قال تعالى :
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[2] .
وقال سبحانه وتعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[3] .
وقال تبارك اسمه : (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[4] .
فقد بدأ الله سبحانه وتعالى بنفسه ، وثنى بالملائكة ، وثلث بأهل العلم فناهيك بهذا شرفاً وفضلاً .
فالعلم هو أشرف فضائل الإنسان وذلك من وجهين :
أحدهما : أن الحكمة هي أرفع الفضائل ، وجميع الفضائل ومن بينها الحكمة لا تكتمل إلا بالعلم ، فجميع الفضائل تفتقر إلى العلم ، أما العلم فهو مستغن عنها ولا يفتقر إلى إحداها .
ثانيهما : أن الفضائل يشارك الإنسان فيها بعض الحيوان ، أما فضيلة العلم فلا يشاركه فيها إلا الملائكة .
والإسلام منذ اللحظة الأولى لنزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان أول ما بدأ به وحث عليه هو العلم ، فقال تعالى :
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[5] .
وقال عز وجل : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[6] .
والمراد هو التعليم والإرشاد .
وقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)[7] ، وفيه إيجاب للتعليم .
وقوله سبحانه : (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[8] ، هو تحريم للكتمان .
** كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتعلم ، وحضهم على طلب العلم ورغبهم فيه ، فقد روي عن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَانَ قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(مَنْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)[9] .
وعَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ : قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي ؟ فَقَالَ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ ؟ قَالَ : لا . قَالَ : مَا جِئْتُ إِلا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ . قَالَ : فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)[10] .
فقوله صلى الله عليه وسلم : (العلماء ورثة الأنبياء) يدل على شرف العلم والتعلم ، ومكانة العالم ، حيث أنه لا درجة فوق النبوة ، ولا شرف فوق شرف وراثة تلك الدرجة .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض) ، فأي منصب وأي مكانة تزيد على مكانة ومنصب من تشتغل الخلائق ممن يعلمهم الله في السموات والأرض بالاستغفار له .
وقد روي عَنْ سَهْلٍ ابْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (وَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)[11] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[12] .
وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ)[13] .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ قَالَ : "لَيْسَ هَدِيَّةٌ أَفْضَلَ مِنْ كَلِمَةِ حِكْمَةٍ تُهْدِيهَا لأَخِيكَ"[14] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (أَلا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالاهُ ، وَعَالِمٌ ، أَوْ مُتَعَلِّمٌ)[15] .
وعَنْ كَعْبٍ قَالَ : "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلا مُتَعَلِّمَ خَيْرٍ أَوْ مُعَلِّمَهُ"[16] .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ ، وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)[17] .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : (مُعَلِّمُ الْخَيْرِ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الأَجْرِ سَوَاءٌ ، وَلَيْسَ لِسَائِرِ النَّاسِ بَعْدُ خَيْرٌ)[18] .
** وقال الإمام علي رضي الله عنه :
العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق .
وقال رضي الله عنه :
ما الفخرُ إلا لأهلِ العِلْم إنَّهـــــــــــم ... على الهدى لمن استهدى أدلاَّءُ
وقَدْرُ كلِّ امرىءٍ ما كان يُحْـسِنُه ... والجَاهِلُون لأهْل العلـم أعَـــــــــــــداءُ
ففُزْ بعلمٍ تَعِشْ حياً به أبــــــــــــــــــــداً ... النَّاسَ موتى وأهلُ العِلْمِ أحْيــــــــــاءُ
وقال أبو الأسود :
ليس شيء أعز من العلم ، الملوك حكام على الناس ، والعلماء حكام على الملوك .
وقال بعضهم :
من اتخذ الحكمة لجاماً اتخذه الناس إماماً ، ومن عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار .
وقال الأحنف رحمه الله :
كاد العلماء أن يكونوا أرباباً ، وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل مصيره .
ويقال : أن جميع الأشياء تتجمل ، فالناس يتجملون بالعلم ، وتعلو أقدراهم بالعقل ، وليس شيء خيراً من العقل والعلم ، فإن العلم بقاء العز ودوامه ، والعقل بقاء السرور ونظامه ، ومن اجتمع العلم والعقل فيه فقد اجتمعت فيه اثنتا عشرة خصلة : العفة ، والأدب ، والتقى ، والأمانة ، والصحة ، والحياء ، والرحمة ، وحسن الخلق ، والوفاء ، والصبر ، والحلم ، والمدارة في مكانها ، وهذه من خواص آداب الملك ، وينبغي أن يكون مع العقل العلم كما أن مع النعمة الشكر ، ومع الصباحة الحلاوة ، ومع الاجتهاد الدولة ، فإذا جاءت الدولة حصل المراد جميعه .
وقيل أن معاذ بن جبل قال في التعليم والتعلم : (تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، وهو الأنيس في الوحدة ، والصاحب في الخلوة ، والدليل على الدين ، والصبر على السراء والضراء ، والوزير عند الأخلاء ، والقريب عند الغرباء ، ومنار سبيل الجنة ، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير : قادة ، سادة ، هداة ، يقتدي بهم ، أدلة في الخير ، تقتص آثارهم ، وترمق أفعالهم ، وترغب الملائكة في خلتهم ، وبأجنحتها تمسحهم ، وكل رطب ويابس لهم يستغفر ، حتى حيتان البحر وهوامه ، وسباع البر وأنعامه ، والسماء ونجومها ، لأن العلم حياة القلوب من العمى ، ونور الأبصار من الظلم وقوة الأبدان من الضعف ، يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى ، والتفكر فيه يعدل بالصيام ، ومدارسته بالقيام ، به يطاع الله عز وجل ، وبه يعبد ، وبه يوحد ، وبه يمجد ، وبه يتورع ، وبه توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، وهو إمام والعمل تابعه ، يلهمه السعداء ، ويحرمه الأشقياء)[19] .
** إن التعليم هو المحرك الأساسي في تطور الأمم وبناء الحضارات الذي لا يتم إلا ببناء الفرد وتثقيفه ، فالحياة مزيج من العلم والعمل ولا مكان للكسالى فيها ، فتطوير المعارف والمعلومات لا يتمّ إلا بالقراءة ، والتعليم هو الذي ينهض بالأمة ، ففي التعليم خدمةٌ للمجتمع والبلاد التي نعيش فيها ، وإرضاءٌ لله عز وجل ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
والمجتمعات الناجحة المزدهرة هي من أكثر المجتمعات قوةً وهيمنةً في هذا العالم ، وحتى يكون المجتمع قوياً ومتطوراً لابدّ له من أن يقوم على عدة مقومات أبرزها العلم ، فبدون العلم لما قامت المجتمعات البشرية وتطورت وازدهرت ووصلت إلى ما هي عليه في وقتنا الحالي ، لذلك نجد أن الشريعة الإسلامية قد أمرتنا بتحصيل العلم وتعليم الآخرين ، لأنه لا يمكن لأي مسلم أن يعبد الله عز وجل دون أن يكون على علم بأحكام الدين الإسلامي ، وقد فضل الله سبحانه وتعالى المسلم المتعلم على غير المتعلم ، فقال سبحانه : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[20] .
فقوة أي مجتمع تكمن في أفراده المتعلمين الواعين ، والقوة تزيد كلما قلت نسبة الجهل ، فالمجتمع المتعلم يمتلك وعياً وثقافةً تمكنه من حل جميع مشكلاته مهما كانت صعبة ، فالتعليم يؤمّن للمتعلم عملاً شريفاً يعود عليه بالمال الذي يستطيع من خلاله تلبيه حاجاته الضرورية بعيداً عن العوز والتقليل من كرامته ، والشخص المتعلم يتمكن من غرس أفكار وقيم ومبادئ نبيلة في نفوس أصدقائه وعائلته ومجتمعه ، مما يزيد من وعيهم وإدراكهم للمهام المنوطة بهم ، كما تزيد قدرتهم على اتخاذ القرارت الصائبة بكثير من أمور الحياة ، لأنه سيصبح عندهم نظرة واسعة للحياة والمستقبل ، ومهارات الشخص المتعلم هي أفضل اسثتمار لأسرته ولمجتمعه الذي يلقى كل الاحترام والتقدير منهم .
كما يعمل التعليم على محو نسبة الأمية في المجتمع أو تقليلها ، ويعطي الإنسان المعلومات في شتى المجالات ويوسع مداركه الفكريه ويعطيه قدرة على الابتكار ، والاختراع ، والتخيل ، والإبداع في كثيرٍ من الأمور ، مما يزيد من ثقته بنفسه ويحميه من الخوف والمواجهة ، فالعلم سلاح وقوة .
والتعليم يساوي بين الناس ويآخي بينهم ، ويلغي أية فوارق دينية ، أو عرقية ، أو لغوية ، ويعلي من قيم الإنسانية ، والعدل ، والمساواة ، والمحبة ، فالعلم وحده هو من يجمع الأفراد من الديانات المختلفة على نفس مقاعد الدراسة ليتلقوا الدروس العلمية نفسها، وهو ذاته الذي يجمع بين الأبيض والأسود على نفس المقعد ، وبهذا فإن العلم والتعليم يقوي العلاقات الاجتماعية بين الأفراد المختلفين ويرقى بحضارتهم ، ويجعلهم قادرين على مواجهة كل التحديات ، على عكس التفرقة التي تخلخل نظام المجتمع وتزعزع قواه .
والتعليم هو أحد أهم عناصر الحياة التي تعطي للإنسان معنى لوجوده ، والتعليم هو عملية اكتساب المهارات ، والخبرات ، والمعلومات التي يحتاج إليها الإنسان ليكون قادراً على الإبداع ، وخلق الجديد ، والإضافة إلى الإنسانية وإلى التراكم المعرفي الذي ابتدأ منذ آدم ولا يزال مستمراً إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها .
والتعليم هو أساس فهم الكون ومن فيه ، وما فيه ، فبه استطاع الإنسان أن يشاهد الأرض من خارجها ، وأن يلمس سطح القمر ، وأن يعرف الكون بتفاصيله وقياساته التي لا يتصوَّرها عقل دون أن يصل بنفسه إلى ما هو أبعد من القمر .
والتعليم هو الذي جعل الإنسان يغوص في أعماق الأرض ويتنقل بين أدق الكائنات علَّه يهدئ من نيران مواجعه الأنطولوجية ، ويصل إلى الله تلك الحقيقة المطلقة الواضحة وضوح الشمس في وسط النهار .
والعلم هو الطريق الوحيد المتاح أمام المجتمعات الذي يتوجب عليها سلوكه للوصول إلى الحقائق ومعرفتها ، وكي يكون الفرد متعلماً فإنه سيبذل الكثير من الجهد ، فالوصول إلى المعرفة الأكيدة ليس بالأمر السهل فهو يحتاج إلى الكثير من البحث والتعب ، فالعلم بحر واسع وعميق المدى مهما أبحر الإنسان وغاص في أعماقه فإنه لن يستطيع أن يدرك منه شيئاً ، أي أن الإنسان مهما كانت مكانته العلمية فإنه لم يؤتَ من العلم إلا القليل ، كما جاء في قوله جل وعلا : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[21] ، فكل يوم تحدث تطورات وأمور جديدة لم تكن موجودة من قبل ، وكل يوم يتم اكتشاف أشياء كانت مبهمة ومخفاه ولم نكن لنعلم عنها شيئاً .
ونظراً لأن العلم ذو مجالات واسعة ومختلفة ، نجد أن كل فرد منا يجذبه مجال معين من هذه المجالات ليتعمق ويبحث به ، لكن لا ينتهي العلم عند الحصول على المعرفة واحتكارها لدى فرد واحد فقط ، بل يجب إيصالها إلى الآخرين من خلال عملية التعليم ، لأن نقل المعرفة إلى الآخرين يعني الحفاظ عليها من الاندثار ، لأنها لو بقيت حكراً على فرد واحد فإنها ستموت بموته .
وأخيراً فإنه يجب أن يكون التعليم بحسب رغبة الفرد لا بحسب رغبة المجتمع ، ويجب علينا أن نعي أن جميع التخصصات متساوية في القيمة ما دام المتخصِّص مبدعاً ، فقيمة ابن سينا هي ذاتها قيمة ابن خلدون ، هي ذاتها قيمة أبي حنيفة ، هي ذاتها قيمة الشافعي ، هي ذاتها قيمة الفارابي ، هي ذاتها قيمة ابن الهيثم . فكل هؤلاء النجوم لهم مراتب علمية متساوية غير مبنية لا على تخصص ، ولا على أي شيء آخر .
كما يجب أن يكون للتعليم هيئة مستقلة ، ويجب فصل التعليم عن السياسة ، وكما يفصل القضاء عن باقي السلطات يجب فصل التعليم عن الوزارات المتغيّرة ، فنتائج الأبحاث التجريبية تحتاج إلى وقت حتى تستخلص ويتم التخطيط لها ، كما تحتاج إلى وقت حتى تنفّذ ، ووقت أكثر حتى تخرج ناتجاً ، ووقتٍ لتقييم الناتج .
وللوصول إلى تعليم عادل وشامل يجب أن يكون التعليم في متناول كل فرد ، ويجب تطوير النظام التعليمي ، ويجب أن تتكافأ الفرص التعليمية في كافة المراحل ، وتتطور وزارة التعليم لتصبح كياناً مستقلاً
[1] - المقالة من كتاب (تركة المصطفى ﷺ وشريعة الإسلام) جـ3 لمؤلفه/ أحمد درويش عبد السيد .
[2] - سورة المجادلة آية : 11 .
[3] ـ سورة فاطر الآية : 28 .
[4] - سورة آل عمران آية : 18 .
[5] ـ سورة العلق الآيات من 1 : 5 .
[6] ـ سورة التوبة ، عجز الآية : 122 .
[7] ـ سورة آل عمران ، صدر الآية : 187 .
[8] ـ سورة البقرة ، عجز الآية : 146 .
[9] - رواه البخاري .
[10] - سنن الترمذي .
[11] ـ سنن أبي داود .
[12] ـ سنن أبي داود .
[13] ـ مسند الإمام أحمد .
[14] ـ سنن الدارمي .
[15] ـ سنن الترمذي .
[16] ـ سنن الدارمي .
[17] ـ سنن الترمذي .
[18] ـ سنن الدارمي .
[19] ـ كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي .
[20] - سورة الزمر عجز الآية : 9 .
[21] - سورة الإسراء عجز الآية : 85 .