قال الأصمعي لصبي تبدو عليه مخايل الذكاء: أيسرك لو أن لك مائة ألف درهم وأنك أحمق؟ قال الصبي: لا. قال الأصمعي: ولم؟ قال الصبي: لأني لا آمن أن يجني علي حمقى جناية أضيع فيها هذا المال، ويبقى علي حمقي.

يعد الاهتمام برعاية الطفل وتنشئته أمر حيوي تحرص عليه الأمم في معرض تطلعها لمستقبل أفضل تشكل فيه التنمية البشرية المحور الرئيسي للنهوض بشتى مجالات التنمية والثروة الحقيقية لهذه الأمم فبقدر الإعداد السليم لهذه الشريحة من المجتمع يكون المتوقع منها النهضة فتحقق لهذه الأمة أمنياتها في التحديات التي تواجهها وكثيرًا ما يتردد على الأسماع أن أطفال اليوم هم شباب ورجال الغد، فكيف رعى الإسلام هذه الفئة من المجتمع ومتى بدأت رعايته لها؟  

بداية الاهتمام قبل أن يولد الطفل وذلك بكراهة وتحريم أي علاقة غير شرعية يمكن أن يتولد عنها أطفال، إذ بدأ بالمحضن الأول للطفولة حيث أراد لها الشرعية المطلقة والمؤهلة ماديًا ومعنويًا لاحتضان المولود فحرم سبحانه الزنا ودعا إلى تكوين الأسرة الشرعية التي تتلقى الطفل في النور فيظهر منذ بداياته كائنًا لا جدل حوله يؤثر فيه عاطفةً أو سلوكًا وإنما عضوًا صحيحًا لا سقم فيه ولا عيب .  

وتأتي أول خطوة في شرعية الزواج في البحث عن شريك الحياة حيث يركز الإسلام على سلامة الاختيار فالمرأة تنكح لجمالها وحسبها ومالها ولكن الفائز من ظفر بذات الدين، والتحذير من خضراء الدمن: المرأةالحسناء في المنبت السوء أكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فالتخير للنطف واجب مادام العرق نزاع، فأي خير لأطفال أمهم ليست الصالحة التي بتربيتها يصلحون ومن كريم أخلاقها ينهلون، ولطالما امتن العربي على أبنائه بحسن اختياره لأمهم: وأول إحساني إليكم تخيري .. لماجدة الأعراق باد عفافها، ولطالما عاتب أبناءٌ آباءهم لسوء اختيارهم لأمهاتهم وفي قصة الولد العاق لأبيه التي حدثت في عهد أمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه حين شكاه أبوه إلى الخليفة مايؤكد ذلك فلقد وجه الابن للأب عتاب في أول عقه له لأنه لم يحسن اختيار أمه فعيّره الناس بها فكان لذلك أثرًا نفسيًا على الولد تجاه أبيه!

ثم تأتي مرحلة الاهتمام بالطفل وهو جنين فلا اعتداء عليه بإجهاض طالما أن الروح بُثت فيه وتسقط عن الأم بعض الأحكام فيجيز لها الفطر في الصيام المفروض إن خافت على حملها لتقضي بعد ذلك والأكثر منه يؤخر القصاص منها إن ارتكبت مايوجبه وهي حامل حتى تضع حملها إذ لا سبيل حتى للشرع على هذه النفس البريئة بجناية الأم.  

وبعد الولادة تأتي جملة من الأحكام تتعلق بالمولود تبدأ من حسن تسميته، وعند قدومه مناسبة سعيدة توجب شكر الواهب سواء كان ذكرًا أو أنثى {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ }الشورى49  وينكر تعالى على من استاء من ولادةالأنثى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } النحل58. ثم يوجب العقيقة إظهارًا للشكر والفرح وإشراكًا للغير في توزيعها، وتتابع جملة من الأحكام في الرضاعة وحسن الرعاية حتى لقد أنكر القرآن قتل الأولاد من إملاق فكيف يقتل برئ ممن   يفترض عليهم حمايتهم {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الأنعام151. {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً }الإسراء31.  فلا واقع الفقر ولا توقعه ولا كون المولود أنثى مسوغ أبداً لإزهاق نفس بريئة، {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ{8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ{9} التكوير.      

وفي الحضانة والميراث والطهارة والنفقة يجعل القرآن الكريم والسنة الشريفة للطفل ثوابًا من التشريع الإلهي يتناسب مع احتياجات الطفولة ويكفل لها حقوقها حتى في حال الطفل اللقيط واليتيم فعني القرآن بنفسية اليتيم كما اهتم بالحفاظ على ماله فلا تقرب أموالهم إلا بالتي هي أحسن ولا تهمل تربيتهم ولا ينهروا لكي لاتتعقد شخصياتهم ويسوء سلوكهم وتنهب حقوقهم. {ولْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا{9}. {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ{1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ{2} الماعون.

وجاءت السنة الشريفة لتؤكد مجاورة كافل اليتيم الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة واعتبرت أكل ماله من الموبقات السبع. جاء في الصحيحين(اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).

وترافق الطفل آداب الإسلام وسلوكياته ومن المواضع التي ذكرت في القرآن والسنة: أدب الاستئذان ومراعاة خصوصية الوالدين والآخرين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{58} {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{59}النور. آداب الطعام حين رأى صلى الله عليه وسلم ربيبه تطيش يده في الصفحة فقال:"يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"، وفي العبادات "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر" وفي موضع آخر وفرقوا بينهم في المضاجع.      

حماية الطفل والرفق به: من قواعد الإسلام الأصيلة الرحمة بمعناها الواسع وللطفولة حقها الوافر من هذه الصفة الخلائقية التي ما استثني منها الحيوان فكيف بالبشر؟ لقد أمر عليه الصلاة والسلام بحماية الطفل في وقت الغروب بإدخال الأطفال البيوت وكذا تحصينهم من كل شيطان وهامة وكل عين لامة بسور من القرآن الكريم. ولقد ترك لنا الرسول صلى الله عليه وسلم سنة عملية في التعامل الرحيم الودود مع الأطفال وإدخال السرور عليهم فكناهم كما يكنى الكبار تنمية لشخصياتهم وإيناسًا لهم فخاطب ابن طلحة الأنصاري: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ طائره الذي كان يلعب به، وأطال السجود حين ركب ظهره الحسن حفيده وقال: إن ابني ارتحلني وخشيت أن أعجله، وحمل أمامة حفيدته وهو يصلي  كما نزل من فوق المنبر وهو يخطب حين رأى الحسن والحسين يعثران في ثوبهما، وأنكر عليه السلام على من لا يقبل أبناءه فقال:"من لايرحم لايُرحم"   وإحساسه صلى الله عليه وسلم بصغر سن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وكيف كان يسرب لها صويحباتها ليلعبن معها، ويجعلها تنظر للحبشة حين لعبوا بحرابهم في المسجد، كما رفض صلى الله عليه وسلم أن يشترك الأطفال في المعارك فكان يرد من صغر سنه من المتقدمين للقتال بحماس الرجال!

لقد أخرج  القرآن  الكريم في نصوصه العظيمة صورًا عن أطفال مميزين، فهذه مريم ابنة عمران تقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنا، واسماعيل بن ابراهيم وكيف أطاع والده في ذبحه وبره بوالده، ويوسف عليه السلام ومحنته مع أخوته، ويحيى بن زكريا والحكمة التي أتاه الله إياها، والغلام الذي قتله الخضر عليه السلام وكان أبويه مؤمنين ولو عاش لأرهقهما طغياناً وكفرًا، وجدار الغلامين اليتيمين وكنزهما وأبوهما الصالح .    

إن في عناية الإسلام بالطفولة في جميع مراحلها وقبل أن ترى النور وحث الوالدين على الاهتمام وعدم الإهمال حفاظًا مميزًا على هذه الثروة البشرية من أن يهدرها إهمال أو تتناولها أيد منحرفة تخرج للمجتمع شخصيات تهدد أمنه وتشل إنتاجيته.  

 

التدقيق اللغوي: لجين قطب.    

 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية