قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[1]

لقد جاء نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بشريعة غراء سمحة، من أعظم أهدافها نشر الفضيلة والأخلاق، والسمو بالإنسان بتهذيب سلوكه وطباعه وعاداته للوصول به إلى أعلى مراتب الرقي الأخلاقي، حتى يكون أهلا لتكريم المولى جل وعلا له، فقال تعالى :

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[2]

وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة والتراحم فيما بيننا، حتى لا يأكل القوي الضعيف ويحكمنا قانون الغابة الذي لا يعترف إلا بالقوة، ولا رحمة فيه ولا شفقة!! وهو ما يتنافى بالكلية مع المجتمع الإسلامي الذي يعطف فيه الغني على الفقير، ويرحم فيه القوي الضعيف ويوقر فيه الصغير الكبير، فقد روي عن أنس بن مالك قال: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا)[3]

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ[4] حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ)[5]

كما روي عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ: رِفْقٌ بِالضَّعِيفِ، وَشَفَقَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَإِحْسَانٌ إِلَى الْمَمْلُوكِ)[6]

حتى في العبادة التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويحاول أن يبذل قصارى جهده لإرضاء المولى جل وعلا، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمراعاة حق الضعيف والمريض الذي لا يسعه ما يسع القوي الصحيح، حتى أنه صلى الله عليه وسلم سمى حج الضعيف جهادا. وقد روي عن أبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلانٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِم الْمَرِيضَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ)[7]

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (يَا عُمَرُ إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ لا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ)[8]

وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ) [9]

أما في الحقوق فحق الضعيف مقدم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم برعاية حق الضعيف، ونصرته، وإيصال حقه إليه، والوقوف في وجه من يحاول الاعتداء على حقه صيانة لحق هذا الضعيف الذي في نصرته إرضاء لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ : بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَهَى عَنْ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ، وَنَهَانَا عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ[10] ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ[11]، وَالْقَسِّيِّ[1]2]] وَالإِسْتَبْرَقِ[13]) [14]

وروي أنه لما ولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة، خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإني قد وليت أمركم ولست بخيركم.. أيها الناس: إن أكيس الكيس التقى، وأعجز العجز الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق[15]

وأخيرا فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أولياء الأمور من الكيل بمكيالين والتفرقة بين الضعيف وصاحب النفوذ عند اقتضاء الحقوق والوقوف أمام السلطان، أو في مجلس القضاء.. إلخ، فقد روي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)[16]

هذه هي عدالة الإسلام، وهذه هي رحمة الإسلام، وهذه هي أخلاق الإسلام، فأين نحن من ذلك؟!

[1] - سورة الأنبياء الآية: 107 .

[2] - سورة الإسراء الآية: 70 .

[3] - سنن الترمذي .

[4] - أحرج: من التحريج أو الإحراج: أي أضيق على الناس في تضييع حقهما، وأشدد عليهم في ذلك، والمقصود إشهاده تعالى في تبليغ ذلك الحكم إليهم .

[5] - رواه أحمد .

[6] ـ سنن الترمذي .

[7] - رواه البخاري .

[8] - رواه أحمد .

[9] - رواه أحمد .

[10] - المياثر: أغشية للسروج تتخذ من حرير .

[11] - الديباج: نوع من الحرير .

[12] - القسي: ثياب مخططة بالحرير .

[13] - الإستبرق: ما غلظ من الحرير .

[14] - رواه البخاري .

[15] - تاريخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي .

[16] - رواه البخاري .

 

التدقيق اللغوي: أبو هاشم حميد نجاحي

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية