العربية والدول المضيفة لهذه الجاليات .
أما بالنسبة للنزاع العربي الإسرائيلي ففيه تأكيد لتسوية عادلة وشاملة ودائمة للصراع العربي الإسرائيلي تقوم على قرارات الأمم المتحدة .
كما اتفقت (مجموعة الثماني)على الإعداد والمساعدة فيما يلي:
1- إقامة منتدى من أجل المستقبل يستجمع معاني منتدى واحد وزراء الخارجية والاقتصاد ووزراء آخرين من مجموعة الثماني ومن المنطقة لمناقشة دورية الإصلاح مع مشاركة رجال الأعمال.
2- تبني خطة للدعم وتقديم المساعدات من خلال مبادرات جديدة.
3 - حوار مساعدة الديمقراطية الذي سيجمع معا مؤسسات ديمقراطية وجماعات المجتمع المدني وحكومات من مجموعة الثماني والمنطقة ودول أخرى، وترعى تركيا واليمن وإيطاليا حوار مساعدة الديمقراطية ....
4- مبادرة محو الأمية لمساعدة جهود المنطقة على خفض نسبة الأمية إلى النصف مدى العقد المقبل، وتتضمن مبادرة لتدريب مئة ألف مدرس حتى سنة 2009 وسترعى أفغانستان والجزائر هذه المبادرة.
*5- مبادرة لتدريب رجال أعمال بهدف تدريب (250) ألف مستثمر شاب، ـ وخصوصا النساء ـ على تعزيز فرصهم في التوظيف.
*6- مشروع الاستثمار الخاص بمؤسسة التمويل الدولي من أجل استثمار مئة مليون دولار تستخدم في استثمارات صغيرة ومتوسطة الحجم .
*7- شبكة صناديق التمويل لتنشيط عمل مؤسسات التنمية ومؤسسات التمويل الدولية في المنطقة.
*8- فريق عمل للاستثمار يساعد جهود المنطقة لتحسين المناخ الاقتصادي.
ومن الملاحظ على مؤتمر –إستمبول –منطقة المؤتمر الإسلامي أنه على الرغم من توجه النقد للولايات المتحدة الأمريكية لسوء معاملاتها لأسرى العراق وعلى الرغم من تأكيد الحق الفلسطيني والعراقي في الحرية والاستقلال؛ غير أن البنود المتعلقة بالإصلاح للعالم العربي ليست سوى بنود المشروع الأمريكي الإيطالي ومن ثم مشروع قمة الثماني بشكل أو بآخر.
بعد الخروج من المؤتمرين تبيّن ما يلي :
أولا: على الرغم من التحفـظ على الدوافع الكامنة خلف المبادرات الدولية للإصلاح في العالم العربي؛ إلا أنه يلاحظ ما يلي :
• أنها اشتملت على عدد من أهم مطالب الإصلاح التي تضمنتها برامج المصلحين والحركات السياسية والمنظمات الحقوقية في العالم العربي .
• وتصلح الرؤى المتضمنة في مبادرة مجموعة الثماني كبداية للمناقشة والحوار .
• على أن تتسع للمجتمع المدني في العالم العربي كشريك متكافئ في هذه الشراكة .باعتباره طرفا أصلا في أي إصلاحات جادة في كل دولة .
• لاشك في أن هناك مصلحة مشتركة في مناهضة إيديولوجيات التعصب الديني والعرقي وثقافة العنف والتميز والكراهية على الجانبين .
• ومن أهم إيجابيات المبادرات الدولية للإصلاح أنها قد دفعت الحكومات العربية للاهتمام بقضية الإصلاح.
ثانيا: إن تلك المسؤولية الجماعية عن التأخر الشديد في الإصلاح السياسي والدستوري ظهرت بصورة مغلقة في قرارات مؤتمر القمة الأخير في تونس.
ثالثا: تحمل الحكومات العربية مجتمعة ومنفردة المسؤولية الأخلاقية والسياسية.
رابعا: إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة والاعتراف الكامل بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وما إلى ذلك من مطالب أساسية لا رجعة فيها، وهي من الإصلاح للعالم العربي.
خامسا: إن رغبة الحكومات العربية هي تفادي ضغوط المجتمع الدولي من أجل الإصلاح .
سادسا: إن شعوب العالم العربي في مأزق صعب؛ فهي:
1- تشك في دوافع المبادرات الدولية للإصلاح وجديتها .
2- تدرك أن الحكومات ترفض الإصلاح.
3- لا تملك القوة اللازمة لإجبار حكوماتها على الشروع في الإصلاح .
سابعا: في هذا السياق تبرز أربعة مسارات نظرية افتراضا لعملية الإصلاح:
1- إصلاح مفروض من الخارج على نمط ما حدث في العراق.
2- سيناريو ثوري، وهو تاليا لا ينطبق عليه تعبير الإصلاح.
3-إصلاح من اعلى إقتداءا بالنموذج المغربي في الإصلاح التدريجي
4- سيناريو المجتمع المدني وهو يتطلب أن تنمو قوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية في أي دولة.
ولا يوجد سور صيني يفصل بين السيناريوات الافتراضية الثلاثة، فبعضها يكمل بعضا.
ثامنا: إن السيناريو الافتراضي الرابع للإصلاح من الداخل يتطلب :
1- توافر إرادة سياسية صلبة للنخب السياسية والثقافية، وتوافقا على الأولية القاطعة لقضية الإصلاح السياسي على جدول أعمالها وعلى حساب أي قضايا أخرى مهما بلغت أهميتها .
2- التوصل إلى حل توافقي لإشكالة علاقة الدين بالدولة .
3- التوافق حول برنامج حد أدنى للإصلاح في كل دولة .
4- توافر إرادة سياسية للإصلاح من جانب النخبة الحاكمة، أو على الأقل عدم اللجوء إلى العنف لقمع حركة الإصلاح.
أولوية الإصلاح:
تاسعا: لقد أوضحت مداولات المؤتمر أن الأولويات في مطالب الإصلاح السياسي في النظم الجمهورية هي التداول على السلطة ووضع حد أقصى لفترات تولي الرئاسة، وفي هذا السياق برز عدد من الأولويات المشتركة هي:
1- إطلاق حرية امتلاك وسائل الإعلام وتدفق المعلومات.
2- إطلاق حرية إنشاء وإدارة الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات غير الحكومية.
3- إطلاق حرية التعبير وخاصة الحق في التجمع والاجتماع.
4- رفع حالة الطوارئ حتما وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية .
آليات الإصلاح :
عاشرا: لقد أوضحت مداولات المؤتمر مدى محدودية الخيارات بالنسبة إلى آليات الإصلاح.
1- محليا: إبداع إطار تنظيم خلاق لقوى الإصلاح في كل دولة.
2- إقليميا: إنشاء منبر إقليمي في العالم العربي للحوار وتبادل الخبرات بين قوى الإصلاح من أحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات عامة.
3- دوليا: تطوير هيكل الحوار المقترح بين المجتمع الدولي والحكومات العربية الراغبة في الإصلاح؛ ليصير مثلثا متساوي الأضلاع بانضمام مؤسسات المجتمع المدني كشريك متكافئ في هذا الحوار.
4- دوافع مساعدة:
- اضطلاع المجتمع المدني بإنشاء مرصد لمراقبة تطور السير في الإصلاح داخل الدول العربية وقياس معدله.
- إعداد توثيق شامل للمبادرات الإصلاحية التي طرحتها القوى الديمقراطية في العالم العربي.
- ولكي يكون ذلك التوثيق مرجعا للقوى السياسية والمجتمع المدني في إعداد برامجها المعاصرة - وبكلمة موجزة فإن شعوب المنطقة العربية آمنت منذ مئات السنين بالإصلاح والتحديث، وهي التي قادت العالم ردحا من الزمن إلى التنوير والعلم والتقدم، وما تزال اليوم تؤمن بالإصلاح الذاتي وغير المؤقت وترفض الإصلاحات المتأمركة المفروضة من الخارج، ولا سيما إذا كان هدفها السير في ركاب إسرائيل والسياسة الأمريكية، مع اعترافنا بأهمية الإصلاح والتحديث والقضاء عل الجهل والأمية والفقر ومشاركة المرأة العربية في تقدم مجتمعها وإنصافها، فالإصلاح كان وما يزال هدفا وعاملا أساسيا في تقدم العرب والمسلمين.
التدقيق اللغوي: حميد نجاحي.