في سيرة الإمام الشيخ محمد الخضر حسين كتب عمر رضا كحالة قائلاً: محمد الخضر حسين عالم، كاتب، أصله من الجزائر، ولد في قفصة، منطقة الجريد بتونس، حيث نشأ، حصل على المعرفة في جامعة الزيتونة، نال منها الشهادة العالمية، قام بالتدريس، أسس مجلة، تولى رئاسة الجامعة، وتولى القضاء الشرعي في مدينة بنزرت، ثم هاجر إلى دمشق، ودرس في مدارسها الرسمية والخاصة، وسافر إلى القسطنطينية، وتولى تحرير القلم العربي ثم عاد إلى دمشق، وبعدها سافر إلى مصر وتم تعيينه مدققاً لغوياً في القسم الأدبي بدار الكتب المصرية، ودخل امتحان شهادة الأزهر العالمية التي يستحقها، ثم عين عضواً مراسلاً في المجمع العلمي العربي بدمشق، وولي أمر مشيخة الأزهر، وتوفي في القاهرة في الثاني عشر من رجب، ودفن في تراب آل تيمور. من تصنيفاته: "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق"، "نقض كتاب في الأدب الجاهلي لطه حسين"، "رسالة في السيرة النبوية"، "موجز في آداب الحرب في الإسلام"، و"القياس في اللغة العربية" (ينظر: عمر رضا كحالة: "معجم المؤلفين"، مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت، 9/ 279 – 280).

 

لعل من المؤلفات المهمة عند الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله كتابه الموسوم: "الحرية في الإسلام"، ولا أظن أن هذا الكتاب قد حضي بعناية الباحثين ونال من الشهرة ما نالته أعمال الشيخ محمد الخضر حسين وخصوصاً كتاب "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق"، وكتابه الآخر الموسوم "نقض كتاب في الأدب الجاهلي لطه حسين". وفي هذا المقال أحاول تسليط بعض الضوء على مدخل هذا الكتاب المهم، وإعادة اكتشافه من خلال قراءة ما جاء فيه. جاء في ديباجة الكتاب: "هذه مسامرة الشيخ السيد محمد الخضر بن الحسين، أحد المدرسين بجامع الزيتونة الأعظم، والمدرس بالقسم الخامس من المدرسة الصادقية، ألقاها بنادي جمعية قدماء تلامذة الصادقية مساء يوم السبت ١٧ في ربيع الثاني سنة ١٣٢٤ه، وهو يومئذ القاضي بمدينة بنزرت".

في كتاب "الحرية في الإسلام" ناقش الشيخ محمد الخضر حسين موضوعات من قبيل: مفهوم الحرية، المشورة، المساواة، الحرية في الأموال، الحرية في الأعراض، الحرية في الدماء، الحرية في الدين، وغيرها. يبين الشيخ محمد الخضر حسين أن كلمة الحرية بسائر تصاريفها في المعجم العربي تكشف عن معانٍ فاضلة ترجع إلى معنى الخلوص والاسم الحرية، والحُرَّة ضد الأمَة، والحُرَّة من السحاب الكثيرة المطر، وتطلق على الكريمة من النساء. أما في عالمنا اليوم فمعنى الحرية يشير إلى استقلال الإرادة، ويماثل معنى العتق الذي هو فك الرقبة من العبودية، وهو أن تحيا الأمة حياة مرضية في ظل الأمن على والاطمئنان، وأن يتعين لكل واحد من أفرادها حد لا يتخطاه، وتُقَرَّرَ له حقوق لا تعوقه عن الحصول عليها أحد؛ فإن في تعدي الإنسان الحد الذي قضت عليه أصول الاجتماع بالوقوف عنده ضربًا من الإفراط، ويقابله في الطرف الآخر وهو ضد الحرية حرمان الفرد من التمتع بحقوقه ليستأثر غيره بمنفعتها، وكلا الطرفين شعبة من شعب الرذائل، والحرية وسط بينهما على ما هي العادة في سائر الفضائل (الشيخ محمد الخضر الحسين: "الحرية في الإسلام"، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2021م، ص 15 – 16).

مفهوم الحرية في الإسلام عند الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله له علاقة بمفهوم المساواة: فهو يؤكد أن الله خلق الناس متماثلين في الفطرة، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً متكافئين، ولكن دخولهم في الحياة الاجتماعية ينزع عنهم التساوي والتماثل، ويرفع بعضهم فوق بعض درجات. وقد رُوعِيَ في الإسلام فطرةُ لله التي فطَر الناسَ عليها، فوُضِعَت التكاليف على شكل التكافؤ، وأدُيرَت مجالاتها على قطب المساواة، فلا فضل فيها لشريف على وضيع.. (الحرية في الإسلام، ص 25).

إن كتاب (الحرية في الإسلام) للشيخ محمد الخضر حسين يمثل معلماً بارزاً ومتقدماً في الفقه الإسلامي المعاصر يحسن بالمفكر والفقيه المسلم المعاصر اليوم أن يقرأه قراءة فاحصة ومتدبرة لما فيه من جواب مهم على سؤال ومعنى ومفهوم الحرية في الإسلام.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية