إثناعشر سنة على إغتيال الإرادة الشعبية مرت، كما لو أنها مجرد لحظات.. لكن آثارها من دون شك بالغة السوء، وجروحها أعمق في الكيان النفسي للشعب الجزائري.. فالانقلاب المشؤوم الذي حدث في تلك الليلة الباردة من 11 جانفي 1992، فجر أزمة رهيبة لم تعرف الجزائر مثيلا لها في تاريخها الطويل، وأدخلت تلك المغامرة "للعينة"، أدخلت البلاد في فتنة غير مسبوقة، وأخرجت الطرف الأكثر استقطابا في الشارع الى تحت الأرض،والنتيجة "200 ألف قتيل، و20 مليار دولار خسائر، و1 مليون منكوب ومتضرر، وآلاف المفقودين" ومازالت شظاياها تصيب الجزائريين إلى يوم الناس هذا.. الثابت أن كل الانتخابات التي أعقبت مصادرة الخيار الشعبي فقدت وهجها وصدقيتها، وظلت حالة "اللاشرعية" لصيقة بها، بل رافقتها فنون وأشكال من التدليس والتزوير، وكرست السيستام المتعفن، وأعادت إنتاج آلياته القديمة المتآكلة التي مازالت تلقي بظلالها الى حد الساعة..
اليوم ونحن على مرمى حجر من الاستحقاق الرئاسي..هل اتعظت السلطة من كل الذي حدث ، يتساءل بعضهم..؟ وهل هي جادة ، وفي نيتها أن تنآى عن السقوط في تلك "الحفرة" المكلفة على اعتبار"أن الملدوغ من الجحر يخاف من "جرة الحبل" كما يقولون " ، وعلى إعتبار أن خطورة "الوضع المفخخ" لا تسمح هذه المرة بسرقة الأصوات أو أي شكل من أشكال الغش والتدليس..؟
الجيش الذي ظل يتهم بعدم حياده في مثل هذه الاستحقاقات الكبرى، بحكم أنه القابض دائما على ناصية القرار السياسي يعلن صراحة عن ابتعاده عن كل أشكال التأثير في العملية الانتخابية ، بل يصدر قائد الأركان تعليمة صارمة تحرم على العسكريين التعاطي مع السياسة والسياسيين ،كما لو أن هذا الاجراء سيحمي العملية الانتخابية ،ويؤمن لها كل أدوات النزاهة والنظافة ..
صحيح أن عمر قال في رسالته المشهور في القضاء: "لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس أن تراجع نفسك اليوم، فإن الحق قديم ،والرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل.." لكن مقتضيات الرجوع الى الحق لا يقتصر على الحياد كما هو معلن عنه، بل يمتد الى مراقبة حزب الإدارة، والى حراسة العملية في كل مراحلها..
المعارضة كما تؤكد المؤشرات تتهيء لدخول مرحلة المغالبة والايجابية، بل وممارسة المثل الألماني" الثقة شيء حسن ولكن المراقبة أحسن"..فهل تشكيل جبهة لمقاومة التزوير هي بداية الطريق..؟
إن أي إطاحة بالعملية الانتخابية ستتجاوز كلفة مآسي الماضي،بل ستقود الى تراجيديا لا تنتهي إلا بتفكيك البلاد وانهيارها النهائي..؟ أليس مصلحة الجميع-إذا-في حماية الانتخاب..؟ أليس الانتخاب النظيف هو بداية فك الشيفرة الجزائرية..؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية