تتوفر مجموعة الدول المغاربية على مؤهلات بارزة من ضمنها وقوعها على بحرين مهمين و على مساحة تقارب 6000 كلم2 و هو ما يمثل 42 % من مساحة الوطن العربي. وتمتد المجموعة على امتداد ما يناهز 28 % من مجموع سواحل الوطن العربي. كما يشكل سكان المجموعة 27 % من إجمالي سكان الوطن العربي, يقطن 78 % منها بالجزائر و المغرب. و تعتبر ساكنة الاتحاد المغاربي ساكنة شابة, إذ أن 61,50 % منها تتموقع في الفئة العمرية ما بين 15 و 65 سنة, و 35 % في الفئة العمرية ما بين 0و15 سنة . و تمثل الأراضي الصالحة للزراعة ما نسبته 3,70 % من إجمالي مساحة الاتحاد, يقع 43% منها بالمغرب. و في المجال التجاري تعتبر الدول الأوروبية الشريك التجاري الأول لدول الاتحاد. و ظلت الوحدة المغاربية تشغل و لازالت بال الكثيرين من المغاربيين و غيرهم, و يبدو أن هذا الاهتمام رهبن بإشكالية الوحدة العربية أكثر من ارتباطه بواقعية الطموح الوحدوي المغاربي و إمكانية تحقيقه. و ظلت إشكالية الوحدة العربية تنجذب بين توجهين, توجه قومي يرى بأن المرحلة الحالية تتميز بمنحى نحو إعادة الاعتبار لشكل من أشكال الاتحاد العربي كسبيل للتقدم المعرفي و التنمية المستدامة و كطوق للنجاة من تفاقم الأزمات الاقتصادية و استفحال المشاكل الاجتماعية. و توجه متشبث بالشأن القطري, يرى الانطلاق من المنظور القطري لمسايرة ركب العولمة قصد تحقيق الحداثة و تجاوز التخلف العربي الموروث. و هذا في وقت لم تعد فيه الحركة القومية العربية مثل ما كانت عليه من القوة في خمسينات و ستينات الفرن الماضي إذ لم يعد لها ذلك التأثير الفاعل.

و لا يخفى على أحد أن الإمكانيات المادية و البشرية و المعرفية للقطر العربي الواحد لم تعد كافية لضمان نسبة مقبولة من النمو و وثيرة سريعة لتغطية احتياجات المواطنين. و هذا صحيح بالنسبة للأغلبية الساحقة للأقطار العربية إن لم تكن كلها على مدى الزمن المنظور, و هذا دون الحديث عن الحديث عن إشكالية الأمن القومي و مدى التمكن من مواجهة الاختراقات الإقليمية و الدولية.

و زادت الإشكالية تعقيدا مع بداية القرن الواحد و العشرين عندما أصبح مفروضا على العرب, بشكل أو بآخر, الانخراط طوعا أو كرها, في تكتلات خاضعة لأبعاد اقتصادية و ثقافية و حضارية. و في خضم هذا الواقع, أكدت عدة دراسات أن التكامل القومي يعد أجدى سبيل لتحقيق التنمية على الصعيد الوطني و توفير قاعدة صلبة لقيام أنظمة ديمقراطية حقة به و الشروع في تحقيق تقدم فعلي من شأنه المساهمة في ردم الهوة بين واقع التخلف العربي عموما و التفوق الغربي المعاصر. علما أن التكامل الإقليمي يعتبر أكثر السبل اتساقا و انسجاما و توافقا مع الثقافة و أنماط السلوك و القنا عات السائدة على امتداد المجتمعات العربية.

و مهما يكن من أمر يظل الطموح الوحدوي العربي حاضرا بمنظور جديد كطموح أصيل و واقعي من الممكن تحقيقه أكثر من أي وقت مضى.

إن الوعي بوحدة المغرب العربي تبلور بالأساس في أحضان الحركات التحررية الوطنية المغاربية منذ فجر القرن الماضي. إذ أكدت جميع حركات التحرر المغاربية على البعد المغاربي في استراتيجياتها و أهدافها بدون استثناء, رغم أنها تميزت ببعدها الوطني أولا.

إن فكرة اتحاد المغرب العربي فكرة قديمة تبلورت قبل حصول الدول المغاربية على الاستقلال. و توطدت هذه الفكرة في سيرورة الكفاح من أجل الاستقلال. و قد ظهرت لأول مرة في أول مؤتمر للأحزاب المغاربية المنعقد بمدينة طنجة في ربيع 1958 و الذي ضم ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي و الحزب الدستوري التونسي و جبهة التحرير الوطني الجزائرية.

و قد تلى ذلك جملة من اللقاءات المغاربية بدءا بإنشاء اللجنة الاستشارية للمغرب العربي سنة 1964 لتنشيط العلاقات و الروابط الاقتصادية, ثم بيان جربة سنة 1974 و معاهدة مستغانم و معاهدة الإخاء و الوفاق و الإعلان على اتحاد المغرب العربي سنة 1989 بمدينة مراكش.

و استهدفت معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي توثيق أواصر الأخوة بين شعوب المنطقة و تحقيق تقدم و رفاهية المجتمعات المغاربية و الدفاع عن حقوقها و المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل و الإنصاف و انتهاج سياسة مشتركة في مختلف المجالات و العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص و الخدمات و السلع و رؤوس الأموال. و هذا في إطار العمل من أجل تحقيق الوفاق و إقامة تعاون دبلوماسي قائم على أساس الحوار و صيانة استقلال كل دولة مغاربية و تحقيق التنمية
الصناعية و الزراعية و التجارية و الاجتماعية عبر إنشاء مشروعات مشتركة و إعداد برامج تضمن التكامل.

و لتحقيق هده الأهداف و السهر على تكريسها على أرض الواقع تم الإقرار بإنشاء مجلس الرئاسة و مجلس وزراء الخارجية و لجنة المتابعة و اللجان الوزارية المختصة - لجنة الأمن الغذائي, لجنة الاقتصاد و المالية, لجنة البنيات الأساسية, لجنة الموارد البشرية- و الأمانة العامة و مجلس الشورى و الهيئة القضائية و الأكاديمية المغاربية للعلوم و جامعة المغرب العربي و المصرف المغاربي
للاستثمار و التجارة الخارجية.

لكن لمادا عجز المغاربيون على التعاون و التكامل؟ و هل فعلا تمتلك الدول المغاربية رؤية واضحة و استراتيجية منسجمة لتسهيل تقاربها و تجمعها؟ و هل تشجع السياسات الاقتصادية المعتمدة في كل بلد مغاربي قيام تجمعات و تكتلات أم أنها سياسات تتناقض مع التجمع و التكتل و التكامل و المشاركة؟
إنها أسئلة طرحها الكثيرون و شغلت بال الكثيرين و لازالت مطروحة لحد الآن.

فبعد الاستقلال بدأت تبرز خلافات سياسية بين بعض الدول المغاربية بسبب الحدود. و هكذا قامت حرب أكتوبر 1963 بين الغرب و الجزائر. إلا أن النزاع لم يوقف سيرورة التفكير المغاربي الهادف إلى إرساء قواعد الوحدة و التقارب. اد أنه تم إنشاء اللجنة الاستشارية المغاربية في عام 1964, و هو المشروع الذي اعتبر بمثابة أول خطوة ملموسة للتعاون الإقليمي المغاربي, إلا أن الخطوة سرعان ما أجهضت بفعل الخلافات السياسية بين الدول المغاربية و من جراء الحرب الباردة و الصراع العربي الإسرائيلي و الصراعات الأيديولوجية العربية. و زاد ملف الصحراء من تعميق التوتر مند 1974 و هو ملف أضحى أحد المحددات الرئيسية للعلاقات المغاربية على امتداد سنوات. كما زادت العلاقات توترا مع قيام معاهدة الإخاء و الوفاق بين الجزائر و تونس و انضمام موريتانيا إليها سنة 1983. و كان رد المغرب و ليبيا بتشكيل حلف بينهما سنة 1984 – اتفاق وجدة – بعد تأسيس اتحاد الدول العربي الإفريقي. و مع انعقاد مؤثمر القمة العربية بالجزائر في يونيو 1988 بدأت مرحلة جديدة في العلاقات المغاربية, و هي التي توجت بقمة زرالدة في سنة 1988 و إنشاء اتحاد المغرب العربي سنة 1989 – إعلان مراكش.

علما أن أول مؤتمر لوزراء الاقتصاد المغاربيين انعقد بتونس سنة 1964 لإحداث اللجنة الاستشارية الدائمة للمغرب العربي بين الجزائر و ليبيا و المغرب و تونس للتنسيق و العمل على انسجام برامج التنمية في الأقطار الأربعة و تقارب وجهات النظر حول التجارة و العلاقات الإقليمية مع أوروبا. إلا أن مختلف هده البرامج لم يكتب لها أن ترى النور, و ظل الملف المغاربي على الرفوف إلى حدود ثمانينات القرن الماضي.
و بعد الإعلان عن ميلاد اتحاد المغرب عن ميلاد اتحاد المغرب العربي و إلى حدود سنة 1997 بلغ عدد الاتفاقيات المبرمة 37 في مختلف المجالات : الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و غيرها. و كان أبرزها اقتصاديا إبرام الأبناك المركزية لبلدان المغرب العربي سنة 1991 اتفاقية لتسهيل المعاملات. و موازاة مع هدا المسار قدمت بعض الدول المغاربية على توطيد علاقاتها بالمجموعة الأورومتوسطية. و كانت تونس من البلدان المغاربية الأولى التي وقعت اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي في يوليو 1995.

و بالرغم من أن دورات الاتحاد المغاربي في رأس لانوف بليبيا سنة 1991 و نواكشوط بموريتانيا سنة 1992 أكدت على ضرورة اتخاذ التدابير العملية اللازمة لتنفيذ مختلف الاتفاقيات بهدف إقامة منطقة تجارة حرة مغاربية, و دلك قبل مدة لا تتجاوز عشر سنوات, فانه لم يتم تجسيد أية خطوة على أرض الواقع في هدا المجال.

و في واقع الأمر ظلت مؤسسات العمل المشترك على الصعيد المغاربي حبرا على ورق. ثم مرت تلك المؤسسات بمرحلة من التجميد الإرادي إلى حدود مارس 2001, إلى أن عقد اجتماع وزراء الخارجية بالجزائر و أكد ممثل المغرب على رفض بلاده وضع ملف الصحراء جانبا و هو الملف الذي استمر ظله يخيم على كل اللقاءات المغاربية, علما أن المملكة المغربية كانت قد جمدت عضويتها بالاتحاد المغاربي.
و هكذا, فبالرغم من أنه كان مقررا تنظيم قمة كل سنة, إلا أنه لم تعقد مند قمة تونس 1994. كما أن ليبيا رفضت سنة 1995 تسلم رئاسة الاتحاد احتجاجا على تقيد الدول المغاربية بالحظر الدولي المفروض عليها. و تلى دلك الأزمة المغربية الجزائرية (1994... 1995) لتجمد مؤسسات الاتحاد قبل الشروع فعلا و فعليا في عملها.

و مهما يكن من أمر فهناك جملة من الأسباب الداعية, أكثر من أي وقت مضى, إلى إنشاء و تطور التعاون المغاربي, و على رأسها ضرورة تحسين ميزان القوى للتعامل مع أوروبا الشريك الرئيسي لبلدان المغرب العربي, و كذلك مواكبة عصر التكتلات الإقليمية كضرورة للبقاء. و هدا علاوة على الدواعي الاقتصادية المحضة التي لم تكن كافية في تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي و تقوية فعلها على أرض الواقع.

فهل كل هده الأسباب و الدواعي لازالت لم تلعب دورها الفعلي بعد, تاركة المجال لأسباب أخرى أقل منها أهمية من الناحية الاستراتيجية و الجيوسياسية لتفعل فعلها في اتجاه يعاكس المسار؟

استنادا على الواقع المعيش يبدو أن الهاجس الأمني القطري مازال يلعب الدور الأساسي بعد أن ساهم في أكثر من مناسبة في تعطيل السيرورة, و دلك رغم تأكيد الجميع على أن الاتحاد المغاربي يظل خيارا استراتيجيا لا مندوحة عنه, لكنه ظل حبيس الرؤية القطرية. لكن هناك كذلك معوقات أخرى, و منها انعدام رؤية استراتيجية واضحة المقاصد, و عدم القيام بدراسات علمية حول جدوى المشاريع الاقتصادية التكاملية. لاسيما و أن التكامل في المجال الاقتصادي هو أصلا سيرورة لآليات اقتصادية و اجتماعية و نتيجة لتراكمات على أرض الواقع المعيش. و هدا ما أوضحته بجلاء التجربة على الصعيد الأوروبي, حيث اعتبرت مشاركة الدول الأوروبية في الديمقراطية كقاسم مشترك بينها من الأسباب الفعالة و الحاسمة في دعم المسار التكاملي و الوحدوي و الذي بني فعلا على قاعدة المصالح المشتركة و المتبادلة.
و من المعوقات في المجال الاقتصادي أن الاقتصاديات المغاربية ظلت رحمة الاستقطاب الجغرافي الأوروبي رغم كل ما يقال بصدد تحرير التجارة العالمية. اد ظلت التجارة البينية في المغرب العربي ضعيفة جدا و لم تتجاوز 3 في المائة من مبادلاته مع الخارج. و دلك بالرغم من مرور أكثر من 13 سنة على إحداث الاتحاد, و بالرغم من أن الدول المغاربية تبنت اقتصاد السوق, فان هدا لم يساهم في تحريك عملية الاندماج الإقليمي. و بالرغم كذلك من وجود إمكانيات التكامل في أكثر من مجال مثل قطاع الفلاحة الذي من شأنه المساهمة في تقليص التبعية الغذائية.
و من الآليات التي ساهمت في عدم تفعيل و تطبيق الاتفاقيات العديدة المبرمة, مبدأ الإجماع و شرط موافقة الجميع للتمكن من التنفيذ. و هده آلية ساهمت بشكل كبير في تعطيل إنجاز الخطوات, اد أن جميع الدول المغاربية لم تصادق على جميع الاتفاقيات, و بدلك ظلت أغلبها معلقة بين السماء و الأرض على امتداد سنوات, و بعضها لازال معلقا إلى حد الآن.

إلا أن طبيعة العلاقات المغربية الجزائرية ظلت تعتبر من أهم الأسباب المؤثرة على مسار المغرب العربي, لاسيما و أنه لا يمكن تصور بناء مغر عربي بدون المغرب أو بدون الجزائر بحكم أهميتهما و ثقلهما الاقتصادي و السياسي و الاستراتيجي و باعتبار هما أنهما الأكثر نفوذا في المنطقة. فكانت من حين لآخر تبرز أحداث تزيد من تعقيد العلاقات بين الجارتين. ففي سنة 1994 كانت أحداث فندق اسني بمراكش و هي الأحداث التي شارك فيها فرنسيون من أصل جزائري و مغربي. و آنذاك بدأ العمل بالتأشيرات بين البلدين بعد إغلاق الحدود في غشت 1994.

و الغريب في الأمر هو أنه من الملاحظ حاليا أن هناك جهات و قوى أجنبية تدعو و تدفع إلى قيام تعاون مغاربي. فأوروبا التي كانت تفضل التعامل الثنائي مع الدول المغاربية أصبحت تدرك الآن أن مشاكل المغرب العربي لا يمكن حلها بتلك العلاقات الثنائية, و بالتالي أضحت تتجه نحو الإقرار بالحل الإقليمي لها, لا سيما فيما يتعلق بإشكالية الهجرة و التنمية.

كما أنه من جهة أخرى يمثل مشروع منطقة التبادل الحر الأوروبية المتوسطية ضغطا في اتجاه تعاون الدول المغاربية. كما أن الضغوط الأوروبية على تلك الدول تزداد في اتجاه عقد اتفاقيات شراكة تجارية و اقتصادية فيما بينها. و قد عملت أوروبا على تمويل بعض المشاريع الإقليمية لدفع مسار الشراكة الأفقية (مشروع الطريق الساحلي).

كما أن الولايات المتحدة اقترحت مند 1997 على تونس و الجزائر و المغرب شراكة أمريكية مغاربية (مبادرة ايزنشتات) من أجل ضمان استقرار المنطقة. و تتمحور هده المبادرة حول تحرير التجارة و تطوير القطاع الخاص و الإصلاحات الهيكلية للاقتصاديات المغاربية و تطوير الاستثمارات. و في هدا الصدد تعتبر الولايات المتحدة أن إقامة منطقة تبادل حر بين الدول المغاربية شرط ضروري و لازم للتبادل الحر بين أمريكا و المغرب العربي.

و من جهته أضحى البنك الدولي يلح على ضرورة إنجاز خطوات عملية في اتجاه توحيد أسواق دول المغرب العربي باعتبار أن دلك يشكل شرطا حيويا بالنسبة لمستقبل المنطقة و عاملا حاسما لاستقطاب استثمارات خارجية مهمة.

فهل هدا يعني أن الغرب عموما أضحى يعتقد أن مصالحه تكمن في توحيد الأسواق المغاربية, بينما يصر المغاربيون على العكس في ممارستهم الفعلية على أرض الواقع؟

و مهما يكن من أمر فان منافع الاندماج قائمة, و أن الجميع في المغرب العربي يدرك حق الإدراك المنافع الكبيرة للتشابك الاقتصادي للبلدان المغاربية. و فعلا سبق للدول المغاربية أن بلورت سنة 1991 استراتيجية تتضمن مرحلتين لتحقيق الاندماج الاقتصادي, و تكمن الأولى في تحرير التبادل و تليها الثانية لانسياب عوامل الإنتاج. لكن تغليب المشاغل المحلية على القضايا و الاتفاقيات المشتركة ظل هو المسيطر, و ظلت كل دولة مغاربية لها أولويات خاصة به.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية