تشاء الأقدار أن يعرف الصراع بين جناحي حزب "جبهة التحرير"-وهو الحزب الحاكم- ذروته القصوى عشية الإحتفالات برأس السنة الميلادية الجديدة ،كما لو أنه بات ينذر بشرر كبير ستتطايرأجزاؤه في الأيام القادمة من العام الجديد، لتلقى به هنا وهناك، صانعا المزيد من "التراجيديا" في المشهد الجزائري ..
بعض الضالعين في معرفة خبايا البيت الجزائري يعتبر المشهد كله ، مجرد فعل مسرحي حبكت لعبة إخراجه بإمتياز،،ويعترف أنه قد حقق أهدافه النفسية والتكتيكية والسياسية،وشغل الناس حينا من الدهر، لينتهي وضع الحزب -كما خطط له- الى حالة تصالح وإلتئام ، ثم آداء وظيفة واحدة ، وهي مبايعة بوتفليقة لـ"عهدة ثانية" ليس إلا .. ومهما يكن من أمر فإن الإحتقان الذي يملأ المشهد الجزائري ، لم يعد يحتمل المزيد من أساليب المناورة ، ولا أي شكل من أشكال "الهزل السياسي" ، لأن إرتفاع منسوب التأزم بشكل مخيف،وإمتداد حالة "التعفن" لكل قطاعات الحياة ،أغرق البلاد في مزيد من المجهول ، وجعلها مفتوحة على كل الإحتمالات ، بما فيها مخاطر سقوط الوضع والعودة الى لغة العنف والتصادم بين الدولة والمجتمع..
بالتأكيد لم يعد الشعب قطعة من الإسفنج يمتص المزيد من الأعباء والضغوطات النفسية والعصبية التي ذاق كل ألوانها وأشكالها لفترة ليست بالقصيرة كما نعلم ،، كما أنه لم تعد تغريه الاستحقاقات التي لم تحسن من وضعه شيئا يذكر،،ولم تخفف من معاناته قطميرا،بل طبع اليأس كل آفاقه.. فكم هي الانتخابات التي سارع الى الذهاب إليها بشغف ، من أجل تحقيق حلمه في "الانفراج"، ودفع البلاد الى دائرة الضوء ، لكنها لم تفعل له شيئا ، وكانت كما لو أنها نسخة واحدة تحمل الكثير من خيبات الأمل، وليست إلا وسيلة لإعادة إنتاج "السيستام المتعفن" ليس إلا،،
الشعب الجزائري بكل فئاته وشرائحه صاراليوم يئن تحت وطأة هذه الأزمة "اللعينة" التي تشرد فيها ناس ، وإنتحر فيها آخرون ،ودخلت فئات -من جرائها- مستشفيات المجانين ، وهرب منها كثيرون الى بلاد أخرى بعيدة حيث الملاذ الآمن ،وبقي من بقي من الشعب في حيرة من أمره، ماسكا أنفاسه ينتظر إنبلاج صبح جديد، قد يحمل له تباشير خير طالما دغدغ أحلامه،، فما السبيل الى تحقيق ذلك يا ترى،،؟
هل بتأجيل الانتخاب ، وتشكيل حكومة إنتقالية ، والشروع في مصالحة وطنية، بدءا بتطويق العنف كما يقول "عباسي" مدني ؟ أم بالعودة الى نقطة الصفر وتشكيل مجلس تأسيسي يرسم كل سياسات البلاد كما يقول آيت "أحمد" الزعيم القبائلي ورئيس جبهة القوى الاشتراكية؟ أم أن الطريق إلى فك الأزمة ، هو فقط يمر عبر الانتخاب الذي سيمنح للرئيس القادم فرصا أخرى وصلاحيات جديدة تساعده في إخراج البلاد من عنق الزجاجة ؟
الخطاب الرسمي الذي يؤكد علىالشفافية والنظافة في الانتخاب القادم لم تعد المعارضة تصدقه إطلاقا ،خاصة وأنها لدغت في انتخابات 99 وبشكل لم تكن تنتظره بعد تطمينات لم تكن حقيقية ،وهو ما جعلها هذه الأيام تنتبه وتطرح فكرة جبهة موحدة لمقاومة التزوير ،وتصر على إنهاء حالة "اللاشرعية" وبأي ثمن ، كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة التي مازات شظاياها تصيب الكثير من الجزائريين..
فهل التعاطف الذي لقيه الأمين العام للآفلان بعد إقرار الغرفة اللإدارية بتجميد نشاطات حزبه وكذا تجميد الأرصدة المالية من كل وجوه المعارضة بما فيها "بن حاج"الرقم الثاني في الجبهة الاسلامية المحظورة والمقيد بالممنوعات العشر، والذي ذهب الى مقر "جبهة التحرير" لإبداء تعاطفه ومساندته لـ"بن فليس" ضد الظلم والحقرة والإقصاء هو بداية تحالف طبيعى ضد كل أشكال الفساد والاستبداد والغش.. ؟
وهل عام2004 هو عام الحسم بعد أن وصلت الجزائرفي انعطافتها مفترق طرق لا بد أن تجتازه وبأي ثمن..؟
إذا وفى القائمون على أمر الجزائر بتوفير "النزاهة والنظافة" التي تحدثوا عنها ووعدوا بها ، فإن الجزائر تكون قد وضعت أقدامها على طريق الانفراج والتسوية ، لأن الرئيس القادم سيكون معبرا فعلا عن الإرادة الشعبية ، وسيسعى لفك كل العبوات التي فخخت الوضع الجزائري لأكثر من عقد ، أما إذا أصرت السلطة هذه المرة كذلك على تجديد عذريتها بطرق التدليس والتزوير،فإن الوضع سيكون مرشحا لتصعيد خطير خاصة وأن الكثير من الكلام حول "إنتفاضة سلمية" صار موضع خطابات الكثير من السياسيين والمعارضين..فكيف سيكون المشهد الجزائري خلال هذا العام ،وفي أي إتجاه..؟سؤال تبقى الإجابة عنه معلقة الى إشعار آخر..

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية