إذا كان التعليم هو أساس رقي الشعوب ونهضة الأمم ، وبالعلم يتم البناء والإعمار ، وبالعلم تنضج العقول وتولد عظيم الأفكار ، فلابد من الاهتمام بالتعليم والعلم والعلماء والمعلمين .
- والاهتمام بالتعليم يكون عن طريق بناء المدارس والمعاهد والجامعات ، وبأن يكون التعليم بالمجان ، مجانية حقيقية وليست شكلية ، بحيث يُقبل ويَقدر عليه ابن المعدم والفقير ، كما يقبل ويقدر عليه ابن الغني والوزير.
- والاهتمام بالتعليم يكون عن طريق وضع مناهج تعليمية تنبع من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ، والبعد كل البعد عن التقليد والنقل غير المدروس لعادات وتقاليد ونظريات بالية ، وعلوم لا نفع فيها ، بل وتتعارض مع مبادئ ديننا وأعرافنا وتقاليدنا.
- أيضاً فإن الاهتمام بالتعليم يكون بالاهتمام بالمعلمين ، ورواتبهم ، ومكافآتهم ، بحيث تغنيهم عن مهانة الدروس الخاصة ، وعلى الجانب الآخر وضع عقوبات صارمة لكل من يبع كرامته من أجل درس خاص أو لمحاباة طالب .. الخ مما يهدر شخصية المعلم ويحط من كرامته وقدره واحترام الطلاب له ، كذلك فإنه من الضرورة بمكان لاعتدال كفة الميزان أن توضع عقوبات أشد صرامة لمن يهين معلماً ، أو يعتدي عليه بقول أو بفعل ، أو يعين على ذلك .
أهمية التعليم في حياتنا :
للعلم والتعليم أهمية كبيرة في حياة الفرد والمجتمع ، كالآتي :
* فالعلم ينير العقل ويغيّر من طريقة تفكير الفرد وتجعله يفكر بالأمور من جميع النواحي ، وعدم التسرع في الحكم عليها.
* يجعل العلم الإنسان فرداً ذو هدف بارز في هذه الحياة.
* يرفع العلم من المكانة الاجتماعية للفرد بين الناس ، فالشخص المتعلّم يكون متميزاً بين الآخرين الأمر الذي يجعلهم يتقربون منه دائماً للاستفادة من علمه وحكمته.
* بالعلم يصبح الفرد أكثر معرفة وخبرة في أمور الحياة ، وهذا ما يجعله شخصاً متكلماً وذو لسان طليق ، وكلما زادت كمية المعرفة الموجودة في عقل الإنسان فإنّه يكون أكثر قدرة على الحديث في المجالس ومناقشة الآخرين.
* أما بالنسبة للمجتمع ، فإن العلم هو الذي يصنع الأجيال الصاعدة التي تبني المجتمعات والأوطان ، فالمجتمعات التي تملك المعرفة هي من أقوى المجتمعات وأكثرها هيمنة في هذا العالم ، كما أن هذه المعرفة تغير من ثقافة المجتمعات وحالتهم المعيشية من الفقر إلى الغنى سواءً أكان هذا الغنى بالموارد البشرية أو المادية .
ونختم بمقولة ابن عباس رضي الله عنهما :
خُيِّر سليمان بن داود عليهما السلام بين العلم والمال والملك ، فاختار العلم ، فأعطي المال والملك معه .
حق الطفل في التعليم :
التعليم من الحقوق الأساسية للإنسان ، وإذا كان الله تعالى قد ميزه بالعقل فمن الواجب عليه أن يستثمر هذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها عليه .
وإن التعليم يبدأ منذ الصغر ، ويتم زرع بذوره في الأطفال ، يكبر معهم شيئاً فشيئاً ، وفي عصرنا هذا يبدأ الإنسان رحلة تعلمه من بيته منذ طفولته ، ثم يتم إلحاقه برياض الأطفال ليتم تعليمه العديد من الأشياء ، بدايات الأبجديات ، بالإضافة إلى السلوكيات والتعامل ، ثم يكبر الطفل للمراحل التالية ويتعلم أشياء أكثر وأكبر مما تعلمها في المرحلة السابقة .
ومن ثم فالتعليم مرحلة تراكمية تعتمد فيه كل مرحلة على سابقتها ، ولذلك يجب أن يكون أساس التعليم قوي ، حتى يكون البناء والنتائج العملية التعليمية على أعلى مستوى .
وحق الطفل في التعليم من الحقوق التي كفلتها الأمم المتحدة كحق من حقوق الإنسان سواء كان طفلاً أو شاباً أو شيخاً .
ولكن قبل نشأة الأمم المتحدة بمئات القرون كان العرب في جاهليتهم يرسلون أبنائهم إلى القبائل المختلفة ليتعلموا فيها اللغة والفروسية وغير ذلك مما اشتهر به العرب ، وجاء الإسلام وأيد ذلك وساهم في تطوير الفكرة وحث على طلب العلم وأكد على أنه يبدأ منذ المهد وحتى اللحد ، وسبق وأن ذكرنا من الآيات والأحاديث النبوية ما يؤكد ذلك ويؤيده .
وللأسف الشديد وفي عصرنا هذا نجد الكثير من المنظمات والمحافل التي لا زالت تناقش حق الطفل في التعليم ، رغم أنه حق أصيل لا ينبغي أن يكون موضع جدال أو خلاف وبلا شروط ، ويجب على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني أن تؤمن للطفل بيئة اقتصادية واجتماعية سليمة تسمح له بممارسة حقه الخالص في التعليم ، أما الأطفال الذين لا يجدون فرصة للتعليم ، والذين يتركون مدارسهم للعمل من أجل قوت يومهم ، فمسئولية هؤلاء يجب أن تتعلق برقاب حكوماتهم .
وفي عصرنا هذا يجب التركيز ليس على حق الطفل في التعليم لأنه من المفترض تأصيل هذا الحق والفراغ من الحديث عنه ، وإنما الواجب أن ينصب الحديث على حقوق أعلى مستوى من الحق المجرد ، وهي حق الطفل في التعليم المميز ، أو حقه في التعليم الإلكتروني ، فالحق ليس في التعليم فقط ، وإنما في التعليم المميز الذي يخلق المبدعين .
فإذا جئنا للمراحل المتقدمة ، ورجعنا قليلاً لطبيعة الطفل في أول عمره ولهفته على تلقف المعلومات واعتمادها ، فإن هذه الطبيعة تجعلنا نفكر للبدء مع الطفل بأساسيات وأشياء كبيرة وبطريقة مختلفة وملائمة للتكنولوجيا التي يحياها أطفال هذا الجيل ، فعندما تكون الوسائل التعليمية حديثة ، فإن هذا يكون كفيلاً بأن يخلق طفل مبدع وهذا حقه على دولته قبل مجتمعه وأهله .
ومن حق الطفل أن يحظى ببيئة تربوية راقية ، قبل أن تكون بيئة تعليمية متطورة ، فالتربية الصحيحة هي مفتاح التعليم القويم ، بيئة يتم فيها استخدام أحدث النظريات والوسائل التربوية والتعليمية من أجل النهوض بالأطفال بكافة مستوياتهم وطبقاتهم الاجتماعية ، فبعض الأطفال يأتي للمدرسة كأنه لم يتلق كلمة حسنة في حياته أبداً ، لذلك فهذا الطفل وغيره هم مسئولية التعليم وما قبله مسئولية التربية .
تعليم المرأة :
لقد أولت الشريعة الإسلامية اهتماماً كبيراً بالمرأة باعتبارها قوام الأسرة وركيزتها الأساسية ، وفي صلاحها صلاح حال الأسرة ومن ثم صلاح المجتمع المسلم ككل ، وفي سبيل ذلك أعطت المرأة من الحقوق ما لم يعطه لمثيلتها تشريع أو قانون آخر في أي مكان على وجه الأرض ، برغم دعاواهم الباطلة ووعودهم الزائفة وكلماتهم الرنانة الخادعة التي يحاولون بها إفساد المرأة المسلمة تحت شعار (المرأة نصف المجتمع) ، ونحن كمسلمين نرى أن قيمة المرأة في المجتمع تفوق النصف بكثير ، فالمرأة المسلمة هي الزوجة الصالحة التي تعف زوجها وتقف خلفه تحضه على الفضيلة وتحثه على فعل الخيرات وترك المنكرات وعلى البناء والإصلاح قدر استطاعته ، وهي الأم التي تربي وتعلم وتنجب الرجال والأبطال وشباب الأمه الذي ينهض بها ويرقى إلى أعلى المراتب والدرجات ، وهي الأخت التي تشد من أزر أخيها وتقويه ، وهي العمة والخالة اللتان تنصحان وتوجهان ، وهي الجدة رمز الحكمة ومستودع الخبرة ، وهي الابنة التي تجدد شباب المجتمع وتعيد بناءه فهي الأخت والعمة والخالة وزوجة المستقبل والأم والجدة .
وقد حث الإسلام على تعليم المرأة لا فرق في ذلك بينها وبين الرجل ، وقد ألقى الله تعالى مسئولية تعليمهن على الآباء والأزواج ومن هن تحت رعايته ، فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[2] .
يقول المفسرون في شرح هذه الآية : يأمر الله بها تعليم أهل البيت وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .
وفي الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)[3] .
قال ابن الأثير : أَي نظَائِرُهُمْ وأَمْثَالُهم كأنهن شُقِقْنَ منهم ولأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام[4] .
وقال الرَّافِعِيُّ : أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق[5] .
وهذا هو نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يأمر بتعليم زوجته المسنه السيدة حفصة رضي الله عنها وهو كان أمياً ، فقد روي عن الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ ، فَقَالَ لِي : (أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ)[6] .
فالمرأة الغير متعلمه لن تقدر على تعليم أولادها ، ولن تقدر على تنشئة أجيال واعية تشارك في نهضة وبناء مجد الأمة ، قال شوقي :
الأم مدرسة إذا أعددتهــــا ... أعددت شعبا طيب الأعراق
وقيل أيضاً :
فكيف نظن بالأبناء خيـــــــــــراً ... إذا نشئوا بحضن الجاهـــــــــلات
وهل يرجى للأطفال كمــــــال ... إذا ارتضعوا ثدي الناقصــــــــــات
لأخلاق الصبي بك انعكاس ... كما انعكس الخيال على المرآة
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بتعليم الأرقاء والإماء فكيف يكون الأمر مع الأبناء والبنات ، قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : "باب تعليم الرجل أَمَته وأهله" ثم ساق حديثاً رواه أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ)[7].
وساق البخاري رحمه الله حديثاً في "باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم" ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ : وَاثْنَتَيْنِ فَقَالَ وَاثْنَتَيْنِ)[8] .
ووقع في رواية سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هُرَيْرَةَ بنحو هذه القصة فقال : (مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلَانَةَ ، فَأَتَاهُنَّ فَحَدَّثَهُنَّ)[9] ، ويوضح هذا الحديث مدى حرص نساء الصحابة على التعلم وتعليم النساء .
فالمرأة كما قلنا لها دور عظيم في بناء ونهضة أي مجتمع ، وحتى تتمكن من المشاركة في بناء مجتمعها وأمتها لابد من منحها كامل حقوقها وعلى رأس هذه الحقوق حقها في التعليم ، فهي التي تربي الأجيال.
ونكرر ونعيد ونؤكد أن :
الأم مدرسة إذا أعددتهــــا ... أعددت شعباً طيب الأعراق
[1] - هذه المقالة من كتاب (تركة المصطفى ﷺ وشريعة الإسلام) جـ3 لمؤلفه/ أحمد درويش عبد السيد .
[2] - سورة التحريم الآية : 6 .
[3] - سنن الترمذي ، وأبي داود ، ومسند الإمام أحمد .
[4] - عون المعبود شرح سنن أبي داود .
[5] - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك .
[6] - سنن أبي داود ، ومسند الإمام أحمد .
[7] - صحيح البخاري .
[8] - رواه البخاري .
[9] - فتح الباري شرح صحيح البخاري .