تستحكم السنن في حياة البشر حتى تصبح عادات لا يتخلى عنها حتى المتألمون منها ! والإسلام في بصيرته النافذة ونفاذه المتدفق إلى نفوس أتباعه يضع لهذه السنن إشارات ضوئية تُضئ المعتم منها وتجعله مبعث دواء وإن لم يقضي على الداء . في الترغيب والترهيب لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم " لا قدست أمة لا يعطى الضعيف حقه غير متعتع " صححه الألباني وغير متعتع: أي من غير أن يُصيبه قلق أو أذىً أو ضرر .
رسم المعنى للضعفاء يقتضي أولاً أن نعرف أن الضعف صفة جِبلة في خلق الإنسان {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }النساء28 ومع ضعفه في الصبر على شهواته وعلى أداء التكاليف إلا أنه إن صَلُب إيمانه كان كيد الشيطان له ضعيفاً ! {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }النساء76 بين وضوح المعنى وإغلاقه فإن المريض والفقير والطفل والمرأة وكبير السن واليتيم والجاهل هم الضعفاء. {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة91 والرسل إنما يُبعثون إلى ضغفاء الناس وأقويائهم بل إن الأقوياء منهم غير أولي الهدى قد ينظرون لرسولهم رسماً على قاعدة الضعف والقوة .. ؟ {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }هود91 والأسطر القادمة توضح نسق مفهوم الضعفاء في ضوء الحقيقة التي من أجلها دعا الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته الباذخة في رسم معاني الإنسانية " اللهم أحيني مسكيناً وأمِتني مسكيناً، واحشرني مع المساكين " صححه الألباني يقرر عليه السلام رحلته في الدنيا منذ البدء وحتى المنتهى صحبة للمساكين ،هؤلاء الذين ما استنكف عليه الصلاة السلام أن يؤاكلهم ويجالسهم ويسير معهم في طريقهم وإلى حوائجهم ، وهم الذين لجئوا إلى طريقه الذي رفعهم إلى رتبة الصحبة الشريفة . يقول هرقل عظيم الروم لأبي سفيان حين جاءته رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه فيها إلى الإسلام : أضعفاء الناس يتبعونه أم كبراؤهم؟ قال: بل ضعفاؤهم فقال: أولئك أتباع الرسل! اختاروه فراراً من بؤس الحقيقة المشهودة إلى جمال العدل والرحمة ومستقبل الخلود في الجنان، ومن غير الممكن تجاهل مقارنته عليه السلام : ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبرّه. ألا أخبركم بأهل النار: كل عُتُلٍّ جوَّاظٍ مستكبر " أخرجه البخاري لقد شكلوا دعامة الدعوة الأولى في بنائه الصلب وإن كانت الدعوة لم تستغني لا في أولها ولا عندما استقر بها المقام في المدينة عن أقويائها الأخيار. لقد قرر صلى الله عليه وسلم جملة الحقائق الإنسانية عاطفة وعملاً ، كلمة متخيلة وواقعاً له سلوكياته ، وما أروعه من قَسر لا يدع لأحلام المستكبرين مكان ويحبسهم في سرداب أحلامهم حين نقم المشركون من سادة مكة على الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ؛ لاختيارههؤلاء عليهم! فقد روى عبد الله بن مسعود قال: " مَرَّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وعمّار وخبّاب ونحوهم من ضعفاء المسلمين.. فقالوا يا محمد، اطردهم، أَرَضيتَ هؤلاء من قومك؟! أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟! أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا ؟! فلعلك إن تطردهم أن نأتيك. قال: فنـزلت: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنعام 52 . {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28 أي دمع ذرفته أعينهم الواله بحب الله ورسوله حين سمعوا رد ربهم الرحيم ؟ ! أنا مع المنكسرة قلوبهم ! معية تهبط مع السحاب تجعل القلوب قناديل معلقة في جِناب الرحمن ليست خطوات ضباب وإنما معاشرة واقعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد قرر داعي الأخلاق بفعله جملة الصدارة : خير مايملكه الإنسان ما في نفسه لا ما في يده . معيارية الخُلق أن تضع له طرقه ووسائله ومقاييسه فترسم له المثل الأعلى في فطرة إنسانية سليمة وواقع الخُلق وصفاً تقريرياً لفعل يُوقفنا على حقيقة المشهد صعوداً من الواقع وانكفاء عليه وهذا ما يفعله الرسل بأتباعهم حين يعبرون بهم جانب التنظير إلى التطبيق. {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ }هود29 {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ }الشعراء114 " أبغوني ضعفاءكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم " أخرجه أبو داوود والنسائي والترمذي ارتماء الأفكار في عمق الألفاظ يحول مجرى السنن في اعتقاد البشر ؛ هنا ينقطع كل سبب للرزق والنصر ويوصل سبب الضعفاء ! فقه فَقهه الصحابة فقدموا أنس بن النضر في حصار ( تستر ) حين استعصى عليهم فتحه فأقسم على ربه أن ينصر المسلمين ويكون أول قتيل فأبره تعالى !