على الرغم من الأهوال والمآسي التي مرت بها الجزائر طيلة 12 سنة بسبب الإقصاء والتهميش وإلغاء الآخر، فإن بعض "الرسميين" مازالو يفكرون كما لو أنهم في التسعينات، ولم يستوعبوا حقائق الوضع الجديد، والتطورات الكبيرة التي حدثت في مجتمعنا وفي العالم بأسره.
الأستاذ هو من أحقر عباد الله في بلادنا العربية وفي الجزائر بالخصوص، والجميع يتقدمونه سواء من البزنس أو من أصحاب كرة القدم، أو هز البطن، أو العفن.. فهل قدره هو هذا المصير السيء..أم أن السياسات المتعفتة هي التي أغلقت في وجهه كل الآفاق المادية والأدبية والإنسانية وجعلته في كثير من الأحيان يلعن توجهه الذي إختاره برغبة وطواعية وحب كبير؟ وضعه البائس وصبره الذي نفذ دون أي إلتفات لمحنته من قبل الجهات الرسمية ، فجرفيه هذا الغضب العارم الذي -على ما يبدو- لن يسكته إلا الاستجابة لمطالبه وحقوقه المشروعه.. فهو الذي مافتىء يحترق أكثر من غيره دون أن يكافأ على معاناته وتضحياته..
سيادة وزيرالتربية في الجزائر لا يريد أن يفهم هذه "المأساة" التي ظل يعانيها الأستاذ الجزائري، الذي لولاه لما وصل هذا الوزير إلى هو المنصب الذي يحتله، ويمارس منه سياسة النعامة ووضع الرأس في الرمال كمرحلة أولى في تعامله مع إحتجاج الأساتذة لينتبه فيما بعد إلى خطورة الوضع فيلجأ إلى التهديد والوعيد بالطرد والمحاكمات..
لماذا تنفق الدولة على مهرجان السنة الثقافية الجزائرية في فرنسا 80 مليار من أجل لا شيء يا سيادة الوزير.. لماذا تهدر العشرات الملايير في مهرجانات "الدربوكة والشطيح "التي لا تسمن ولا تغنى من جوع، والتي تتكاثر كالفطريات، بينما الأستاذ الذي كاد أن يكون رسولا ، لا حول له ولا قوة، بل لا يستطيع أن يشتري إلا دجاجة واحدة في الشهر، وربما هناك من لا يستطيع شراءها أصلا..فضلا عن فقدانه للكرامة والمنزلة السامقة التي تشرفه كصاحب أحسن مهمة ودور في المجتمع..
الأستاذ الذي هو رمز للنهضة والتقدم والحضارة وكل القيم النبيلة، يطعن في بلادنا في العمق، ثم يتعامل مع احتجاجاته بمنطق البوليس..أي بؤس وأي تخلف هذا ..إنه لعمري هو الرجعية بعينها وفي أسوإ صورها؟
لقد اهتمت اليابان بعد خروجها من الحرب الكونية الثانية بالأستاذ ، بعد أن وجدته الوسيلة الوحيدة للنهوض والتقدم الحضاري والمدني ، فوفرت له كل الامكانيات المادية والأدبية ، ورفعت راتبه إلى درجة راتب الوزير، والنتيجة أن المعلمين والأساتذة ردوا الجميل، فجروا النهضة اليابانية، وتفانوا في تربية الجيل وتعليمه ، وحققوا ما يمكن تحقيقه في 400 سنة، حققوه في 40 سنة حتى صار المجتمع الياباني "المعجزة" هو هذه المعادلة 125 مليون ياباني = 125 مليون مبدع.
أين نحن من هذا..؟ والأستاذ تكاد تخنقه معاناته، ويموت في صمت دون أي إلتفاتة إليه..؟
حق لهذا الأستاذ أن يخرج ويستمر في إحتجاجه،فالدنيا تؤخذ غلابا، مستحضرا قول الشاعرالعربي:
ولقد أبيت على الطوى وأظله *حتى أنال به كر يم المأكل
فهل تعود السلطة الجزائرية إلى رشدها، وتعترف بتقصيرها في حق هذه الشريحة،باعتبار أن الاعتراف هو قوة وليس ضعفا، أم تستمر في سياسة التاغنانت ..ويستمر المخلطون في دفع الوضع الى مزيد من التعفن لتبقى الأزمة تستنسخ نفسها،ويتوسع شرخها..ولا بصيص نور في النفق الجزائري المظلم يلوح..فإلى متى ؟