كتب الأستاذ عبد الله المغلوث في "الوطن" السعودية مقالا خفيفا ولطيفا عن "خسارة" تكبدتها الأحساء، التي هي من أجمل مناطق المملكة العربية السعودية وأكثرها خصوبة وبحبوحة،.. والـ"خسارة" التصقت بحي يقع في قلب المبرز "أبرز" مدن الأحساء... يعني الحي اسمه "خسارة"... وأول ما لفت انتباهي بعد قراءة الموضوع هو أن الدكتور غازي القصيبي كتب عن المبرز آلاف المرات بوصفها مرتع صباه ومهد معظم ذكرياته، ولكنه لم يأت على ذكر "خسارة"، ولا شك عندي في أنه فعل ذلك عامدا متعمدا حتى لا يتحول ذلك الاسم إلى ذخيرة في أيدي من ظل يجلدهم بأشعاره الهجائية الإخوانية وعلى رأسهم الراحل المقيم يوسف الشيراوي والشاعر طويل اللسان والباع عبد الرحمن رفيع، على الجانب الآخر من جسر الملك فهد و"ضحاياه" العديدون من أبناء السعودية. وعلى المستوى الشخصي فقد نالني من الأذى القصيبي كثيراً بعد أن كتب أرجوزة يتهمني فيها بأنني سبب كل العلل التي تعانيها زوجتي، واحتفظ أهل زوجتي بالأرجوزة على اعتبارها مستنداً قانونياً بعد أن سمعوا أنني أعتزم مقاضاتهم مطالبا بالمبالغ التي أنفقتها على علاج زوجتي من منطلق أن تلك العلل "وراثية" وسابقة لزواجي بها، وليس من العدل بالتالي تحميلي كلفتها وتبعاتها! وقد حاولت استئجار شعراء من الباطن - جريا على العادة - للرد على القصيبي ولكنهم طالبوا بمبالغ تفوق ما أنفقته وما قد أنفقه على علاج زوجتي! والشاهد فيما كتبه المغلوث هو أن كثيراً من الأسماء التي نطلقها على بلداتنا وقرانا وشوارعنا تتسم بالسماجة والسخف والركاكة وتفتقر إلى البعد التاريخي أو الثقافي! ماذا تقول يا مغلوث في اسم وطني "السودان"؟ كان "السودان" على مر التاريخ القريب وبالتحديد منذ أن عرف الرحالة والتجار العرب الطريق إلى المنطقة الواقعة جنوب مصر والصحراء الكبرى يعني أهل تلك المنطقة من السود، وبلاد السودان كانت تعني بلاد الشعوب السوداء من الحبشة شرقا إلى السنجال غربا، وجاء الاستعمار وجعل البلد الذي صارت الخرطوم عاصمته "السودان الإنجليزي المصري" بحكم أنه كان مستعمرة بريطانيا تتخذ من التاج المصري غطاء، وصارت تشاد ومالي وغينيا والنيجر وبوركينا فاسو (فولتا العليا سابقا) السودان الفرنسي... والسودان يعني الشعوب السوداء ولم يكن اسم بلد معين، ولأن السودان الحالي سبق بقية السودانات في نيل الاستقلال، فقد اختار بكل براءة وسذاجة اسم السودان وصار البلد الوحيد في العالم الذي يشتق اسمه من لون سكانه... وغيرت كل دول إفريقيا أسماءها الاستعمارية بينما نحن في السودان انشغلنا بتغيير الحكومات بالقوة وغيَّرنا علم وشعار دولتنا وأبقينا على الاسم الذي يصف لون بشرتنا،.. على الرغم من أنه مفروض علينا من الخارج وابتكرنا الجنجويد... وإذا عانت الأحساء من الخسارة فقد عانينا في السودان من الذباب، وفي عاميتنا فنحن نقلب الذال إلى ضاد ونقول ضَنَب (ذنب) الحمار وكانت ضاحية قريبة من الخرطوم تحمل اسم أم ضُبان، والضبان عندنا هو الذباب، واشتهرت تلك الضاحية بـ"نار" القرآن لأن هناك نارا ظلت مشتعلة قرابة قرنين يجتمع حولها الصغار لتعلم القرآن في ضوئها، وبقيت النار على حالها حتى بعد دخول الكهرباء، محافظةً على إرث ذي دلالات وتم تغيير الاسم إلى "أم ضواً بان"... ذات الضوء الذي بان أي ظهر.