العفو يا أهل العفو مِن أبناء الشقيقة قطر بعد أن منّ الله على الخليج بفتح الحدود كإنجاز في البيت الواحد.
ونستسمح منكم حين نشرح للجميع سبب تمسُّك الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيّب الله ثراه بمساعيه المضنية لتفادي الفتنة والحصار والقطيعة وسحب فتيل المشاحنات التي أعقبتها الأضرار الجسيمة على المنطقة بأكملها، وما قام بإكماله صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.
لا تلومونا في الكويت، ولا تشكرونا، وإن أردتم الشكر فبإمكانكم أخذ خلاصة نصائحنا؛ واسألونا عن ويلات الحرب التي كنّا نخاف عليكم من الوصول إليها.
الأمر لمْ يَكُن بقدر خوفنا عليكم، فنحن مررنا بحرب ضروس شعواء، انتُهِكت فيها الأعراض، وسُرِق الأبناء، وسيقت طواقم العسكريين زمراً زمراً إلى السجون، فمنهم منْ قضى نحبه، ومنهم منْ عُذِّب، ومنهم منْ أُطلِق سراحه بعد تحرير الكويت برحمة مِن الله تعالى، ثمّ بوقوف العالم بأكمله معنا.
رجعت الأرض محروقة تغلي بطوفان بحيرات النفط المسكوبة في الصحراء وفي مياه البحر، وتركت بقعة لَمْ تتمّ السيطرة عليها إلا بعد أمدٍ بعيد.
تحررت الأرض وعليها أكثر من 700 بئر نفط تغلي بالنيران، أحرقها نظام صدام وأزلامه قبل الانسحاب الأخير ليتركوا لنا الكويت خراباً ويباباً، ونيراناً تلتهب وتسحق البشر دخاناً ولهباً.
واستمر غليان الآبار مدّة ١١ شهراً بنارٍ تلظَّى اشتعالاً، حتى منّ الله علينا بكل فرق العالم لاستخدام جميع تقنيّات الإطفاء في إخماد نيران الآبار المحترقة.
وعاد من تبقّى مِن الأسرى العسكريين، ولكن رجع معظمهم على مراكب الدموع رغم الشموخ.
وقبل يوم انسحاب الغازي الغاشم اعتقل الحرس الجمهوري لصدام حسين رئيس النظام العراقي المخلوع يومها شبابنا المدنيين مِن الشوارع وساقوهم سوْقاً إلى السجون العراقية، لعلمهم أن الضربة القاصمة ستأتيهم بعد قصف بغداد.
امتدت فترة الغزو الظالم منذ 2 أغسطس 1990، حتى يوم التحرير في 26 فبراير 1991، وفي تلك الفترة الوجيزة تم العبث بالمنشآت وسرقة ما فيها وتحطيمها قبل المغادرة. وتعرّض المدنيون للإهانة والسجن والتعذيب والقتل، وتعرضت بعض نسائنا للاغتصاب، وانتُهِكَتْ جميع حرمات الأرض على الأرض وفي السماء.
كانت الحدود مقفلة، والتموين يدخل إلى الكويت للأهالي خلسة مع أفواج المتطوعين الذين قضى بعضهم نحبه على الطرقات. وأصبح الكويتيون قالباً واحداً، انصهر فيه كلّ شريف ليقذف بنفسه حجراً في وجه الاحتلال والظلم وويلات الحرب.
ثم حطّت الدنيا بما فيها على الكويت بكل خراب لا يشبهه شَيْء غير ركام هيروشيما في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
أما نحن في الكويت، فعدا عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والقذائف البكتيرية، اكتوى الأهالي بفراق المسجونين، واكتوت الزوجات والأمهات ومعهن الآباء والأبناء بقهر غياب الأحبة دون ذنب سوى أنهم قالوا: لا للظلم.
واكتمل نصاب الحزن والأسى عند رؤية الطائرات الكويتية المسروقة، أمّا الذبيحة حطاماً منها، فقد رقدتْ على أنقاض ركام مطار الكويت الدولي المتفحّم!
