الدكتور هيثم بن فهد الرومي من العلماء المعاصرين المتخصصين في الفقه الإسلامي. تتميز كتاباته الفقهية بأسلوبها المعاصر الذي يقرب المصطلحات الفقهية والأصولية إلى طريقة التفكير المعاصرة، ولعل هذا مما يميز مؤلفات الدكتور هيثم الرومي بشكل ملحوظ. [1] تاريخ الفقه الإسلامي من العلوم الإسلامية المتميزة، وله ارتباط وثيق بالفقه الإسلامي وعلم أصول الفقه الإسلامي. كتبت فيه العديد من المؤلفات المهمة قديماً وحديثاً. ولعل كتاب طبقات الفقهاء، من الحنفية [2] والمالكية [3] والشافعية [4] والحنابلة [5] ما يقدم خير مثال على أصالة علم (تاريخ الفقه الإسلامي) في الحضارة الإٍسلامية. وفي العصر الحديث كتبت العديد من المؤلفات في مجال تاريخ الفقه والتشريع الإسلامي. [6]

 

حول كتاب (فقه تاريخ الفقه):

لعل بدايات كتابة الدكتور هيثم بن فهد الرومي يعود إلى مقالة نشرت عام 2011، يشير في أولها أن بأن التاريخ حياة متكاملة، تحمل تفسيرًا لمختلف الاختصاصات، ومنه نتفهَّم نشأة العلوم وتطوُّرها، لا سيَّما ما كان منها مرتبطًا بالجوانب الحياتيَّة ذاتها. وحين نلتفِتُ إلى علم الفقه على وجه الخصوص، فإنَّنا نلحظ بشدَّة مدى ارتباطه بالأوضاع الاجتماعيَّة والاقتصادية العامَّة، وقد رُوي عن الإمام الشافعيِّ - رحمه الله - أنه أقام على تعلُّم أيام الناس والأدب عشرين سنةً، وقال: ما أردتُ بذلك إلاَّ الاستعانة في الفقه. [7]

يقول الدكتور هيثم بن فهد الرومي: فالمراد من علم الفقه تقديم الإجابةُ عن أسئلة الناس التي يواجهونها في جميع شؤونهم، ولذا كان من المفروض على الفقيه الاطلاع على أحوال الناس التي تبتَنِي إجابته على تمام المعرفة بها؛ لأجل تحقيق مَناطات الأحكام فيها، ومِن لازم ذلك أن يتعيَّن على مَن أراد فَهْم فتوى صدرَتْ في زمان متقدِّم أن يطَّلِع على أحوال أهل ذلك الزمان؛ لِيَحصل له تمام التفقُّه فيها. [8]

ويضيف الدكتور هيثم الرومي: ولذلك فالغفلة عن مراعاة ملابسات فتوى فقيه معيَّن قد تؤدي إلى الخطأ في فهم كلامه، بل إنَّ ذلك قد يظهر على أصول التشريع ذاتها؛ من قرآن وسُنَّة وإجماع، ولذا نبَّه الفقهاء على وجوب أخذ الحذر من الإخلال بدلالات الألفاظ الشرعيَّة؛ بِحَملها على غير دلالتها في زمن التَّشريع، ومن هنا كانت عناية الأصوليِّين البالغة بتحرير المسائل اللغويَّة؛ لأجل ضبط المعاني الشرعية التي وردت بها النُّصوص في زمن التَّنْزيل، حتى ضاق المدعون للمعرفة بالفقه على النصوص ذرعًا بهذا الضبط والتحرير، وأصبحوا يتندَّرون بانشغال علماء الأصول بالمسائل اللغويَّة عن فهم مقاصد الشرع! مع أنَّ ما قام به الأصوليون هو البوابة الكبرى لتحرير مقاصد الشَّريعة التي يريد أولئك الافتياتَ عليها. [9]

ويضيف الدكتور الرومي: ومن هنا نعلم أنَّ تاريخ الفقه بمفهومه العامِّ ليس من قبيل التَّرَف العلمي، ولا هو من قبيل ملح العلم التي يُقَدَّم أكثرُ صلبه عليها، بل هو ضرورة علميَّة ملحَّة، تؤدي إلى المعرفة الفقهية وحسن التفقُّه في صلب العلم ذاته، على النحو الذي يؤثِّر في اكتشاف طبيعة مسائله وأساس نشأتها، وظروف تكوُّنِها عند القائلين بها، وأدوار تطوُّرها، ومعرفة ظروف تحقيق مناطاتها، وما يصحُّ أن تُدوَّن منه فروع تجريديَّة تنضمُّ إلى نظيراتها لتنعقد منها الأصول والقواعد الكليَّة، وما كان من قبيل الاستثناء والاستنباط الظَّرفي المؤقَّت. [10]

وفي كتابه: "فقه تاريخ الفقه"، يشير الدكتور هيثم بن فهد الرومي أننا من خلال ذلك ندرك علاقة التأثر والتأثير بين الفقه والتاريخ، فإن الفقه إذا كان مؤثرًا في حركة التاريخ وكان الرجوع إلى كتب الفقهاء مفيدا في الاطلاع على صور الحياة التاريخية، فإن الفقه بدوره ضرورة في معالجة تاريخ الفقه والفقهاء، وإذا كانت نوازل العصر ومستجداته مفتقرة إلى الفقه في استنباط أحكامها، فإن ما مضى في الدهر من فتاوى الفقهاء ومسائلهم وأخبارهم وآدابهم باختلاف مذاهبهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم، مفتقرة كذلك إلى الفقه في فهمها والتفطن لمواقعها والاهتداء لحسن تنزيلها، ومن هنا جاءت تسمية هذه الفصول بـ فقه تاريخ الفقه؛ لأن تاريخ الفقه ليس قصصًا وأسماء تسرد ولا حكايات تروى بل هو تتبع لأفكار تتصل بداياتها بنهاياتها، وتؤدي أوائلها إلى أواخرها، ومن ضرورة ذلك أن يعلم المتفقه أن دراسة تاريخ الفقهاء من جهة، وتاريخ المسائل الفقهية من جهة أخرى، وتاريخ الفقه كعلم من جهة ثالثة، إنما هي درجات في مصاعد التفقه في النصوص وما يستنبط منها. [11]

ويعتقد الدكتور هيثم بن فهد الرومي أن من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه ومن لم يعرف لم اختلفوا فليس بفقيه، ومن لم يعرف كيف اختلفوا فليس بفقيه. وقد اهتم المتأخرون والمعاصرون بعلم تاريخ الفقه والتشريع وبالكتابة فيه، سواء كان ذلك في مؤلفات مستقلة تحمل هذا الاسم، أو كانت تحت اسم المداخل الفقهية التي يشكل الحديث عن تاريخ الفقه عُظمها وأُسها، وجُلُّ هذه المؤلفات مقررات جامعية في أكثر مفرداتها. ومع هذه الكثرة في المؤلفات إلا أن الأقل منها ما يتعرض مؤلفوه للحديث عن تأصيل هذا العلم بذكر موضوعاته ومباحثه وثمرته ومناهجه ومصادره، وإن وردت إشارة فهي الماحة عابرة في تقديم أو ختام، ولعل هذا الاقتضاب في التدليل على فضل هذا العلم وشرفه أو بيان حدوده كان له أثر في ضعف العناية به بما يلائم مكانته وأهميته. [12]

 


[1] من مؤلفات الدكتور هيثم الرومي، كتابه: "إصلاح الفقيه، فصول في الإصلاح الفقهي"، مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة: الأولى، ٢٠١٣، وكتابه: "المجالس الفقهية"، تكوين للدراسات والأبحاث - الرياض، السعودية، الطبعة: الأولى، ١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م.

[2] انظر على سبيل المثال عن تاريخ الفقهاء الحنفية: عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفاء القرشي الحنفي محي الدين أبو محمد: "الجواهر المضية في طبقات الحنفية (ت: الحلو)"، المحقق: عبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر، سنة النشر: 1413 – 1993.

[3] انظر على سبيل المثال عن تاريخ الفقهاء المالكية: محمد بن محمد مخلوف: "شجرة النور الزكية في طبقات المالكية"، المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1349 هـ.

[4] انظر على سبيل المثال عن تاريخ الفقهاء الشافعية: تاج الدين السبكي؛ عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، أبو نصر: "طبقات الشافعية الكبرى"، المحقق: محمود محمد الطناحي - عبد الفتاح الحلو، فيصل عيسى البابي الحلبي، سنة النشر: 1383 – 1964.

[5] انظر على سبيل المثال عن تاريخ الفقهاء الحنابلة: محمد بن أبي يعلى الفراء البغدادي الحنبلي أبو الحسين: "طبقات الحنابلة (ت: العثيمين)، المحقق: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة سنة على تأسيس المملكة، سنة النشر: 1419 – 1999.

[6] ينظر على سبيل المثال: مناع القطان: "تاريخ التشريع الإسلامي: التشريع والفقه"، ط2، مكتبة المعارف، الرياض، 1417 ه – 1996 م.

[7] ينظر: د. هيثم بن فهد الرومي: "فقه تاريخ الفقه"، على الألوكة، تاريخ الإضافة: 5/9/2011 ميلادي - 6/10/1432 هجري

رابط الموضوع:

https://www.alukah.net/sharia/0/34423/%D9%81%D9%82%D9%87-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%87/#ixzz8IcejBcfn

[8] نفسه.

[9] نفسه.

[10] نفسه.

[11] د. هيثم بن فهد الرومي: "فقه تاريخ الفقه: قراءة في كتب علم تاريخ الفقه والتشريع والمداخل الفقهية"، ط1، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، الرياض، 2014م، ص 12.

[12] نفسه، ص 13.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية