عندما نختلف في الرياضة .. فيسعنا الاحتكام إلى الأذواق .. وعندما نختلف في السياسة .. يسعنا الاحتكام إلى المصالح العامة .. أما عندما نختلف بالدين .. فلا يسعنا إلا الدليل .. النص ثم الاجتهاد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى بعدي من النبوات إلا المبشرات"
قالوا: وما المبشرات؟
قال: "الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له"
وعندما أرى إعلاناً كبيراً يملأ ما بين السماء والأرض يقول : (تفسير الأحلام) في الصحف أو الفضائيات .. فإني أسأل نفسي .. وهل للأحلام تفسير؟ ما يراه النائم في منامه يقع في أحد قسمين .. إما أن يكون حُلُماُ .. أو أن تكون رؤيا.
فأما الأحلام فهي أضغاث .. والأضغاث ما كان مختلطاً من الكلام ولا علاقة له بالواقع .. فهي خيال العقل أثناء النوم خيالاً عشوائياً
أما الرؤى .. فهي ما يريه الله للنائم ليبشره أو لينذره أو ليلهمه .
والفرق الرئيسي بين الحلم والرؤيا .. هي أن الحلم لا تفسير له .. وعبارة (تفسير الأحلام) هي عبارة خاطئة معنىً واصطلاحاً .. إنما ما يفسّر هي الرؤيا التي هي من الله.
لذلك عندما رأى الملك سبع بقرات سمان .. قال: أفتوني في رؤياي .. ولم يقل أفتوني في حُلُمي .. لأنه يعرف أن الحلم لا يفسّر. ء
وماذا كان جواب قومه؟ قالوا: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.. ولم يقولوا أضغاث رؤى .. لأنهم يعرفون تماماً بأن الرؤيا لا يمكن لها أن تكون أضغاثاً .
المصيبة اليوم أن الناس لاتعرف الفرق بين الحلم والرؤيا .. لذلك نراهم يسعون لتفسير أي شيء يرونه في المنام .. ماله تفسير وما ليس له تفسير .. والمصيبة الأدهى والأمرّ .. هم أهل التفسير الذين يفسرون للناس كل شي حتى الأحلام . ء
فالمفسر الحقيقي يعرف تماماً إذا ما كان ما رآه السائل حلُماً أو رؤيا .. فإذا كانت رؤيا فسّرها له.. وإن كانت حلماً قال له: أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.
والغريب عندما أشاهد برنامجاً في التلفاز لتفسير "الأحلام" .. أرى حضرة المفسر يجيب جميع المتصلين ويفتيهم بما رأوه!!
أليس من الطبيعي أن يكون من بين المتصلين من يكون قد اختلط عليه الأمر .. فيسأل عن حلماً وليس رؤيا؟
وأليس من المفترض أن يعرف حضرة المفسر ذلك فيقول له : أن ما رأيته هو أضغاث أحلام؟
ما بال المفسرون .. يفسرون كل شي؟
إيها السادة .. إن الرؤى أمر نادر جداً .. وإنها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة" .. وإن أغلب ما يراه النائم في منامه هي أحلاماً .. وإن علامة المفسّر الصادق العالم هي أنه يمتنع عن التفسير أكثر مما يجيب .. وذلك لأن أغلب ما يٌعرض عليه من استفتاء هي أحلاماً وليس رؤى. كان محمد بن سيرين رحمه الله يسأل عن الرؤيا, فكان يجيب من كل أربعين مسألة واحدة!
بمعنى أنه يُسأل أربعين سؤالاً ويجيب في 39 منها (بلا أدري) ..هذا وهو ابن سيرين المشهور بعلمه في التفسير .. فما بال أصحاب (تفسير الاون لاين) يفسرون الذي لا يفسر!!؟
إن مفسر الفضائيات لا يستطيع أن يفعل هذا .. لا يستطيع أن يقول لا أدري.. لأن ذلك لن يرضي القناة ولن يكون مربحاً لها.
ثم إن الرؤى ياسيدي الكريم .. يختلف تفسيرها بحسب السائل .. فقد يرى رجلين ذات الرؤية .. ويكون لكل واحد منهما تفسير.
أتى رجل إلى ابن سيرين فقال: إني رأيت كأني أؤذّن .. فقال له: تذهب إلى الحج بإذن الله ..
فأتاه رجل آخر فقال: أني رأيت كأني أؤذّن .. فقال له: أنت سارق وستقطع يدك !
قيل لابن سيرين: ما حملك على التفريق بينهما؟
فقال: أما الأول رأيت فيه سمات الصالحين .. فأولتها "وأذّن بالناس في الحج" .. أما الآخر رأيت فيه سمت الظالمين فأولتها "وأذّن مؤذنٌ أيتها العير إنكم لسارقون"
السؤال البريء الموجه لسعادة مفسري الفضائيات .. كيف تفسرون رؤيا من لا تعلمون حاله؟ ماذا لو سألت عن رؤيا عبر الايميل وكنت قد رأيت أني أؤذن ؟ هل سأكون من الحجاج؟ أم سأكون من السارقين؟ وكيف تعرف أكنتُ من الصالحين أم من الظالمين؟
إن المفسر يجب أن يعرف حال السائل قبل أن يفتي له رؤياه.
الأدهى من ذلك .. أحد المفسرين يتلقى اتصالا على الهواء من امرأة تسأل عن ما رأته في منامها ..
يجيبها الشيخ بأن إحدى أخواتها الثلاث تخون زوجها !!
مالا يدركه هذا الأحمق .. أن الرؤيا معلقة على جناح طائر إذا فسرت وقعت .. بل إن من واجب المفسر أنه إذا رأى الرؤيا تدل على عورة سترها الله فينبغي عليه الامتناع عن الجواب أو يكتفي بوعظ ونصح صاحب الرؤيا بتقوى الله.
ما فسره صاحبنا لم يهدم بيتاً واحداً .. بل هدم ثلاث بيوت .. والله المستعان
* * *
آخر نفثة:ء
سأل الامام مالك: أيفسر الرؤى كل أحد؟
قال: أبالنبوة يتلاعب؟
والله هـَ زُ لَ تْ