وبقينا في انتظار الأسرى والجثث التي يفحص فيها الـDNA للتأكد مِن هوية الجثامين التي يرسلونها حتى يومنا في أكياس بلاستيكية للكشف عن أصحابها.
وها نحن اليوم نمدّ يد العون والإخاء إلى أشقائنا في الجمهورية العراقية، رغم مرارة الذكرى وما حلّ بِنَا مِنْ نظامهم البائد، بعد فتنة أحرقت الأخضر واليابس، وجرّت على منطقتنا مخالب التدخّل الغربي للسيطرة على كلّ مقدّراتنا.
وما زلنا ندفع الثمن مضاعفاً، حتى قام مزاد الغرب في ابتزازنا قسراً تحت مسمّى الدفاع المشترك، متخفياً في ثنايا ألوان الطيف بامتياز لحلبِ مواردنا.
رجاءً أيها الخليج ورجاء يا قادة الخليج؛ بعد انتهائكم من حلّ القطيعة الغاشمة التي فرضت على قطر أفيقوا جميعاً لإخماد الحرب في اليمن.
رجاءً أثبتوا لنا بعدها أننا بشر ولنا قيمة خارج نطاق ثرواتنا النفطية، وخارج نطاق الشعارات التي أفرِغتْ مِنْ محتواها، وخارج نطاق الترَّهات التي تداعت على العالم أجمع بفعل جائحة كورونا، والانشغال باللقاح الذي سيغير العالم. علينا أن نغيّر ما بأنفسنا للتخلّص مِنْ جوائحنا المتتالية.
أثبتوا لنا أن أهل اليمن أصحاب أعرق حضارة عرفها التاريخ، جاء ذكرها في القرآن الكريم بقوله تعالى: (جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).
أرجعوا أرض اليمن السعيد، التي تعتبر حسب مقاييس الناس جميعاً أغنى أرض في العالم لأفقر شعب في العالم.
أفِقْ أيها الخليج، واعتدل واحزمْ وقُدْ قرارك وشدّ أزر أهل البيت الواحد، فقد امتدت إلينا الآفة الكبرى مِنْ أطياف إسرائيل لتمتطي ما تبقّى مِنْ ذرّات الكرامة على جباهنا وتعفّرها في تراب الإسطبلات.
أفق أيها الخليج، فكفانا بعد القيامة قيامة أخرى، وكفانا ما جاءنا من استهتار العالم بِنَا واستهزائه وتفننه في استغلال ثرواتنا، وفوق ذلك استهزاؤه بشظف عيشنا قبل هذه الهبة الإلهية (النفط) التي ستنضب إن لَمْ نعدّ أجيالنا للتعمير والاستثمار والعمل بدلاً مِنْ إشغالهم ببهرجة الانفتاح السقيم وإلهائهم بزعزعة مفهوم إعطاء المرأة حقوقها، فالمرأة قد أثبتت جدارتها في كلّ وقتٍ وحين، منذ عجاف الأيّام حتى رخائها. وَإِنْ كان مِنْ تقصير في أداء الواجب يوماً ما في حق الله أو في حق الوطن فقد وقع من الرجال والنساء على حد سواء. والمرأة تحتاج إلى تسريع صارم يكفل لها ما ثبتت كفاءتها به في بعض دول الخليج.
كفى، تنبّهْ أيها الخليج إلى أوغاد العالم، تنبّهْ إلى منْ حولك وقد تقاسموا حصصاً جديدة مِنْ أشكال الاستعمار الفكري لنا.
كفى بِنَا ما مضى، ولنصلح ما بقي، ولا تأخذنا العِزّة بالإثم، لنستخدم فقط كيمياء المنطق والضمير لبناء خليج عتيد، فإيران وتركيا جارتان مسلمتان، والواقع يقتضي الركون للتوازن الدولي في العلاقات مع الشرق والغرب (تضامناً) من دول الخليج معاً.
الأمر لكم، والتاريخ شاهد على الأحداث، وكفى بالموت واعظاً.
والعزّة لله جميعاً، والعاقبة لمن اتّقى.