وهو الذي نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملابسه الممزقة وقال مبتسماً : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " أخرجه أبوداوود وابن ماجه وأحمد أي منزلة وأي سريرة يَدلُ بها العبد على ربه فيقسم عليه ويبره الكبير المتعال ؟ ! عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : مرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لرجل عنده جالس: " ما رأيت في هذا "؟ فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حريٌ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفّع. فسكت رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ثم مرّ رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما رأيك في هذا "؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريٌ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا خير من ملء الأرض مثل هذا" أخرجه البخاري إنها مؤهلات إن أكرمكم عند الله أتقاكم . ولئن سلك الضعفاء أمثل الطرق ميسم الرسالة فأخرجهم من أضعف الضعف إلى أقوى القوة فإن بعضهم صعب عليه خلع عباءة الاتباع للأقوياء فداروا في فلكهم فأضافوا ذلة الآخرة إلى ذلة الدنيا تركة ثقيلة ألصقتهم بحضيض النار عياذاً بالله تعالى ؛ لا شعور من مكتسبات ماضية مستقرة تُرخي ستار لايواربه أصحابه وإنما يتدثرون به غطاءً سميكاً في سماكة الكُفر يرخي ظلاله السوداء فتعمى القلوب وتصم الآذان {وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }إبراهيم21 {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ }غافر47 وجوه النقص والتمام تطرح المعاني تقلبها ظهراً لبطن وبطناً لظهر ، أُغلقت سلسلة الرسل بخاتمهم صلى الله عليه وسلم وبقي الضعفاء يتسلل الخُلق العظيم في إنصافهم لا من ثقب وإنما من واجهة السماء بامتداها في انبساط عظيم .
التعليقات
ن ولكن رغم عموم العنوان، فقد تناول خصيصة واحدة من خصائص أتباع الأنبياء، ولأتباع الأنبياء خصائص أخرى كثيرة، وينبغي أن نشير بأن غالبية أتباع الأنبياء من الضعفاء، ولكن منهم الأقوياء أيضا كعمر وعثمان وحمزة أسد الله ورسوله وسعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة، وثمامة بن أثال من اليمامة والنجاشي في الحبشة، وأتباع الأنبياء في عهد الضعف هم المساكين، ولكن بعد الفتح صار صناديد قريش أتباعا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والجميع فيهم خير رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد كان ضعفهم في البداية سببا لإيذائهم وحربهم من أقوامهم إلى أن نصرهم الله عز وجل، اللهم احشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين
والقيي والهوس. قال الله تعالى : }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُجُو وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا
اللَّه { .الحشر 7}
كتاب فتوح الغيب
الغنية لطالبي طريق الحق
الشيخ الإمام العلامة العالم الزاهد الأوحد الورع العارف المؤيد محيي الدين قطب الإسلام معز الأنام ناصر السنة قامع البدعة صدر الأئمة أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله الجيلي، تغمده الله برحمته وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركته، وحشرنا في زمرته آمين
القسم الأول الفقه
كتاب الحج
دخول المدينة المنورة
http://www.halisiyye.com/ziyaretinnebi.htm
تأليف
حجة الأسلام
ابو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي
تغمده الله برحمة
كتاب قواعد العقائد
وهو الكتاب الثاني من ربع العبادات
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب قواعد العقائد وفيه أربعة فصول
الفصل الأول في ترجمة عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ الَّتِي هي أحد مباني الإسلام
فنقول وبالله التوفيق,
الحمد لله المبدىء المعيد الفعال لما يريد ذي العرش المجيد والبطش الشديد الهادي صفوة العبيد إلى المنهج الرشيد والمسلك السديد المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد السالك بهم إلى اتباع رسوله المصطفى واقتفاء آثار صحبه الأكرمين المكرمين بالتأييد والتسديد المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن أوصافه التي لا يدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد المعرف إياهم أنه في ذاته واحد لا شريك له فرد لا مثيل له صمد لا ضد له منفرد لا ند له وأنه واحد قديم لا أول له أزلي لا بداية لَهُ مُسْتَمِرُّ الْوُجُودِ
لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالِانْقِضَاءِ وَالِانْفِصَالِ بِتَصَرُّمِ الْآبَادِ وانقراض الآجال بن هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شيء عليم
التنزيه
وأنه ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر
وأنه لا يماثل والأجسام ولا في التقدير ولا في قبول الانقسام وأنه ليس بجوهر ولا تحله الجواهر ولا بعرض ولا تحله الأعراض بل لا يماثل موجوداً ولا يماثله موجود ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء
وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْجِهَاتُ وَلَا تَكْتَنِفُهُ الْأَرَضُونَ ولا السموات
وَأَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزهاً عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته
بَلْ كَانَ قَبْلَ أَنْ خَلَقَ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَهُوَ الْآنَ عَلَى ما عليه كان
وأنه بائن عن خلقه بصفاته ليس في ذاته سواه ولا في سواه ذاته وأنه مقدس عن التغير والانتقال لا تحله الحوادث ولا تعتريه العوارض بل لا يزال في نعوت جلاله منزهاً عن الزوال وفي صفات كماله مستغنياً عن زيادة الاستكمال
الحياة والقدرة
وَأَنَّهُ تَعَالَى حَيٌّ قَادِرٌ جَبَّارٌ قَاهِرٌ لَا يَعْتَرِيهِ قُصُورٌ وَلَا عَجْزٌ وَلَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ وَلَا يُعَارِضُهُ فَنَاءٌ وَلَا مَوْتٌ وأنه ذو الملك والملكوت والعزة والجبروت له السلطان والقهر والخلق والأمر والسموات مطويات بيمينه والخلائق مقهورون في قبضته
العلم وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ مُحِيطٌ بِمَا يَجْرِي من تخوم الأرضين إلى أعلى السموات وأنه عالم لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ بَلْ يَعْلَمُ دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَيُدْرِكُ حَرَكَةَ الذَّرِّ فِي جَوِّ الْهَوَاءِ وَيَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وَيَطَّلِعُ عَلَى هَوَاجِسِ الضَّمَائِرِ وَحَرَكَاتِ الْخَوَاطِرِ وَخَفِيَّاتِ السَّرَائِرِ بِعِلْمٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهِ فِي أَزَلِ الْآزَالِ لا بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول والانتقال
وأنه تعالى مريد لِلْكَائِنَاتِ مُدَبِّرٌ لِلْحَادِثَاتِ فَلَا يَجْرِي فِي الْمُلْكِ والملكوت قليل أو كثير صغير أو كبير خير أو شر نفع أو ضر
إيمان أو كفر عرفان أو نكر فوز أو خسران زيادة أو نقصان طاعة أو عصيان إِلَّا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَحِكْمَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ
فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ لَا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فلتة خاطر بل هو المبدىء المعيد الفعال لما يريد لا راد لأمره ولا معقب لقضائه ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته
ولا قوة له على طاعته إلا بمشيئته وإرادته فلو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته لعجزوا عن ذلك
وأن إرادته قائمة بذاته في جملة صفاته لم يزل كذلك موصوفاً بها
مريداً في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوجدت في أوقاتها كما أراده في أزله من غير تقدم ولا تأخر بل وقعت على وفق علمه وإرادته من غير تبدل ولا تغير
دبر الأمور لا بترتيب أفكار ولا تربص زمان فلذلك لم يشغله شأن عن شأن
وأنه تعالى سميع بصير يسمع ويرى ولا يعرب عَنْ سَمْعِهِ مَسْمُوعٌ وَإِنْ خَفِيَ
وَلَا يَغِيبُ عَنْ رُؤْيَتِهِ مَرْئِيٌّ وَإِنْ دَقَّ
وَلَا يَحْجُبُ سمعه بعد ولا يدفع رؤيته ظلام
يرى من غير حدقة وأجفان ويسمع من غير أصمخة وآذان كما يعلم بغير قلب ويبطش بغير جارحة ويخلق بغير آلة إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق
الكلام
وأنه تعالى متكلم آمرناه واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق فليس بصوت يحدث من انسلال هواه أو اصطكاك أجرام ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان
وَأَنَّ الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ كُتُبُهُ الْمُنَزَّلَةُ على رسله عليهم السلام
وأن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف محفوظ في القلوب وأنه مع ذلك قديم قائم بذات الله تعالى لا يقبل الانفصال والافتراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق وأن موسى صلى الله عليه وسلم سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض
الأفعال
وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا مَوْجُودَ سِوَاهُ إِلَّا وَهُوَ حَادِثٌ بِفِعْلِهِ وَفَائِضٌ مِنْ عَدْلِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا وَأَتَمِّهَا وَأَعْدَلِهَا وَأَنَّهُ حَكِيمٌ في أفعاله عادل في أقضيته لا يقاس عدله بعدل العباد إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره ولا يتصور الظلم من الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً فَكُلُّ مَا سِوَاهُ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وشيطان وسماء وارض وحيوان ونبات وجماد وجوهر وعرض وَمُدْرَكٍ وَمَحْسُوسٍ حَادِثٌ اخْتَرَعَهُ بِقُدْرَتِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ اخْتِرَاعًا وَأَنْشَأَهُ إِنْشَاءً بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شيئاً إذ كان مَوْجُودًا وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ فَأَحْدَثَ الْخَلْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَتَحْقِيقًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إِرَادَتِهِ
وَأَنَّهُ متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب وَمُتَطَوِّلٌ بِالْإِنْعَامِ وَالْإِصْلَاحِ لَا عَنْ لُزُومٍ فَلَهُ الفضل والإحسان والنعمة والامتنان إذ كان قادراً على أن يصب على عباده أنواع العذاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب ولو فعل ذلك لكان منه عدلاً ولم يكن منه قبيحاً ولا ظلماً
وأنه عز وجل يثبت عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الطَّاعَاتِ بِحُكْمِ الْكَرَمِ وَالْوَعْدِ لا بحكم الاستحقاق واللزوم لَهُ إِذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ فِعْلٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ظُلْمٌ وَلَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عليه حق
وأن حقه في الطاعات وجب عَلَى الْخَلْقِ بِإِيجَابِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ وَلَكِنَّهُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَظْهَرَ صِدْقَهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ فَبَلَّغُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاءوا به
وفضله على سائر الأنبياء وجعله سيد البشر
ومنع صحة الإيمان بشهادة التوحيد وهو قول لا إله إلا الله ما لم تقترن بها شهادة الرسول وهو قولك محمد رسول الله وَأَلْزَمَ الْخَلْقَ تَصْدِيقَهُ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ عنه من أمور الدنيا والآخرة
وأنه لا يتقبل إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبر به بعد الموت
وأوله سؤال منكر ونكير وهما شخصان مهيبان هائلان يقعدان العبد في قبره سوياً ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد والرسالة ويقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك وهما فتانا القبر وسؤالهما أول فتنة بعد الموت
وأن يؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان وصفته في العظم أنه مثل طبقات السموات والأرض توزن الأعمال بقدرة الله تعالى والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل تحقيقا لتمام العدل وتوضح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور فيثقل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله بفضل الله وتطرح صحائف السيئات في صورة قبيحة في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله
وأن يؤمن بأن الصراط حق وهو جسر ممدود على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعرة تزل عليه أقدام الكافرين بحكم الله سبحانه فتهوي بهم إلى النار وتثبت عليه أقدام المؤمنين بفضل الله فيساقون إلى دار القرار
وأن يؤمن بالحساب وتفاوت الناس فيه إلى مناقش في الحساب وإلى مسامح فيه وإلى من يدخل الجنة بغير حساب وهم المقربون فيسأل الله تعالى من شاء من الأنبياء عن تبليغ الرسالة ومن شاء من الكفار عن تكذيب المرسلين ويسأل المبتدعة عن السنة ويسأل المسلمين عن الأعمال
وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين على حسب جاهه ومنزلته عند الله تعالى ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أخرج بفضل الله عز وجل فلا يخلد في النار مؤمن بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان
وأن يعتقد فضل الصحابة رضي الله عنهم وترتيبهم وأن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثني عليهم كما أثنى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار
فمن اعتقد جميع ذلك موقناً به كان من أهل الحق وعصابة السنة وفارق رهط الضلال وحزب البدعة
فنسأل الله كمال اليقين وحسن الثبات في الدين لنا ولكافة المسلمين برحمته إنه أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى كل عبد مصطفى
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا } سورة النساء { 69 - 70 }
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة