"يا للي فتحت البتاع يا للي
فتحك على مقفول
لأن أصل البتاع
واصل على موصول
في البتاع فأي شئ
الناس تشوف على طول"
أحمد فؤاد نجم

منذ صدر قرار تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان والجدل دائر وسط النخبة السياسية مابين مؤيد ومعارض واحتدم النقاش وأصدرت عدة قوى ومنظمات بيانات تأييد وبيانات معارضة وكتبت عدة مقالات عن المجلس. ومن المؤكد أن الموضوعية تقتضى أن نرصد اى تغير يحدث في السلطة ولكن الموضوعية لا تعنى المبالغة أوالتهويل أوالتهليل لأي تغير في الديكور الديمقراطي واى تجميل للنظام الاستبدادي المتعفن. لذلك أحاول عرض بعض الجوانب التي ترتبط بالموضوع وهي:
ـ رغم الأغاني التي يتغنى بها النظام الحاكم عن ترشيد الإنفاق الحكومي استجابة لمنظمات التمويل الدولية ورغم الحرص على تقليص أعداد الموظفين في الجهاز الحكومي إلا أنه يخرج علينا بين الحين والآخر باستحداث تنظيم جديد مثل الجهاز القومي للسكان والجهاز القومي للطفولة والمجلس القومي للمرأة وأخيرا المجلس القومي لحقوق الإنسان ولكها زيادة في الإنفاق الحكومي دون حدوث أي تغيير حقيقي.وهنا اسأل إذا كان جهاز الطفولة قد حل مشاكل الأطفال أو كان جهاز المرأة عدل من أوضاع المرأة فيمكن أن نتوقع الخير من البتاع الجديد!!!
ـ هناك عشرات المجالس والهيئات الاستشارية التي تضم نخبة من الخبراء المخلصين والمتخصصين وتعد عشرات التقارير المحترمة مثل المجالس القومية المتخصصة ومعهد التخطيط القومي والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. وقدمت عشرات الحلول وعشرات التقارير ولكن صانع السياسة لا يهتم بتوصياتها لأنها هيئات استشارية. توصياتها غير ملزمة ودورها استشاري وهى مجرد ديكور فقط بينما يتخذ النظام الخطوات والقرارات التي تتناسب ومصالح الطغمة الحاكمة.وإذا كانت تقارير الأجهزة الرقابية كالجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية لا يعتد بها وهى أجهزة قرارتها ملزمة فما بالنا بجهاز استشاري تابع لمجلس الشورى.
ـ عند تعديل الدستور المصري تم استحداث مجلس الشورى من خلال المواد من 194 إلى 205 من الدستور وجعل منه مجلس بلا سلطات وقد نصت المادة 201 من الدستور على ما يلي: رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وغيرهم من أعضاء الحكومة غير مسئولين أمام مجلس الشورى، وبالتالي هو مجلس بلا سلطات وهناك مطلب متكرر بتفعيل هذا المجلس وإعطائه بعض السلطات ولكن النظام يصر على بقائه واستخدامه كمسخ ديمقراطي ضمن ديكورات النظام الاستبدادي القمعي.ويسميه المصريون مجلس الصورة نظراً لغياب فعاليته السياسية ودوره الرقابي.
لنتأمل دور مجلس الشورى وعلاقته بالمجلس الأعلى للصحافة ودوره في القيود على الصحافة وكذلك دوره في لجنة الأحزاب وحظر قيام الأحزاب الجديدة بينما تلجأ الأحزاب إلى القضاء للحصول على الشرعية، وبالتالي تحرص السلطة على بقاء هذا المجلس بهذا الدور المسخ ومن ثم فإن تبعية مجلس حقوق الإنسان له لا تبشر بالخير ومن لا يقراء تجارب هذا المجلس ودوره يمكن أن يهلل لما يحدث.ومن يرجع لعشرات التقارير الجادة الصادرة عنه والتي وضعتها الحكومة في سلة المهملات يعرف ما ينتظر اى تقارير أو توصيات جديدة يأتي بها جهاز تابع لهذا المجلس.
ـ يمكن لسلطة الاستبداد والقمع والفساد والاستغلال والتبعية أن تتخذ ما تشاء من قرارات لتعديل بعض أشكال الحكم ولكننا نريد تغييرات حقيقية وليست تعديلات شكلية تفرح السذج الذين يتطلعون دائماً لقرارات السلطة. إن إلغاء بعض الأوامر العسكرية لم يلغى حالة الطوارئ وإلغاء محاكم أمن الدولة لم يمنع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. كما أن تعديل نظام الانتخابات المزمع مناقشته لا يعنى شئ في ظل وجود قانون ممارسة الحقوق السياسية الذي يسمح للموتى والمهاجرين بالانتخاب وفى ظل التداخل الكامل بين الحزب الحاكم وأجهزة الدولة وفي ظل سيادة وسيطرة الفساد في المحليات الذي يصفه رئيس ديوان رئيس الجمهورية بأنه وصل للركب وكأنه هو والسلطة التي يمثلها ليسوا رؤوس هذا الفساد وصناعه.
إن وجود مجلس قومي لحقوق الإنسان ضرورة نسعى إليها ولكننا نريد مجلس فاعل وقادر على حماية حقوق الإنسان ومعاقبة المقصرين، فقد يرى البعض في تدريس حقوق الإنسان في كليات الشرطة خطوة متقدمة بينما الأساس هو توقف التعذيب في أقسام الشرطة ومعاقبة الضباط الفاسدين ومتابعة تجاوزات جهاز الشرطة وعقاب المقصرين.ماذا سيفعل المجلس أمام حصانة جهاز الشرطة ؟! ماذا سيفعل تجاه أوامر الاعتقال ووجود الآلاف من المصريين بلا محاكمة والتوسع في الحبس الاحتياطي الذي يطال الكثير من الأبرياء. سيبقى المجلس مجرد ديكور شكلي مالم تتعدل ترسانة القوانين المعادية للحريات التي تجعل التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان سياسة نظام وليست مجرد تجاوزات أفراد كما يقول الأستاذ عادل عيد.
ـ إننا لا نشكك في صدق وإخلاص أعضاء هذا المجلس ولكن ماذا يفعل الملائكة في ظل آلية فاسدة ومفسدة فتكوين المجلس وتبعيته واختصاصاته ودوره كلها لا تبشر بأي خير بغض النظر عن كفاءة أو عدم كفاءة أعضاءه. وقد علمتنا التجارب ألا نضع ثقتنا في أفراد مهما كانوا من عبد الناصر إلى صدام فما بالنا بأعضاء المجلس، وماذا سيفعلوا إذا كان رأيهم استشاري ولن تلتزم به الحكومة.
من حق البعض أن يري في وجود المجلس تطور إيجابي، كما من حق عثمان محمد عثمان عضو حزب التجمع السابق أن يصبح وزيراً للتخطيط ، و من حق عبد الفتاح الجبالي الباحث اليساري السابق أن يعمل مستشاراً لوزير المالية ولكن ليس من حق احد أن يجعلنا نهلل لأي تغيير شكلي وبأنه أول الغيث.
ماذا يفعل ثلاثة سنتيمترات من الكريمة مع برميل من المخلفات والقاذورات هل ستغير طبيعة محتويات البرميل أو ستزيل عنه رائحته أو ستحوله إلى مكون آخر غير طبيعته.ويصرخ فينا البعض أيها العميان ألا ترون الكريمة ؟!
بلا نراها ونشاهدها ونعلم جيداً طبيعتها ولكننا أيضاً نعرف باقي محتويات البرميل ولا تغرنا هذه الطبقة الرقيقة التي لن تغير من الأمر شئ، ألا تستنشقون الرائحة ؟!!! إننا نؤمن بحكمة أحمد فؤاد نجم بأن أي شئ في البتاع الناس تشوف على طول ولكن هذا وحده لا يكفى.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية