الحمد لله تعالى، والصلاة على رسوله محمد وأهل بيته وأزواجه، وعلى صحبه ومن والاه. في ذكرى ميلاد رسولنا الأكرم، صلى الله عليه وسلم، أحببت أن أقدم لقراء ناشري مقالة مختصرة في موضوع خاصٍّ جداً بهذا الرسول العظيم، لعله يكون فيها التذكير والإفادة. لقد جاء الأمر بالصلاة والسلام على رسول الله محمد مُطلقاً في القرآن الكريم، في قوله عز وجلّ: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) [الأحزاب/ 56]. ومعنى كون الأمر مطلقاً أنه لم يُقيّد بعدد ولا شرط ولا صفة، ولا بزمان أو مكان. والأمر في الآية للوجوب عند جمهور العلماء، واتفقوا على أنه تجب في العمر مرة، وهذا أقل ما يجب في تنفيذ الأمر غيرِ المقيّد، بل قال القرطبي: لا خلاف في أن الصلاة عليه –صلى الله عليه وسلم- فرض في العمر مرة. [الجامع لأحكام القرآن ج14 ص235].  ولكنهم اختلفوا في حال وجوبها؛ فمنهم مَن أوجبها كلما جرى ذكره صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال: تجب في كلّ مجلس مرة وإنْ تكرر ذكره، كما قيل في آية السجدة وتشميت العاطس، وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره، ومنهم من أوجبها في العمر مرة، كما في إظهار الشهادتين، والذي يقتضيه الاحتياط: الصلاة عليه عند كل ذكر، لما ورد في الأخبار. كما قال الزمخشري في تفسيره الكشاف [ج3 ص557]. وبناء على ما سبق، فإنّ أية جملة فيها صلاة وسلام على رسول الله كافية في تنفيذ هذا الأمر، ولو مرة واحدة، وهذا أقل ما يُطلب. ولو رجعنا إلى السنة النبوية، المبينة للقرآن الكريم، لوجدنا فيها عشرات الأحاديث الشريفة التي ترغّب بالصلاة على رسول الله، والحثّ عليها، وطلب الإكثار منها؛ وذلك ببيان فضلها وأجرها، كما في قوله –صلى الله عليه وآله وسلم- : (مَن صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً). [أخرجه مسلم] وأمثاله، ولكن ليس في هذه الأحاديث تقييد بعدد معيّن، ولا وقت محدد من ليل أو نهار، وإنما شرطٌ وجواب شرط، كما في هذا الحديث، وترغيب بتكرارها كلما ذُكر الرسول –عليه الصلاة والسلام- كما في قوله: (البخيل مَن ذُكرت عنده فلم يُصلِّ عليّ). [أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح غريب]. وكذا ترغيب في الإكثار منها، حينما سأله اُبيُّ بن كعب –رضي الله عنه- : يا رسول الله، إني أُكثر من الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً تُكفى همَّك، ويُغفر لك ذنبُك). [أخرجه الإمام أحمد بألفاظ متقاربة، وأخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه الحاكم في المستدرك، ووافقه الذهبي]. وتتأكد الصلاة على النبيّ –صلى الله عليه وآله وسلم- في بعض الأيام وبعض المواضع. فمن الأيام يوم الجمعة؛ لقوله: (إنّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ، قالوا: كيف تُعرض عليك وقد أرمت –بليت- قال: إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء). [أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي]. ومن المواضع التي تُستحب فيها الصلاة على النبيّ أكثر من غيرها: - عند دخول المسجد والخروج منه، وفيه روايات صحيحة مشهورة. - وعند زيارة مسجده وقبره صلى الله عليه وسلّم، والدعاء هناك معروف. [انظر كتاب الأذكار للإمام النووي]. - وفي كل مجلس؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم-: (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يُصلوا على نبيّهم، إلا كان عليهم تِرَةً – نقصاً وعيباً- يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء أخذهم). [ أخرجه إسماعيل الجهضميّ في كتابه (فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)، وصححه الألبانيّ في تخريجه له]. - وقبل الدعاء وفي ختامه، كما جاء عن فضالة بن عبيد –رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته، لم يُمجّد الله، ولم يُصلِّ على النبي، فقال: (عجل هذا)، ثم دعاه، فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم –أي دعا- فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، ثم يدعو بما شاء). [أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح]. * أما الصيغة المطلوبة في الصلاة على النبي، فليست مقيدة بألفاظ معيّنة، وإنما ورد في تفسير الآية الكريمة "صلوا عليه وسلّموا تسليما" أنّ أحد الصحابة –وهو كعب بن عجرة رضي الله عنه- قال للرسول –صلى الله عليه وآله وسلم-: السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك، يا رسول الله؟ قال: (قل: اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد). [أخرجه البخاريّ] [وللحديث روايات أخرى، أوردها جميعها الإمام الطبري في تفسيره للآية]. وهذه تسمّى الصلاة الإبراهيمية، أو الصلاة الكاملة، ويمكن الاقتصار على الجملة الأولى منها خارج الصلاة. وفي الختام: أدعو نفسي وجميع إخواني وقرائي إلى الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله، نبيّ الرحمة، سيد ولد آدم، محمد بن عبد الله، تنفيذاً لأمر الله تعالى، واستجابة لندب رسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً لقدره؛ لتزداد صلتنا به، ويقوى حبُّه في قلوبنا، وهذا هو الهدف من طلبها والإكثار منها، كما أرى، والله أعلم، والموفّق إلى كل طاعة وخير.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية