يقولها بعضهم تندرا، وبعضهم الآخر تشنيعا، وقليل منهم قلقا. تتعدد أسباب تكرار الرجال لحقيقة أنّ معظم أهل النار من النساء. هنا، ما يهم ليس موقف الرجال حول هذه الحقيقة الثابتة بالحديث النبوي، بل بالنظر إلى هذه الحقيقة بجدية وتعمّق.
بداية، علينا معاشر النساء أن لا نشعر بالغضب أو الحقد على الشريعة لأنه قد جاء فيها أن النساء أكثر أهل النار! فهبنَ أني نقلت إلى فوج من الطلبة خبرا مفاده أن نسبة النجاح في الثانوية هذا العام 40% فقط، فانهالوا علي سبّا وشتما. سلوكهم هنا غير مبرر، وتنفيسي، بل وأحمق. فأنا نقلت لهم حقيقة ترجمتها أن غالبيتهم لم تنجح. وبدلا من البحث عن أسباب رسوبهم، هاجموني ناقلةَ الخبر. هذا السلوك المضحك المبكي هو سلوك نساء ورجال كُثُر حين يسمعون بالحديث الشهير:
"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال: أيها الناس تصدقوا. فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير ..." (صحيح مسلم)
(وللحديث تتمة كثيرا ما تثير الجدل بدورها، تطرقت لها في مقالة سابقة.)
وضعُنا نحن النساء في خطر، ويزداد خطرا إذا ضممنا لهذا حديثا آخر يفيد المعنى ذاته:
"عن عمارة بن خزيمة قال: بينا نحن مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة فإذا نحن بامرأة عليها حبائر لها وخواتيم وقد بسطت يدها على الهودج، فقال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشعب إذ قال: انظروا! هل ترون شيئا؟ فقلنا: نرى غربانا فيها غراب أعصم، أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان."
قد يُوجد البعض مخرجا لطيفا للحديث الأول، فيقول أن النساء أكثر أهل النار لأنهن أكثر من الرجال عددا في الغالب، فالمسألة تناسب إحصائي ليس إلا. بيد أنّ الحديث الثاني مُقلق، فالناجيات كمثل غراب واحد وحيد بين مجموعة غربان. بمعنى، نحن أقلية حقيقية دون الحاجة لأي حسابات إحصائية! الخطر عميم، والنبوءة صادقة، والأمر مفعول ومقضي. وما لنا إلا أن نبحث عن الدواعي فنتجنبها، فالمعرفة ثلاثة أرباع العلاج.
وإن كان الحديث الأول يذكر الأسباب صراحة " تكثرن اللعن وتكفرن العشير"، إلا أن ثمة خيطا رفيعا يربط بين الحديثين، خيط يتضح أكثر في زماننا هذا. نعم، لازالت كثير من النساء يكثرن اللعن (والغيبة والنميمة ولواحقهما!)، وربما ما عدن يكفرن العشير بمعناه المباشر، لكن مازال التذمر وعدم الرضا هواية محببة عند بعض النساء. لكن ثمة أمر خطر حين نربط الحديثين ببعضيهما، أمر أكثر تحققا في زماننا هذا.
هلا لاحظنا الحديث الأول وقوله صلى الله عليه وسلم "تصدّقن". وهو الأمر الذي استجابت له زينب زوجة ابن مسعود رضي الله عنهما، فتصدّقت بحليها. وهلا لاحظنا أيضا أن الذي فتح موضوع قلة عدد النساء الداخلات للجنة هو ظهور يد امرأة معمورة بالحبائر (الأساور) والخواتيم. إذا هي قضية المرأة والمال، أو بعبارة عصرنا هذا المرأة والاستهلاك.
أروني الكاذب الذي يقول أنه لا يحب المال. نعم، الكل –رجالا ونساء- يعشقون المال مع فارق جوهري؛ الرجال يعشقون المال، أما النساء فيعشقن إنفاقه. الفارق الدقيق هنا مؤثر، فأعتى الرجال عشقا للمال، قد يتوقف عند حد معين ليس بالضرورة لاكتفائه، ولكن ربما لانسداد سبل تحصيل المزيد منه مثلا. لكن أبسط امرأة عشقا للإنفاق لن تتوقف عن طلب المزيد منه لأن المال الذي يُهلك، يجب أن يأتي غيره.
قال الله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران:14)
في هذه الآية إشارة بديعة إلى تراتبية علاقة البشر بما يحبّون، ومن ضمنها المال. وإشارة أن عشق النساء مقدم على عشق المال لدى الرجال، فعشقهم للمال فرعي. وفي هذا طبعا ثناء رقيق يسعدنا معشر الحوائيات حينما نعلم أنّ محبتنا في قلوب الرجال "هي أول وهو المحل الثاني"! ولنلاحظ أن الآية -رغم أنّ عموم لفظها يشير إلى "الناس" بشكل عام- لكن ربطها بالأحاديث وباستكناه معنى الآية، تبدو أنها تخصّ الرجال بشكل أكبر.
طبعا أنا أول المعنيات بالأمر! وأول من عليها أن تنصح نفسها قبل أن تنصح الأخريات والآخرين. واللائي يعرفنني يمكنهن تبكيتي على الجرائم التي أرتكبها حينما أتسوّق. لكن فلنأخذ الأمر من ناحية إيجابية، بما أني موغلة في التسوق التبذيري، فإني خير من يعرف دقائقه، وخير من ينصح بشأنه!
في هذا العالم الاستهلاكي، عالم اكتسبت فيه الأشياء قيمة أرفع من البشر أنفسهم، يتضخم جرم المرأة التي ما فتئت تقترفه تاريخيا؛ طلبها للقناطير المقنطرة، كي تنفقها بطبيعة الحال. لكن لا، ليس هذا الجرم أعني. هذا عالم رأسمالي جديد، بجلد حربائي، عالم تسليعي، تشييئي مستعد لتحويل البشر (النساء بالذات) إلى أشياء تقتني. عالم يعبد الأشياء، عالم حول المرأة-الشيء إلى سلعة قابلة للاقتناء. هذا عصر عرف كيف يستثمر في الشهوات الأساسية للإنسان. في هذا العصر ما عادت المرأة هي التي تطلب المال فقط، المرأة صارت مالا! قاتلك الله أيها العالم، ما أخبثك! المرأة التي تعشق المال، تحولت هي نفسها إلى مال، وبدل من أن تطلب المال، صارت هي تجتهد في إبراز نفسها باعتبارها مالا يُطلب وسلعةً يُرغب في اقتنائها. نظرة سريعة للسلوك التبرجيّ الاستعراضي للنساء في وسائل الإعلام الاجتماعي تغنيني عن شرح وفير. صار النساء كـ"ميداس" عاشق الذهب الذي طلب مقدرة خارقة وهي أن يتحول كل ما يمسه إلى ذهب. تقول الأسطورة أنه مات جوعا حيث تحول كل ما يلمسه إلى ذهب، وتقول رواية أخرى أنه حين حضن ابنته، تحولت إلى ذهب هي الأخرى! المرأة "ميداسة" هذا العصر، لمست نفسها، فأحالتها إلى ذهب على ما يبدو. كان الحل في زمان النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تتصدق المرأة بحليها، أما اليوم، فعليها أن تتصدق على نفسها بأن تتحول من حِلية/سلعة/شيء إلى إنسان من جديد!
طبعا، يمكننا الإطالة في سرد الأسباب المسوغاتية. وأعد الجميع بأننا سنجد قائمة لا تنتهي من الأسباب، بل وسنجد أن كثيرا منها يقف وراءها الرجل أو المجتمع الأبوي بشكل عام، الذي ينمّط المرأة ويحصرها في أدوار معينة، ويرسم لها خطة حياة محددة سلفا فتكتسب هذه الصفات القبيحة التي ستودي بها إلى النار في نهاية المطاف إلا من رحم ربي. وستكون فرصة ميمونة لنكثر اللعن ونصب جام غضبنا على غيرنا وننحي باللائمة عليهم. حسنا، حسنا، الرجال هم السبب فيما وصلنا إليه، فلنفترض هذا الافتراض المريح أيا كانت دقته، ثم ماذا بعد؟ هل نقبل بأن نكون ضحايا؟ أن نُحرم من أن نكون غربانا عواصم نُجاة.
لم يأت الإسلام ليذيع علينا النبأ الحزين بأن غالبنا سيدخل النار، ويمضي. هذه رسالة تحذيرية، بأن فرص الهلاك كبيرة، وأن الدرب وعرة. وهذا الكلام عينه يحمل في طياته رسالة أخرى بأنّ النجاة ممكنة، بل ومطلوبة وضرورية، وإلا لما جاء التحذير أصلا. هذه إشارة حفّازة للبحث عن سبل النجاة، لا للتقوقع وندب القدر الذي حكم علينا بأن نكون نساءً، عضواتٍ في سرب غربان هالك.