قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿١١﴾} (المجادلة: 11).
يقول الإمام الطبري في تفسير الآية: "ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين الذين يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به". [1]
وورد في الحديث عن جابر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «معلم الخير يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحار». [2]
ويقول الشيخ أحمد حطيبة: " لقد رفع الله عز وجل من منزلة العلماء، ورفع مكانتهم وقدرهم، فهم ورثة الأنبياء، وحراس الدين، والمبلغون الموقعون عن الله عز وجل في خلقه؛ فلهذا كان لهم أجر الحاج الذاهب إلى بيت الله، ويستغفر لهم كل مخلوق على وجه الأرض، وحق لهم ذلك فلقد ورثوا هذا الدين، وبلغوه إلى الخلق أجمعين، وميزوا فيه الصحيح من السقيم". [3]
لكن من هو العالم الذي يستغفر له حتى الحيتان في البحر؟ يبين لنا الشيخ عبد الكريم الخضير من هو، فيجيب على سؤال: "ما ضابط العالم الذي يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان؟" قائلاً: "هو العالم المحقق العامل بالكتاب والسنة المعتصم بهما، المعلم لهما". [4]
وقول الحق سبحانه وتعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿٤٣﴾} (النحل: 43). وقد قال الماوردي في تفسير أهل الذكر في الآية الكريمة، بقوله: "فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن أهل الذكر العلماء بأخبار من سلف من القرون الخالية الذين يعلمون أن الله تعالى ما بعث رسولاً إلا من رجال الأمة، وما بعث إليهم ملكاً. الثاني: أنه عنى بأهل الذكر أهل الكتاب خاصة، قاله ابن عباس ومجاهد. الثالث: أنهم أهل القرآن". [5]
نص للإمام السرخسي حول مكانة الفقهاء:
أشار الإمام السرخسي رحمه الله في مقدمة كتابه: "المبسوط" إلى مكانة الفقهاء، فقال: " فان أقوى الفرائض بعد الإيمان بالله تعالى طلب العلم كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة والعلم ميراث النبوة كما جاء في الحديث أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا ديناراً ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر. والعلم علمان علم التوحيد والصفات وعلم الفقه والشرائع. فالأصل في علم التوحيد التمسك بالكتاب والسنة ومجانبة الهوى والبدعة كما كان عليه الصحابة والتابعون والسلف الصالحون رضوان الله عليهم أجمعين الذين أخفاهم التراب...". [6]
ويضيف الإمام السرخسي رحمه الله: "وأما علم الفقه والشرائع فهو الخير الكثير كما قال الله عز وجل: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ}، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: "الحكمة معرفة الأحكام من الحلال والحرام"، وقد ندب الله تعالى إلى ذلك بقوله تعالى: { فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴿١٢٢﴾} (التوبة: 122)، فقد جعل ولاية الإنذار والدعوة للفقهاء. وهذه درجة الأنبياء. تركوها ميراثاً للعلماء. كما قال عليه الصلاة والسلام: "العلماء ورثة الأنبياء". وبعد انقطاع النبوة. هذه الدرجة أعلى النهاية في القوة. وهو معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، وقال عليه الصلاة والسلام: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"، ولهذا اشتغل به أعلام الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم". [7]
نص للشيخ المفتي عطية صقر حول مكانة العلماء:
وممن أشار إلى مكانة العلماء والفقهاء في العصر الحديث الشيخ عطية صقر رحمه الله، فقال:
"منزلة علماء الدين من أخطر ما وجد بين العاطفيين أنهم صرفوا الناس عن أخذ الدين ممن تخصصوا فيه والداعي إلى ذلك لا يخرج عن أمور: ا - ادعاء أن علماء الدين لا يفهمونه، وهم وحدهم الفاهمون، أو أن أحد العلماء السابقين أو الحاليين، الذي يأخذون عنه، هو الفاهم وحده ،للدين وأعتقد أن أبسط إنسان يرفض ذلك باحتقار ، ولا حاجة للاستدلال على بطلانه، وهذا طعن في أحد طرفي الكفاءة وهو المقدرة العلمية ادعاء أنهم مغرضون مسخرون لخدمة ذوي السلطان البعيدين عن الدين - كفرًا أو فسوقا - يحللون ويحرمون كما يملي عليهم، ولا يقولون الحق لوجه الله سبحانه، وهذا طعن في الطرف الثاني للكفاءة، وهو الخلق، فجدارة العامل في أي مجال تقوم على الدراية والأمانة، كما جاء في قول سيدنا يوسف لعزيز مصر: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴿٥٥﴾} [يوسف: ٥٥). وكما قالت بنت شعيب لأبيها، عن سيدنا موسى : { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴿٢٦﴾} (القصص (٢٦)".[8]
ويضيف الشيخ عطية صقر رحمه الله:
"وهذا الاتهام إن لم يكن باطلا من أصله فهو باطل في التعميم، ولو صح الاتهام في فرد أو أفراد يعدون على الأصابع، فإنهم سينكشفون بسرعة وتبقى الجدارة والثقة لسائر العلماء، الذين يغيب عنهم قول الله تعالى : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ } [الأحزاب: ٣٩)، فهم ورثة الأنبياء كما قال النبي... [صلى الله عليه وسلم]". [9]
[1] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (٢٢٤ - ٣١٠ هـ): "تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، تحقيق: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر - د عبد السند حسن يمامة، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م، 22/ 480.
[2] أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (٢٦٠ - ٣٦٠ هـ): "المعجم الأوسط"، المحقق: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد - أبو الفضل عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الناشر: دار الحرمين – القاهرة، عام النشر: ١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م، 6/ 214.
[3] (ينظر: شرح الترغيب والترهيب للمنذري، للشيخ الطبيب أحمد حطيبة، مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، http://www.islamweb.net، [ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - ٥٥ درسا]".
[4] محمد بن عيسى بن سَوْرة، أبو عيسى الترمذي (ت ٢٧٩هـ): "شرح سنن الترمذي"، الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير، دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير، [الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - ٣٦ درسا].
[5] أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت ٤٥٠هـ): " النكت والعيون"، المحقق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، 3/ 189.
[6] الإمام السرخسي: "كتاب المبسوط"، دار المعرفة، بيروت، 1/ 2.
[7] نفسه، 1/ 2 – 3.
[8] الشيخ عطية صقر: “المنهج السليم إلى طريق الله المستقيم: رؤية موضوعية لإرادة التغيير”، الطبعة الثالثة، مكتبة السنة، القاهرة، ١٤٢٢ه- ٢٠٠١م، ص 90.
[9] نفسه، ص 90 – 91.