يتحدث الدكتور محمد سليم العوا عن شيخه الدكتور محمد مصطفى شلبي قائلا: "لا يجهل باحث في أصول الفقه، ولا في مقاصد الشريعة، ولا في سماحتها، عظم قدر رسالة «تعليل الأحكام: عرض وتحليل لطريقة التعليل وتطوراتها في عصور الاجتهاد والتقليد» للشيخ العلامة محمد مصطفى شلبي، فهي مرجع لا غنى عنه، فضلا عن كونها أول مؤلف يحمل هذا الاسم في التاريخ الإسلامي، وللأمر دلالة. بل قد صارت الرسالة علمًا يشار إليه دون حاجة إلى تعيين اسم كاتبها، فيقول المؤلفون: قال صاحب «تعليل الأحكام»، كأنما صار هذا لقبًا جديدًا له. لكن الرسالة، على عظمتها – فهي من درر مؤلفات الشيخ – إن أوفت الشيخ قدره عالمًا فلن توفه القدر إنسانًا ومعلمًا. لذا كتبت هذه الترجمة، تعريفًا بالشيخ الذي صاحبته أعوامًا متواصلة، بلغت ثمانية وثلاثين عامًا، فما رأيت منه إلا إجلالًا للعلم وتواضعًا مع طلابه". [1]

وقد طرح الشيخ الدكتور محمد مصطفى شلبي نظرية مهمة عن الفقه الإسلامي في كتابه المهم (الفقه الإسلامي بين المثالية والواقعية).

 

يبدأ الشيخ الدكتور محمد مصطفى شلبي أطروحته عن الفقه الإسلامي بين المثالية والواقعية قائلا: " لهذا ولما وجدته عند قراءتي في كتب أصول القانون من تعابير عديدة تصف أحكام الشريعة الإسلامية بأنها أحكام خلقية دينية جاءت - فيما أظن - تقليداً لما شاع عند رجال القانون الغربيين. الأمر الذي يجعلها في نظر الناس - وبخاصة طلاب الحقوق - غير صالحة للتقنين، لأنها لا تتلاءم مع واقعهم الذي يعيشون فيه. لهذا وذاك اتجه تفكيري إلى معاودة البحث في واقعية فقه هذه الشريعة وقانونها، لأثبت للناس من جديد أنه فقه واقعي يلائم الحياة ويسير معها. مهما تقلب الزمن وتجددت الأحداث لا يعادي مدنية، ولا ينفر من الجديد لأنه جديد، فيه من المرونة واليسر ما لا يقل عن أحدث القوانين وأرقاها إن لم يفقها كلها في ذلك. وجعلت عنوان البحث "الفقه الإسلامي بين المثالية والواقعية"، ويعتقد الدكتور محمد مصطفى شلبي أن الدين يقوم على أساس حرية التفكير، وإزالة قيود العقل، وإباحة الطيبات، وعدم الحرج، والتيسير، والدعوة إلى العمل والحض عليه. إن عجر العقول عن إدراك حقيقة بعض أحكام هذا الدين لا يضيره في شيء، لأن التشريع الإسلامي تشريع إلهي من وضع خالق الإنسان، وهو أعلم بمصالحه الحقيقية من نفسه، وبما يناسبه في مراحل حياته المختلفة. [2]

ويقول الدكتور محمد مصطفى شلبي: "فتبين بذلك أن الصفة الدينية الموجودة في الفقه الإسلامي لا أثر لها في منع العقول من البحث والنظر فيه ولا في الدعوة الى الكسل والاستسلام لأن النصوص أوجبت النظر والبحث، ودعت الى العمل ورغبت فيه، كما أنه لا أثر لها في وجود أحكام سرية غير مكتوبة لا يعلمها إلا بعض الخاصة الذي يميزون بشعار خاص، لأن أحكامه كلها مقررة مكتوبة معلنة لا سرية فيها". [3]

هذا هو موقف النصوص من التشريع. إجمال يتطلب التطبيق، وتعليل يرسم لذلك التطبيق طريقته، ودلالات على المعاني متنوعة، ينفتح بها مجال الاجتهاد أمام الفقهاء، ونصوص حاضرة في دائرة محددة وأخرى مبيحة في إطلاق. ومن وراء ذلك كله نجد بعض النصوص جاء لمصلحة خاصة، يمكن أن يتغير الحكم عندما تتغير هذه المصلحة. [4]

أما عن (تفسير النصوص) فيشير الدكتور محمد مصطفى شلبي أن أخذ الأحكام من المصادر النقلية والقرآن والسنة، يعتمد على فهم مراد الشارع، وهذا الفهم يقوم على وعى مراد الشارع، ولذا الإدراك يتوقف بدوره على وضوح معانيها، أو توضيح ما خفي منها، أو تأويلها التأويل الصحيح لدى خفاء المرغوب وعدم تفسيرها. وهي مختلفة الإشارة فمنها ما هو قطعي في دلالته على مراد الشارع فيه من الصراحة والوضوح ما يغني الفقيه عن البحث، ومنها ما هو ظني في دلالته. إما الخفاء المرغوب منه، أو لما فيه من احتمال للدلالة على معان أخرى يتطلب النهوض على قصد الشارع منه إلى اجتهاد المجتهدين. ومن هنا قسم الأصوليون الألفاظ الواردة عن الشارع فيما يتعلق إلى مصدر دلالتها على معانيها إلى ألفاظ ظاهرة، الإشارة وأخرى خافية، وكلاهما على درجات، فمن بديهي إلى موضوع إلى مفسر إلى محكم، ومن خفي إلى مشكل إلى كلي إلى متطابق، مثلما قسموها فيما يتعلق إلى أسلوب وكيفية الإشارة وطريقها إلى دال بالعبارة، ودال بالإشارة، ودال بالدلالة، ودال بالاقتضاء، وانقسمت الدلالات تبعاً لهذا إلى أشكال أربعة. عبارة وإشارة ودلالة واقتضاء.[5]


[1] ينظر: الدكتور محمد سليم العوا: "العلامة «محمد مصطفى شلبي» وتجديد أصول الفقه"، إضاءات، 12/ 03/ 2018، على الرابط الآتي: https://www.ida2at.com/author/mohammed-selim-alawa/

[2] الشيخ الدكتور محمد مصطفى شلبي: "الفقه الإسلامي بين المثالية والواقعية"، الدار الجامعية، بيروت، 1982م، ص 12، 53، 62.

[3] نفسه، ص 64.

[4] نفسه، ص 141.

[5] نفسه، ص 155.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية