يبدو ان موضوع المرأة والانتخابات سيطل برأسه علينا بين الحين والاخر ليشعل جذوة النقاش بين المختلفين حوله فيثور العجاج وينهال الغبار ثم تنقشع المعركة بلا غالب ولا مغلوب، لتعود فتندلع من جديد لنكرر نفس المقال ونتبادل الشتائم بمثلها او بأسوأ منها!! والمضحك في النقاش هو الخلطة الغريبة التي نراها في تخريجات فقهية عبقرية تجيز ممارسة المرأة للتصويت والترشيح في ظل آلية ديموقراطية تجعل الحكم للاغلبية لا للشرعية الفقهية، لكن فقهاءنا الافاضل لا يفقهون الفرق الجذري بين القضيتين وان تكييفهم الفقهي لنظام علماني اشبه ما يكون بتخريج لباس الراهبات النصرانيات وفق النصوص الشرعية. كثير من هذه الاجتهادات التي ينادي بها رموز الاسلاميين كالشيخ القرضاوي تنطلق من شعور خفي بالنقص ازاء الديموقراطية الغربية التي يود كثيرون من المتحمسين الباسها عباءة الاسلام ولو على حساب الاسلام نفسه! فمن الموسف ان ينشغل المفتون بالبحث عن تكييفات غريبة لمشاركة المرأة في اللعبة الديموقراطية بينما لا ينبسون ببنت شفة في بيان موقف الاسلام من مفهوم الديموقراطية نفسها بغض النظر عن جنس المنضوين تحت خيمتها، فالديموقراطية شريعة قوم لم يجدوا ما يحتكمون اليه سوى الرضا برأي الاغلبية، واما المسلمون فهم اصحاب الشريعة الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان، وهي الكفيلة في اعتقاد كل مصدق بها بتحقيق العدالة والامن والمساواة، وقد يتعجل قائل فيقول: ان الشريعة لم تمنع كثيرا من ولاة المسلمين قديما وحديثا من ممارسة اسوأ صور القمع والاستبداد، وفي التاريخ الاسلامي خلفاء جبارون وطغاة فرعونيون، فكيف تضمن الشريعة اذن تلك القيم الكريمة والمثل الشريفة؟ وهذا السؤال وارد بنفس الدرجة على الديموقراطية: ففي العالم الثالث انظمة قمعية دموية ترفع لواء الديموقراطية وتجرى فيها الانتخابات وترشح فيها النساء، خذ مثلا العراق فقد كانت النسوة في عهود البعثيين ينتخبن ويرشحن، فهل كان العراق جنة عدن الديموقراطية؟ وقس على هذا كثيرا من الانظمة لكنني اكتفي بمثال النظام العراقي البائد لانه لا بواكي له بخلاف غيره فان له انوفا تحمى، ورقابة تتربص بمنتقديه, وعليه فان الامر منوط بالتطبيق السليم لاحكام الشريعة، وحين يتم تجاوزها تتولد رموز الاستبداد والملك الجبري.
نعود للسادة المفتين من انصار قاسم امين، فنجدهم لا يعتبرون في فتاواهم المجوّزة ضابط المصلحة والمفسدة، مع ان تصور المسألة المفتى بها لا يقف عند الافتاء بالجواز وينتهي الامر، فهم لا يضعون ضوابط جدية تحكم الواقع المترتب على ذلك من اختلاط الرجال بالنساء في المخيمات الانتخابية لحضور الندوات ومناقشة البرامج الانتخابية، وكاضطرار المرشحة لغشيان مجالس الرجال لاقناعهم بالتصويت لها، بل القيام بالواجبات الاجتماعية في الاعراس والاعياد والعزاء، والعكس صحيح ايضا، والآلية التي تتمكن بها المرأة من التعرف على المرشح الأكفأ بنظرها، وما هو التكييف الفقهي لصور التواصل بين المرشح وناخباته التي تتخذ في كل دورة انتخابية انماطا جديدة تستغل الثورة الكبيرة في عالم الاتصالات، وغير ذلك من الاشكالات التي لا يلقي لها السادة المفتون بالا، ولعمري لو كان الترشيح والانتخاب حالا بلالاً لاستوجبت هذه المحاذير على الاقل التريث قبل اصدار الفتوى، فالمالكية مثلا يرون ان من حق ولي المرأة الشابة ان يمنعها من صلاة الجماعة بالمسجد اذا فسد الزمان مع ان الحكم الشرعي مصرح بعدم منعها لكن يبقى للمصالح والمفاسد حقها من النظر المعتبر في اجتهاد المفتي الحاذق.
الخلاصة ان فتاوى المجوزين ستكون عكازة يتكأ عليها انصار الديموقراطية، فاذا تم لهم ما ارادوا فان احدا منهم لن ينظر للاعتبارات والضوابط التي قد يضعها المفتون بل ستذهب ادراج الرياح، ووقتها فلن نألو جهدا في تذكيرهم بمقالتنا هذه، لكن بعد فوات الاوان!!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية