هذه هي الحلقة الأخيرة، من سلسلة (فوائد رمضانية) لهذا العام الهجري، وهي تشتمل على خمس فوائد مكمّلات لما سبقها، وهي منتقاة ومختصرة أيضاً، من كتاب (منهاج المسلم) للعلامة أبي بكر الجزائري، كما ذكرت في مقدمة الحلقة الأولى. وهي : (حُكم صلاةِ العيدِ ، ووقتها ) ، و (ما ينبغي من آداب يومِ العيد ) و ( صفة صلاةِ العيدِ) و ( حكم صلاة الجمعة ، وآدابها ) و(ما ينبغي فعلُه يومَ الجُمُعَة)، وأختمها بفائدة عامة في العبودية وشروط قبول الأعمال عند الله تعالى، يحتاجها المسلم في رمضان وفي غيره، وفي كل حين. الفائدةُ الثامنةَ عشْرةَ : في حُكم صلاةِ العيدِ ، ووقتِها
أولاً : لا عيدَ في الإسلامِ إلا عيدُ الفِطْرِ وعيدُ الأضحى .
ثانياً : وصلاةُ العيدِ ركعتانِ ، تُصلَّيانِ جماعةً في المُصلَّى، وتصح في المسجد الجامع .
ثالثاً : وهي سنة مُؤكَّدة ، لفعل النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) لها ، ومُواظبَتِهِ عليها ، مُدَّة بقائهِ في المدينة، إلى أنْ توُفِّيَ عليه الصلاةُ والسلام . وقد أمرَ بها وأخرجَ لها حتى النساءَ والصبيانَ . وهي شعيرةٌ من شعائرِ الإسلام ، ومظهرٌ من مظاهِرِهِ التي يتجلَّى فيها الإيمانُ والتَّقوى.
رابِعاً : وقتُها : يومَ العيدِ، من ارتفاعِ الشّمسِ مقدارَ رُمحٍ وحتى الزَّوالِ ، أي وقتُ الظهرِ . ويُفضَّلُ التَّبكيرُ بصلاةِ عيدِ الأضحى ، والتأخيرُ قليلاً بصلاةِ عيدِ الفِطرِ .
الفائدة التاسعةَ عشْرةَ : فيما ينبغي من آداب يومِ العيد
1) الغُسلُ والتطيُّبُ ولُبسُ الجميلِ من الثيابِ ، وكان للرسولِ -صلى الله عليه وسلم- بُردةٌ للأعياد والجُمَعِ .
2) الأكلُ قبلَ الخروجِ إلى صلاةِ عيدِ الفطرِ . ولو تَمَراتٍ قليلةٍ .
3) التَّكبيرُ من ليلتي العيدينِ ويسْتَمرُّ في عيدِ الأضْحى إلى آخرِ أيامِ التشريقِ ، وفي الفِطْر إلى أن يخرُجَ الإمامُ عليهم للصلاة .
4) الخُروجُ إلى المصلى من طريقٍ ، والرُّجوعُ من أُخرى ؛ لفعلِهِ صلى الله عليه وسلم ذلك
5) أن تُصلَّى في صحراءٍ ( أي مصلَّى ) إلا لضرورةٍ مطرٍ ونحوِهِ ، فتصلَّى في المساجِدِ ، وذلك لمواظبةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على صلاتِها في الصحراء .
6) التَّهنِئة بالعيد ، بقول المسلمِ لأخيهِ : تقبَّل اللهُ منَّا ومنْكَ .
7) عدمُ الحرجِ في التَّوسُّعِ في الأكلِ والشُرْبِ واللهوِ المباحِ .
الفائدةُ العشرون : في صفةِ صلاةِ العيدِ
صلاةُ العيدِ ، تكونُ بأن يخرُجَ النَّاس ـ حتى النساءَ والأطفالَ ـ إلى المُصلَّى يكبِّرونَ ، حتَّى إذا ارتفعتِ الشمسُ بعضَ أمتارٍ ، قامَ الإمامُ فصلَّى ـ بِلا أذانٍ ولا إقامةٍ ـ ركعتينِ يُكبِّر في الأولى سبع تكبيرات، منها تكبيرة الإحرامِ ، والناسُ يُكبِّرونَ من خلفِهِ بتكبيره، ثم يقرأُ بالفاتحةِ وسورةِ الأعلى جهراً ، ويُكبَّرُ في الثانيةِ خمسَ تكبيراتٍ ، عدا تكبيرةِ القيامِ ، ويقرأُ بالفاتِحةِ وسورةِ الغاشيةِ أو الشمسِ ، فإذا سلَّمَ ، قامَ فخَطَبَ في الناسِ خطبةً ، يجْلِسُ أثناءها جلْسةً خفيفةً . فيَعِظُ فيها ويذكُر ، يُخلِّلُها بالتكبيرِ ، كما يفتتِحُها بحمدِ اللهِ تعالى والثناءِ عليه . وإذا فرَغَ أنصرف الناسُ معهُ، إذ لا صلاةَ قبلها ، ولا بعدَها .
الفائدة الواحدة والعشرون : في حكم صلاة الجمعة ، وآدابها
صلاةُ الجمعةِ واجبةٌ ، بقولِ الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا نُودِيَ للصلاةِ من يومِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذكرِ الله وذَرُوا البيْعَ " . وقول الرسول عليه الصلاةُ والسلام : " الجُمعةُ حقٌ واجبٌ على كلِ مسلمٍ إلا أربعة : عبدُ مملوكٌ ، أو امرأةُ ، أو صبيٌ ، أو مريضٌ " .
ومن آدابها :
1- الاغتسالُ واجب على كلِّ من يحضرُها ، لقولِهِ صلى الله عليه وسلم : " غُسْلُ الجُمْعةِ واجِبٌ على كلِّ محتلمٍ .
2- لِبْسُ الثِّيابِ النظيفةِ ، ومسُّ الّطيبِ . لقوله صلى الله عليه وسلم : (( على كل مسلم الغُسْلُ يوم الجمعة ، ويَلْبَسُ من صالح ثيابه ، وإن كان له طيبٌ مسَّ منه )).
3- التّبكيرُ إليها ، أي الذهابُ قبْلَ دُخولِ وقْتها بزمن . فمن ذهب في الساعة الأولى ، فكأنما تصدَّق ببَدَنة (أي ناقة أو جمل) ، ومن ذهب في الساعةِ الثانية فكأنما تصدَّق ببقرة ، وفي الساعةِ الثالثة كأنما تصدَّق بِكبْشٍ أقْرنٍ ، وفي الرابعة بدجاجة ، وفي الخامسة ببيضة ، فإذا خرجَ الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر .
الفائدةُ الثانيةُ والعشرون : فيما ينبغي فعلُه يومَ الجُمُعَة
1- صلاةُ ما تيسَّر من النافلةِ ، عندَ دخولِ المسجدِ ، أربعَ ركعاتٍ ، فأكثر .
2- قطعُ الكلامِ والعبثِ بأيِّ شيءٍ في المسجدِ ، إذا خرجَ الإمامُ للخُطبَةِ .
3- إذا دخل - والإمامُ يخْطُبُ- صلى ركعتينِ خفيفتينِ ، تحيةَ المسجِدِ .
4- يُكْرَهُ تخَطّيِ رقابِ الجالسينَ ، والتَّفْرِقةُ بينهم .
5- يَحرُمُ البيعُ والشراءُ عندَ النِّداءِ للجمعة ، لقوله تعالى ".. وذَرُوا البيع " .
6- تُسْتَحبٌّ قراءةُ سورةِ الكهفِ في ليلتها أو يومِها .
7- يستحبُّ الإكثارُ من الصلاةِ والسلامِ على رسولِ اللهِ ، صلى الله عليه وسلم .
8- ويستحبُّ الإكثارُ من الدعاءِ يومَها ؛ لأن فيها ساعةَ استجابةٍ ، كما ثبت في الحديث الصحيح.
==================================
فائدة عامة في العبودية وشروط قبول الأعمال
اعلم –أخي المؤمن- : إننا لن نكون من المفلحين، حتى يرضى عنا رب العالمين. ولا يرضى عنا ربنا عز وجل، حتى تكون عبوديتنا خالصة له وحده. ألم يقل –سبحانه- لرسوله –صلى الله عليه وسلم- : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }[الأنعام162- 163].
واعلم أنّ الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا صالحها، ولا يكون العمل صالحاً إلا إذا حقّق شرطين، هما الشرط اللازم والكافي كما في اصطلاح علم الرياضيات، لا يُكتفى بأحدهما دون الآخر؛ الأول : الإخلاص فيه لله تبارك وتعالى، وهو ما تشير إليه الآية السابقة. الثاني : الإصابة فيه بأن يكون موافقاً لشرع الله عز وجلّ؛ لأنّ مخالفة العمل لما شرعه الله لعباده المؤمنين مضادةٌ ومحادةٌ لقوله سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[المائدة-3].
واعلم أنّ هذين الشرطين قد تضمنتهما الشهادتان (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله).
أما الشرط الأول، وهو الإخلاص، فمفهوم من (لا إله إلا الله)؛ لأنها تعني : أنه لا معبود بحق إلا الله، وهذا هو الإخلاص. وأما الشرط الثاني، وهو الصواب وموافقة الشرع، فمفهوم من (محمد رسول الله)؛ لأنه –صلى الله عليه وسلم- الطريق الوحيد الموصل إلى معرفة الشرع الإلهي وموافقته.
وعليه، ينبغي للعمل – كي يكون مقبولاً عند الله تعالى- أن يكون خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكون على وَفْق سنة رسوله محمدٍ الأمين.
هذا، والله تعالى أعلم ، والهادي إلى سواء السبيل.
تمت بحمد الله تعالى ، مع تحيات الدكتور خالد الخالد