إعادة قراءة القرآن الكريم بعامة، وقراءة نبي الله إبراهيم (عليه السلام) خاصة. تعد ضرورة شرعية وحضارية، فأما الشرعية فإننا بدون القرآن لسنا من الإسلام بشيء.. وقد قال الله (عزّ وجلّ) في كتابه العزيز):فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا(.(طه/123ـــ124).
وعن أبن مسعود (رضي الله عنه):" من جعل القرآن خلف ظهره ساقه القرآن إلى النار، ومن جعل القرآن بين يديه قاده إلى الجنة".
وأما الضرورة الحضارية، فإنَّ القرآن الكريم هو هدى الله(عزّ وجلّ) في تنظيم العقل الإنساني بغية تحقيق النهضة الحضارية المنشودة للأمة لتأخذ موثقها الذي أراده لها الله(عزّ وجلّ)،(الشهود الحضاري).
وأما قراءة إبراهيم (عليه السلام) في القرآن الكريم، فللوقوف على منهجه في بناء العقل الإسلامي، وسلوكه الإيماني الذي جعل منه باني النهج الإسلامي العقلاني المؤدب بهدى الله تعالى.. ولمعرفة كيف سمانا المسلمين، وكيف هو أمة قانتة.. ولماذا أهتم به أهل الشرائع الأخرى؟
إن هذه القراءة تحقق للإنسان المسلم نهضة روحية نفتقدها اليوم، ونهضة أخلاقية تعيد ترتيب وجوده مع نفسه والعالم، ونهضة عقلية هو بحاجة إليها في مواجهة أعدائه.. مواجهة الحروب الشرسة التي تشن على الإسلام بأسلحة حديثة، اقتصادية وسياسية ودينية.
إبراهيم (عليه السلام) القاسم المشترك الأعظم بين الشرائع المختلفة اليهودية والمسيحية والإسلام، غير أنه أبن الدين الواحد عند الله (عزّ وجلّ) وهو الإسلام، أي: التسليم لله وحده لا شريك له، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
يسعى هذا البحث إلى الوقوف على مكانة إبراهيم (عليه السلام) في هذه الشرائع، وكيف نظرت إليه، وما صفاته التي بوأته هذه المكانة، ومن أحق به؟
توزع البحث على ثلاثة مباحث وخاتمة، تناول المبحث الأول، إبراهيم في اليهودية، وتناول المبحث الثاني إبراهيم في المسيحية، والمبحث الثالث، تناوله في الإسلام. ثم الخاتمة التي وصفت إبراهيم (عليه السلام) من خلال نصوص الكتب المقدسة.
اعتمدت في وصف مكانة إبراهيم (عليه السلام) على الكتب المقدسة المعتمدة وهي العهد القديم والعهد الجديد والقرآن الكريم، لم التفت إلى الأماكن والهجرة من مكان إلى مكان آخر، ذلك أن هم البحث هو بيان المكانة الدينية لإبراهيم(عليه السلام)، وبيان منهجه العقلاني في مواجهة أعداء الله، لنقف على الفروق الأساسية بين الكتب المذكورة في بيان مكانة النبي الدينية.
وقد ذكرت في مصادر البحث مجموعة من الكتب التي تناولت النبي إبراهيم (عليه السلام) لمن يريد التوسع في المسألة.
والله ولي التوفيق.
المبحث الأول: إبراهيم (عليه السلام) في اليهودية
يتناول سفر التكوين في العهد القديم حياة إبراهيم منذ الولادة حتى الممات، والبحث لا يتناول ما هو تاريخي، ولا الانشغال بالتناقضات التي يعج بها السفر فيما يتعلق بالاسم والهجرات، وعلاقته بالأقوام التي هاجر إليها، فقد عالج هذه المسألة كُتّاب مختصون في التاريخ يمكن الرجوع إلى كتبهم المذكورة في مصادر البحث، إنما يتناول البحث الأبعاد التي جعلت منه مرجعاً لليهودية.
أولاً: الطاعة:ـــــ
هاجر إبراهيم (عليه السلام) كما في سفر التكوين، (واسمه هنا أبرام) من أور الكلدانيين جنوب العراق إلى حاران مع أبيه، وزوجته ساراي، وابن أخيه(لوط)، ولم يذكر السفر أسباب الهجرة، ليستقر في(حاران) جنوب تركيا، مع والده(تارح) الذي توفي في(حاران) عن عمر ناهز الـ (150 عاماً) .
في حاران قال الرب لأبرام : ((ارحل من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم أسمك وتكون بركة، وأبارك مباركيك والعن لاعنيك، ويتبارك بك جميع عشائر الأرض)) تك:12: 4-1.
رحل إبراهيم (عليه السلام) مستجيباً لأمر الله طائعاً لحكمه، ومعه(لوط)، وصلوا أرض كنعان(فلسطين)، واجتازها إلى (بلوطة مورة) في شكيم عندما كان الكنعانيون في الأرض.
هنا تراءى الرب لإبراهيم وقال: ((لنسلك أهب هذه الأرض)) فاستقر فيها وبنى(مذبحاً) للرب الذي تراءى له فيها كذلك،، ظل إبراهيم يرتحل في أرض الكنعانيين ليستقر جنوباً في صحراء النقب.
غير أن الجوع الذي ضرب أرض كنعان، جعل إبراهيم يهاجر إلى مصر ليتغرب هناك ثانية، وعند وصوله إلى مصر طلب من (سارة) زوجته أن لا تقول هي زوجته إنما أخته، لئلا يقتله المصريون بسببها، فقد كانت جميلة جداً، غير أن حاشية الفرعون تخبره بالأمر، فيأمر بأخذ(سارة)، وإبراهيم ساكت، وكلما همَّ الفرعون بمعاشرتها، يتعرض لضربات الرب الموجعة، فيعلم أن هذا بسبب(سارة)، وعند اكتشاف الأمر يعيدها إلى زوجها مع ثروة طائلة من البقر والغنم والحمير والعبيد والإماء والجمال، وأمر بخروج إبراهيم من(مصر) معززاً مكرماً.
ثانياً: العهد مع الرب:ــــ
لكثرة وعود الرب بأن يهب إبراهيم الأرض، يطلب إبراهيم علامة يعلم بها أنه ورث الأرض، "يا سيدي الرب كيف أعلم أني أرثها".
فقال له:(( خذ لي عجلة عمرها ثلاث سنوات، وعنزة عمرها ثلاث سنوات، وكبشاً عمره ثلاث سنوات، ويمامة وحمامة، فأخذ له هذه كلها وشطرها أنصافاً، وجعل كل شطر مقابل الشطر الأخر، وأما الطائر فلم يشطره، وفي ذلك اليوم قطع الرب مع إبراهيم عهداً، قال: لنسلك أهب هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات)) تك:15: 7: 21.
ثالثاً: الإيمان والعمل:ــــ
عندما يأس إبراهيم من ولادة سارة، ورأت سارة هذا الشوق في عين إبراهيم للولد،، طلبت منه أن يدخل على(هاجر) المصرية جاريتها، فولدت هذه( إسماعيل) ففرح إبراهيم، غير أن سارة لم تحتمل الأمر، فأمرت بطردها وأبنها.
في هذا الوقت تراءى الرب لإبراهيم وهو في التاسعة والتسعين من عمره قائلاً له:(( أنا الله القدير، أسلك أمامي وكن كاملاً، فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثّر نسلك)) وواضح جداً أن كثرة النسل ستكون مع(إسماعيل).
أما العهد الآخر الذي قطعه الله مع إبراهيم فهو(الختان)،(أحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك جيلاً بعد جيل، هذا هو عهدي الذي تحفظونه وبيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، أن يختن كل ذكر منكم، فتخفون الغلفة من أبدانكم ويكون ذلك علامة عهد بيني وبينكم)) تك:17: 9.
غير أن الرب بدا له أن يتجه نحو سارة عندما طلب إبراهيم منه أن يحفظ إسماعيل (ليت إسماعيل يحيا أمامك) تك:17: 19.
فقال الله: ((بل سارة أمرأتك ستلد لك أبناً تسميه اسحق، وأقيم عهدي معه عهداً مؤبداً لنسله من بعده، أما إسماعيل فسمعت لك، وها أنا أباركه وأنميه وأكثّره جداً، ويلد أثنى عشر رئيساً وأجعل نسله أمة عظيمة، ولكن عهدي أقيمه مع اسحق الذي تلده سارة في مثل هذا الوقت من السنة المقبلة)) نك:17: 18: 23.
فأخذ إبراهيم أبنه لسماعيل وجميع المولودين في بيته والذين اقتناهم بماله، أي: كل ذكر من أهل بيته، فختن الغلفة من أبدانهم.
وكان (الختان) أول مظاهر الإيمان والعمل، أما المظهر الثاني فهو (ذبح ابنه)،(إسماعيل/ إسحق). ليس مهماً في هذا البحث (أنا أومن أن الذبيح إسماعيل)، فبعد أحداث كثيرة واجهت إبراهيم، مثل دمار سدوم، ولقاء أبيمالك وشراء بئر سبع وغيرها، امتحن الله إبراهيم مرة أخرى، فقال له: ((يا إبراهيم، قال: " نعم، ها أنا " قال:(( خذ اسحق أبنك وحيدك؛ " وكأن إسماعيل لم يعد ولده" الذي يحبه واذهب إلى أرض مورية، وهناك أصعده محرقة على جبل أدلك عليه)) تك:22: 3.
وعندما تجهز للأمر ووضع اسحق على المذبح وربطه، ومد يده فأخذ السكين ليذبح أبنه ناداه ملاك الرب من السماء وقال: ((إبراهيم، إبراهيم" قال :((نعم، ها أنا)) لا تمد يدك إلى الصبي ولا تفعل به شيئاً، الآن عرفت أنك تخاف الله، فما بخلت عليّ بأبنك وحيدك))، فرفع إبراهيم عينه ونظر فرأى وراءه كبشاً عالقاً بقرنيه بين الشجرات، فأقبل على الكبش وأخذه وقدمه محرقة بدل ابنه.
رابعاً: العنصرية:ــــ
لقد ركز إبراهيم (عليه السلام) كما هو في سفر التكوين على عنصريته وبقاء دمه نقياً لا يختلط بالكنعانيين، بدا ذلك واضحاً عندما أراد أن يزوج أبنه اسحق، إذ قال لكبير الخدم: ((ضع يدك تحت فخذي، فاستحلفك بالرب إله السماء وإله الأرض أن لا تأخذ زوجة لأبني من بنات الكنعانيين الذين أنا مقيم بينهم، بل إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لأبني اسحق)) تك:24: 1ـــ 5.
لم تذكر التوراة ما هي أبعاد دعوة إبراهيم (عليه السلام) ولم تشر من بعيد أو قريب إلى القيم التي يدعو إليها، وما موقفه من تعدد الإلهة، وكيف حاربها، وكيف لنبي أن يكذب ويتخلى عن زوجته مرتين، مرة مع فرعون، ومرة مع أبيمالك، وفي الحالتين يطلب منها أن تقول هي(أخته).. خوف أن يقتلوه بسببها، وفي الحالتين يرضى بالثروة الكبيرة التي يأخذها ثمن هذا الادعاء.
أن يعطيه الله أرضاً يسكن فيها وهو ونسله من بعده، أمر طبيعي، فالأرض ملك الله (عزّ وجلّ)، ولكن لماذا يطرد الرب الكنعانيين حصراً من أرضهم؟، وهم سكانها الأصلين، هذه صورة إبراهيم (عليه السلام) في اليهودية وعهدهم القديم، فكيف هو في العهد الجديد، عهد المسيحية.
المبحث الثاني: إبراهيم (عليه السلام) في المسيحية
ذكر إبراهيم في إنجيل متى، في معرض الإشارة إلى نسب المسيح ، يسوع بن داود من إبراهيم وعلى النحو الآتي:ــــ((هذا نسب يسوع المسيح أبن داود بن إبراهيم، إبراهيم ولد اسحق، اسحق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يهوذا وإخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار...)).
ويستمر الإصحاح في سرد الولادات التي سبقت السبي البابلي وبعده، إلى أن يصل إلى ولادة اليعازر الذي "ولد يعقوب، ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولدت يسوع الذي يدعى المسيح". متى:1ــــ 16.
أما ذكر إبراهيم (عليه السلام) في بقية الأناجيل وأعمال الرسل ورسائل القديسين، فكان يأتي ذكره مثالاً على وحدة الإيمان والعمل.
1_ فقد جاء في(أعمال الرسل) في خطبة استيفانوس:7-2. ما يأتي:ـــــ
(أجاب استيفانوس على سؤال الكاهن عن الافتراءات التي بثها اليهود ضده:ـــ
" اسمعوا أيها الأخوة والآباء، " ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو فيما بين النهرين قبل أن يسكن في حران، وقال له أترك أرضك وعشيرتك، وأرحل إلى الأرض التي أريك فنزل بلاد الكلدانيين وسكن حران" وهذه معلومة تختلف عما ورد في سفر التكوين آنف الذكر.
2_ في رسالة القديس يعقوب:2: 21ــــــ 23.
إشارة إلى علاقة الإيمان بالعمل كذلك، فيخاطب جاهلاً، " أتريد أن تعرف كيف يكون الإيمان عقيماً من غير أعمال، أنظر إلى أبينا إبراهيم، أما برَّره الله بالأعمال حين قدّم أبنه اسحق إلى المذبح؟ فأنت ترى أن إيمانه رافق أعماله، فصار إيمانه كاملاً بالأعمال، فتم قول الكتاب:" آمن إبراهيم بالله فبررّه الله لإيمانه ودعي خليل الله ".
3_ وورد في الكتب اليونانية من الترجمة السبعينية في سفر يشوع بن سيراخ: 44-19.
" إبراهيم كان أباً عظيماً لأمم كثيرة ولم يوجد مثله في المجد، حفظ شريعة العلي، فأقام معه عهداً، وجعل الختان علامة العهد، وعند الامتحان وجد أمنياً، فحلف له الرب بأن نسله سيكون بركة للأمم. ويتكاثر كتراب الأرض".
4_ في انجيل متى : 10-9:3
يذكر يوحنا المعمدان في مواجهة الفريسين والصدوقيين حين جاءوا إليه ليتعمدوا، فقال لهم: ـــ
(( يا أولاد الأفاعي، من علمكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟ أثمروا ثمراً يبرهن على توبتكم، ولا تقولوا لأنفسكم إن أبانا إبراهيم. أقول لكم إن الله قادر أن يجعل من هذه الحجارة أبناءً لإبراهيم. ها هي الفأس على أصول الشجر، فكل شجرة لا تعطي ثمراً جيداً تقطع وترمى للنار)).
هنا يوحنا المعمدان لا يعطي أهمية للانتماء العائلي، فكونهم آثمين لا يشفع لهم أنهم أبناء إبراهيم.
5_ إنجيل متى:8: 11.
وقال يسوع للذين يتبعونه حين ذهب ليشافي الخادم. ((الحق أقول لكم: ما وجدت مثل هذا الإيمان عند أحد في إسرائيل، أقول لكم : كثيرون من الناس سيجيؤن من المشرق والمغرب ويجلسون الى المائدة مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السماوات)).
" أفما قرأتم ما قال الله لكم: " أنا إله إبراهيم، وإله اسحق، وإله يعقوب؛ وما كان الله إله أموات بل إله أحياء".
6_ إنجيل مرقس:12: 26ــــ 27.
ويأتي ذكر إبراهيم (عليه السلام) في إنجيل مرقس على النحو الآتي:ـــ
" أفما قرأتم في كتاب موسى خبر العليقة، كيف كلم الله فقال:" أنا إله إبراهيم، وإله اسحق، وإله يعقوب، وما كان إله أموات، بل هو إله أحياء، فما أعظم صلاتكم.
وهذا كان احتجاج المسيح على الصدوقيين الذين ينكرون يوم القيامة.
7_ إنجيل لوقا: 1: 46ـــ55.
يرد ذكر إبراهيم في نشيد مريم:ــــ
" تعظم نفسي الرب..
وتبتهج روحي بالله مخلّصي لأنه نظر إليّ..
أعان عبد إسرائيل فتذكر رحمته..
كما وعد أبانا..
لإبراهيم ونسله إلى الأبد ".
وللقسم الذي أقسمه لإبراهيم أبينا بأنه يخلصنا من أعدائنا، حتى نعبده غير خائفين". 1:73.
8_ رسالة القديس بطرس الى كنيسة رومة:ـــ
" وماذا تقول في إبراهيم أبينا في الجسد وما جرى له؟ فلو أن الله بَّرره لأعماله لحق له أن يفتخر، ولكن لا عند الله ، فالكتاب يقول:" آمن إبراهيم بكلام الله ، فبرره لإيمانه".
ويذكر ترنيمة لداود هي:ــ
" هنيئاً للذين غُفرت ذنوبهم.
وسترت خطاياهم.
هنيئاً لمن خطاياه.
لا يحاسبه بها الرب": 4ـــــ18.
فهل تقتصر هذه السعادة على أهل الختان؟ أم تشمل غيرهم من البشر؟ نحن نقول: " إن الله برَّر إبراهيم لإيمانه، ولكن متى تم له ذلك أقبل الختان أم بعده؟ قبل الختان لا بعده، ثم نال الختان علامة وبرهاناً على أن الله برّره لإيمانه قبل ختانه، فصار إبراهيم أباً لجميع الذين يُبررهم الله لإيمانهم من غير المختونين، وأبا للمختونين الذين لا يكتفون بالختان، بل يقتدون بأبينا إبراهيم في إيمانه قبل أن ينال الختان".
فالوعد الذي وعد الله إبراهيم ونسله أن يرث العالم لا يعود إلى الشريعة، بل إلى إيمانه الذي بّرره، فلو أقتصر الميراث على أهل الشريعة، لكان الإيمان عبثاً والوعد باطلاً، لأن الشريعة تسبب غضب الله، وحيث لا تكون شريعة لا تكون معصية، فالميراث قائم على الإيمان حتى يكون هبة من الله، ويبقى الوعد جارياً على نسل إبراهيم كله، لا على أهل الشريعة وحدهم، بل على المؤمنين إيمان إبراهيم أيضاً، وهو أب لنا جميعاً كما يقول الكتاب: ((جعلتك أباً لأمم كثيرة)).
9_ العبرانيين:19-17:11
ويرد ذكر إبراهيم في هذه الرسالة على النحو الآتي:ــــ
" بالإيمان قدم إبراهيم أبنه الوحيد اسحق ذبيحة عندما امتحنه الله، قدمه وهو الذي أعطاه الله الوعد، وقال له:( بإسحق يكون لك نسل)) وأعتقد إبراهيم أن الله قادر أن يقيم الأموات، لذلك عاد إليه أبنه اسحق وفي هذا رمز".
هكذا نظرت المسيحية إلى إبراهيم (عليه السلام)، نبي اقترن إيمانه بالعمل، وآمن بعودة الأموات، وهي المقدمة التي يعتمدها المسيحيون لقيامة المسيح بعد الصلب. فكيف إبراهيم في القرآن الكريم؟
المبحث الثالث: إبراهيم (عليه السلام) في القرآن الكريم
لقد أسس إبراهيم (عليه السلام) طريق التوحيد بجهاد عقلي جبار، واجه به أعداء الله(عزّ وجلّ)، وبإيمان عميق بالله وطاعة لا مثيل لها، تجلت في أعماله كافة.
لقد وضح القرآن الكريم القيم والمبادئ التي آمن بها(إبراهيم) ووضح منظومته التشريعية، وكفاحه من أجل التوحيد، والحفاظ على خط (الإسلام) دين الله الواحد الخالد.
فالقرآن الكريم ليس كتاباً في التاريخ لينشغل بولادة إبراهيم وهجراته وما إلى ذلك، غير أنه يهدي إلى أدق ما في التاريخ من خلال ذكر الحوادث ومضامينها القيمية التي تقدم لمن يريد البحث التاريخي أدلة وعلامات دقيقة.
إن القرآن الكريم كتاب منهج وشريعة إلهية، يضع بين أيدي الناس سبل السلام والبناء والنهضة والأمن في الدارين. يتابع البحث (إبراهيم الخليل) في القرآن الكريم، في آياته المكية والمدنية، لنقف على دلالاتها، وبيان المكانة التي عيّنها الله (عزّ وجلّ) لإبراهيم في مسيرة(التوحيد) بوصفه جوهر الدين ومظهره، وتجلياته في تشريعات الله المتعددة:) لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا(.المائدة:48.
أولاً: سورة الأعلى:ــــ
أول ذكر لإبراهيم يأتي في هذه السورة (حسب ترتيب النزول) التي تطرح مسائل أساسية في الدين:ــــ
1_ تسبيح الله (عزّ وجلّ).
2_ بيان أنه الخالق الذي قدر سنن الكون.
3_ وأنه الذي يتحكم برعاية الطبيعة.
4_ رعاية الرسول وحمايته من النسيان والسهو.
5_ تيسيره في التبليغ والبناء الإنسان والعالم.
6_ التذكير بأحوال الأمم السابقة، وما تعرضت له من ويلات ودمار جراء مخالفتها لهدى الله (عزّ وجلّ)، وسيكون إبراهيم (عليه السلام) هو احد أهم ما يذكّر به الرسول ، بدلالة جعله برهاناً على صدق الرسول في الدعوة والتبليغ، حين أعلن أن هذه القيم كانت بعض اهتمامات(إبراهيم) وبعض ما بلغ به:)إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى(18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى( سورة الأعلى:18ـــ19.
وبهذه السورة يكون القرآن الكريم قد وضع أمام العالم وحدة المنظومة الأخلاقية والدينية التي ابتدأت مع(إبراهيم) والتي سيعيد القرآن الكريم بناءها من جديد بعد أن عابت عن ساحة الفكر الديني في العالم، وأصاب كثير منها التحريف.
وبعد ذلك تأتي سور القرآن الكريم، وآياته، لتذكّر أعداء الدين بالأنبياء السابقين، وما عانوه من وجع مع القوم، فيذكرهم بقوم نوح وعاد وفرعون وثمود وقوم لوط، وإبراهيم واسحق ويعقوب، وفي الوقت نفسه ليضع بين يدي الرسول أدوات المواجهة، ومنهج التفكير والتحدي:) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ(.سورة ص:45. إنهم أهل القوة والبصيرة التي قامت على عقل منفعل بعلم الله (عزّ وجلّ).
ثانياً: سورة مريم:ـــ
يعتمد القرآن الكريم في سورة مريم مبدأ التذكير بتاريخ الأنبياء، شاهداً على صدقه وأمانته في نقل الأخبار، إن الأنبياء الذين يذكرهم القرآن هم أنبياء العرب واليهود من قبل، فالعرب عرفوهم حق المعرفة، واليهود يعرفونهم حق المعرفة، والنصارى كذلك، غير أن هؤلاء جميعاً انحرفوا عن النبع الإلهي إلى اجتهادات البشر ومذاهبهم الشتى.
فيأتي إبراهيم(عليه السلام)، النبي الذي وَلَد أنبياء كُثر، وبهم سمي(أبو الأنبياء) ليكون أحد علامات الحق الإلهي.) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا(41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا(42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا(44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا(45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا(46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا(47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا(48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا(49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا(.مريم:41ــ50.
بهذا العلم، وبهذه البصيرة يخاطب إبراهيم أباه لينقذه من عبادة الشيطان الذي هو العدو اللدود لله (عزّ وجلّ).
وعبادة الشيطان: هي عبادة الأوثان التي تزينها لعابديها نفوسهم المريضة المنحرفة عن منطق الحق والحقيقة. ورغم رفض أبوه لدعوته، فإن إبراهيم بأخلاقه السامية وعقله الرصين أجابه بأنه سيستغفر له الله، الذي ظن إبراهيم أنه حفي به، عندها علم إبراهيم أنه لا حفاوة مع الشرك والمشركين.
ثالثاً: سورة هود :ـــ
يذكَّر الله (عزّ وجلّ) بإبراهيم في هذه السورة في قضية مهمة ألا وهي(ولادة اسحق)، إذ تأتي الملائكة ضيوفاً على إبراهيم(عليه السلام)، لتبشره بالحمل والولادة.
تعكس الآيات في هذه السورة(كرم) إبراهيم، الذي هبَّ لتكريم ضيوفه لحظة نزولهم عنده، وعندما علم بمهمتهم جادلهم في (لوط) وأن يعفوا عن قومه لأجل لوط (عليه السلام)، لقد قاده عقله وقادته أخلاقه لحماية قوم لوط من غضب الله إكراماً للوط. وقد مدح الله (عزّ وجلّ) موقف إبراهيم هذا، بأنه نتيجة لعقل إبراهيم المؤمن الموقن المخلص لله(عزّ وجلّ)، وهو تصرف عقلاني إنساني محمود عند الله سبحانه ، غير أنه استجاب للأمر عندما فهم أنه أمر الله الذي لا مناص من طاعته.) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ(.هود:76.
لقد أسس إبراهيم (عليه السلام) لأهمية(العقل) في الدين والحياة، كما سنرى ذلك في ما سيأتي من آيات.
رابعاً: سورة يوسف:ــــ
في هذه السورة يؤكد يوسف (عليه السلام)، إتباعه ملة آبائه إبراهيم واسحق ويعقوب، القائمة على التوحيد، ومن علمهم استقى علم تفسير الرؤيا.) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (.يوسف:38.
خامساً: سورة الأنعام:ـــــ
تتجلى في سورة النعام عقلانية إبراهيم (عليه السلام) في الوصول إلى الله (عزّ وجلّ)، فهو:ـــــ
1_ رفض الأصنام، لأنه رأى في عبادتها ضلالاً مبيناً.
2_ بدأ النظر المعرفي في ملكوت السموات والأرض بحثاً عن اليقين.
فأفترض ان الكوكب المضيء في الليل ربه، غير أنه سرعان ما (أفل) فانبثقت أولى لحظات الشك، وأراد أن يبدده في القمر الذي بدا أكبر حجماً وإضاءة، غير أنه(أفل) هو الآخر، فازداد الشك، فمن غير المعقول أن يتغير الإله، وأراد أن يقتنع أخيراً بالشمس التي غمرت العالم بنورها، ولما(أفلت) هي الأخرى، وصل اليقين ويعلن إيمانه المطلق بالله(عزّ وجلّ):) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (.الانعام:79.
وبهذا أسس للحنيفية السمحاء، دين التوحيد الخالص لله (عزّ وجلّ)، لتكون مناراً للآتين من بعده. وينتقل إلى موقف آخر، أثبت منطقاً وشجاعة، حين يواجه قومه هذه المرة في دعوته لرفض عبادتهم وأصنامهم وبدأ الحجاج مع القوم.) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (. الانعام:80.
لقد أمتلك مقومات الإيمان الراسخ والحق والشجاعة والصدق والإحساس بالأمن، أمن الدنيا والآخرة، ومع هذه المقومات لم يعد للخوف والمجاملة سبيلاً إلى قناعاته الراسخة وإيمانه العميق بالله العلي القدير.
سادساً: سورة الصافات:ـــ
تبين السورة خط التوحيد النبوي من نوح إلى إبراهيم وهما الرسل من أهل العزم، وقادة التوحيد.
فقد جاء إبراهيم إلى ربه بقلب سليم، أي بعقل موحد خالص من أي شرك بالله. داعياً إلى وحدانية الله (عزّ وجلّ)، فكانت له مواجهة كبرى مع والده، أحد سدنة معابد الأصنام، ومع قومه من عابدي الأصنام والكواكب، ثم مع القيادة العليا للقوم(النمرود)، فأسقط حججهم بكفاءة عالية، وأسقط آلهتهم نظرياً وعملياً، وأعلن أن الهلاك مع عبادة هذه الكتل الصماء أو المتغيرة (الآفلة). فأعلن الثورة على تلك العبادة فكسر الأصنام جميعاً، واسقط منطق عبادتهم، وحين عجزت السلطة الظالمة وأذنابها عن مواجهته بالمنطق، قرروا إحراقه، غير أن الله تعالى انتصر لرسوله، فأبطل فعل النار، وأنقذ رسوله ليواصل دعوة التوحيد، وبناء الإنسان في ضوء معطياته الخالدة.
وما إن انتهى من(بلاء) النار، حتى ابتلاه الله ثانية في أبنه هذه المرة، فقد رأى في المنام أنه يذبح أبنه، وعندما صدّق الرؤيا (رؤيا الذبح) وقرر التنفيذ، ناداه الله أن يا إبراهيم لقد صدقت الرؤيا، ولك أن تتصور عزيزي القارئ حجم المعاناة الجبارة التي عاشها(إبراهيم) وهو يتصور منظر الذبح بقسوتها، ومع من؟ مع الأبن الحلم الذي طالما انتظره بصبر عظيم، ولكنها طاعة الله التي لا تعرف التراجع والتردد والتخاذل.
ولأنه من رسل العزم، أصحاب الإرادات التي يهون عندها كل شيء من اجل التوحيد وطاعة الله سبحانه. فلا ولد عزيز، ولا مال، ولا روح يبخل بها على الله الذي عرّض هذه الرسل إلى ابتلاءات كبيرة لينمي فيهم ـــ وفي أتباعهم ـــ القدرة والقوة على المواجهة في أصعب الظروف.) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (.الصافات:103ــــ113.
سابعاً: سورة الشورى:ـــ
تبين السورة وحدة الدين، وجوهره الأساس، من نوح إلى محمد (عليهم السلام):ــــ
1_ إقامة الدين.
2_ عدم التفرق فيه.
وتؤكد على أن العلم بالدين من منابعه الأصلية هو سر القوة والنهضة، وإذا استخدم العلم بالدين لغير ترسيخ الوحدة والتعاون الاجتماعي كانت النتيجة الفوضى والتفرق والنزاعات الغبية، وهو ما كانت عليه اليهود، واختلافاتهم بين من يؤمن بالبعث وبين من لا يؤمن. فقد كان الصدوقيون يؤمنون بأن الروح تنطفي أثناء موت الجسد، وهذا الموت يعتبرونه نهاية الإنسان، فهم لا يعترفون باليوم الآخر، ويرفضون عقيدة الثواب والجزاء والقصاص، التي يمنحها الفريسيون أهمية عالية جداً، وتفاصيل هذه المسألة يذكرها حاخام كنيس برمنغهام ـأ. كوهن في كتابه(التلمود...).
ولذلك يؤكد الله (عزّ وجلّ) على النبي، أن يهتم في دعوته بقضية الوحدة والتعاون، والابتعاد عن أهواء الذين لا يؤمنون، وأن يأمر بالعدل في إطار احترام حرية الآخر، لأن الحكم في النهاية لله(عزّ وجلّ).
أما في ما يتعلق بالجانب الاجتماعي والإنساني، فهو مسؤولية السلطة، تحكم بالقوانين التي تضمن العدالة الاجتماعية والاقتصادية، بما لا يخالف شرع الله ):شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ(13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ(14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (.الشورى:13ــــ15.
ثامناً: سورة النحل:ــــــ
أمام هذه المعطيات القرآنية التي وضحت أهمية إبراهيم (عليه السلام) ومكانته، يؤكد القرآن الكريم على أن إبراهيم بإيمانه وطاعته وعقله كان(أمة) لا يضاهيه أحد في هذا المضمار الذي استحق أن يكون به مؤسس الحنيفية التي شكلت السمة الأساسية للإسلام في مسيرته التاريخية من نوح إلى محمد (عليهم السلام).
تبين السورة صفات إبراهيم (عليه السلام) وهي كالآتي:ـــــــ
1_ أمة مؤمنة.
2_ قانتاً لله.
3_ حنيفاً.
4_ لم يكن من المشركين.
5_ شاكراً لأنعم الله.
6_ مجتبى من الله.
7_ ملتزماً بهدى الله.
ولذلك فقد نال في الدنيا حسنة، بمكانته العلية، وفي الآخرة هو من الصالحين، لذلك وصى الله(عزّ وجلّ) رسوله المصطفى أن يتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين:) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ(122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (.النحل: 120ـــــ123ـ
تاسعاً: سورة الأنبياء:ـــــ
مشهد آخر في معركة إبراهيم (عليه السلام) في المواجهة مع الشرك، عندما يكتشف الكهنة حجم الكارثة التي أحدثها إبراهيم لألهتهم، فطلبوا مواجهته أمام الناس ليشهدوا مقتله في تصورهم، وعندما سألوه هل أنت من فعل هذا؟ قال بل فعله كبيرهم فاسألوهم إن كانوا ينطقون.
أحدث الجواب هزة عقلية في رؤوس القوم، عرفوا أن إبراهيم على حق، ولكن للعناد قوة، فأوقعتهم عقولهم في مأزق آخر، قالوا: لقد علمت أن هؤلاء لا ينطقون، وكيف؟ فأجابهم أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم، أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون؟
وحين عجزوا عن الرد، وتهافت منطقهم أمام منطق إبراهيم الرصين، قرروا إحراقه حفاظاً على مصالحهم، غير أن الله لهم بالمرصاد.. فأبطل فعل النار، وانتصر لرسوله.. وسقط كيدهم:) وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (.الأنبياء:51ـــ70.
عاشراً: سورة إبراهيم:ــــــ
تنتهي الآيات المكية في سورة إبراهيم عنه وهو في البيت الحرام، ليسكن فيه زوجته(هاجر) وابنه (إسماعيل)، ليقيم قواعد البيت من جديد، ويؤهله لعبادة الله، ويطهره للطائفين والعاكفين والركع السجود، ويدعو الله أن يجعله وأبنه مقيمي الصلاة، وأن يدفع بالناس إلى أبنه ليكونوا أمة جديدة، ويرزقهم من الثمرات، ويدعو له ولوالديه والمؤمنين بالمغفرة.
ثانياً: إبراهيم في الآيات المدنية:ـــ
1_ سورة البقرة:ــــ
تبين آيات سورة البقرة الخاصة بإبراهيم (عليه السلام) أموراً مهمة أخرى هي:ــــــــ
ابتلاء الله تعالى له بكلمات واختلف المفسرون فيها، غير اني أرى ما ذهب إليه الصنعاني، وهو الابتلاء بذبح أبنه، وبالنار، والبحث عن الله (عزّ وجلّ) من خلال الكواكب والشمس والقمر، وهذه المقدمة الأساسية في اختبار الإمامة، ليكون أهلاً لحملها. وحين سأل الله أن تكون الإمامة في ذريته، كان جواب الله أنه:) لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (.البقرة:124. جعل مقام إبراهيم في الكعبة مصلى. تطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود. الاستجابة لدعائه، بأنه يكون البيت آمناً، وافر الثمرات. أن يكون هو وأبنه مسلمين لله، ومن ذريته أمة مسلمة. أن يبعث فيهم رسولاً منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.
هذا إبراهيم وهذه مكانته، فمن يرغب عن هذه الملة بهذه الصفات إلا من سفه نفسه، وبهذه الصفات اصطفاه الله في الدنيا وهو في الآخرة من الصالحين، كيف هذا؟ لأنه استجاب بإيمان عميق وعقل ثاقب لرب العالمين حين قال له ربه(أسلم):) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (.البقرة:131ـــــ132.
وسبيل الهدى هو أن يقولوا آمنا بالله وما أنزل إليك (القرآن):) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (.البقرة: 136. نقض منطق اليهود بأنهم مصدر الهداية، إنما الهداية في ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. عدم التفرقة بين رسل الله. رفض دعوى أن إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى، لأن الله (عزّ وجلّ) أعلم بالمسألة منكم، ومن الظلم كتم شهادة عنده من الله. قوة منطقه في المواجهة مع الذي حاجه في ربه، الذي ادعى أنه يحيي ويميت، إذا كان هذا ممكن بالقتل أو العفو، فكانت حجة إبراهيم معتمداُ على قوانين الطبيعة:) إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(.البقرة:258. ويتصاعد منهجه العقلي في الوصول إلى اليقين، أن يسأل الله(عزّ وجلّ) أن يريه كيف يحيي الموتى. فيجيبه الله بسؤال حكيم فيه عمق الأخلاق الإلهية؛ أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي. وينقض الله دعوى اليهود والنصارى في محاججتهم أن إبراهيم منهم، فكيف يكون ذلك ومصدر اليهودية والنصرانية قد نزلت بعده؟!.
:) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ(. البقرة:65ـــ70.
2_ سورة آل عمران:ـــــ
تركز آيات السورة في إبراهيم على مسائل دينية مهمة، يعلم الله (عزّ وجلّ) رسوله أن يقول:) قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(.آل عمران:84ــ85. اتباع ملة إبراهيم حنيفاً:) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(.آل عمران:95. التأكيد على أن بكة/ مكة، هي أول بيت بني للناس:)إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(.آل عمران: 96 ـــ 97.
3_ سورة النساء:ـــــ
وفي سورة النساء يؤكد القرآن الكريم على ملة إبراهيم:ــــ
)وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا(.النساء:125. وحدة الوحي: )إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسماعيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا(.النساء:163.4_
4_ سورة الحج:ــــــ
تؤكد هي الأخرى على ملة إبراهيم وقيمتها الشرعية:) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(.الحج:78.
5_ سورة التوبة:ـــــ
تطرح قضية الاستغفار للمشركين، وهل تجوز، فيرد الله تعالى هذا الاستغفار، ويرد منطق الذين يحتجون بإبراهيم الذي استغفر لوالده: )مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ(113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ(.التوبة:113ـــ114.
الخاتمة
هكذا إبراهيم (عليه السلام) بالمنظور الإسلامي القرآني، فهو لم يغتصب أرضاً، ولم يؤسس لاغتصاب أرض، وكان ذا بُعد إنساني نبيل، قوامه العدالة، والحرية، والعقل، كان موحداً مجاهداً بالحق والكلمة، تحمل ابتلاءات الهه بحب وطاعة وإيمان نادر، بيَّن القرآن أنه علامة فارقة في درب الحق، ونهضة الروح الإنسانية المغمورة بالإيمان والتقوى، ولهذا يعلِّم الله رسوله المصطفى:) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(.الأنعام:161ـــ165.
وشعاره التوحيدي يضيء آفاق الكون:)إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين (.الأنعام:79.
مصادر البحث:
** القرآن الكريم.
أولاً: الكتاب المقدس، الترجمة العربية المشتركة من اللغات الأصلية، مع الكتب اليونانية من الترجمة السبعينية.
ثانياً: إبراهيم معجزة (قفزة الإيمان) . ف. ب. ماير، ترجمة المحرر والعالم لسلسلة الكلاسيكيات المسيحية. هدى بهيج، ط/1، 2004م.
ثالثاً: النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، سيد محمود القمني، مدبولي الصغير، ( د. ط . ت).
رابعاً: التوراة جاءت من جزيرة العرب، كمال الصليبي، ترجمة عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت لبنان، ط/6، 1997م.
خامساً: خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل، كمال الصليبي، دار الساقي، ط/3، لندن، 1994م.
سادساً: موسوعة الكتاب المقدس، دار منهل الحياة، لبنان.
سابعاً: التلمود .أ. كوهن، ترجمة جاك مارتي نقل الى العربية سليم طنوس، دار الخيال، ط/1، بيروت ــ لبنان، 2005م.
ثامناً: إبراهيم والميثاق مع بني اسرائيل في التوراة والإنجيل والقرآن، د. عبد الستار قاسم، الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدوليةــ القدس الشريف، ط/2، 1994م.
تاسعاً: تاريخ الكعبة والمسجد الحرام من عهد إبراهيم (عليه السلام) إلى الآن، فتحي فوزي عبد المعطي، دار الفرقان، ط/1، 2007م.