في ذات عام جلست لامتحان لاختبار عقدته وزارة الخارجية السودانية لاختيار دبلوماسيين شباب، ونجحت في الامتحان التحريري والمقابلة الشفهية، وكنت ضمن من تم تعيينهم بدرجة سكرتير ثالث، ولكنني لم أستمر في تلك الوظيفة أكثر من ثلاثة أسابيع، فقد قرروا إلحاقنا بـ"معهد التنمية الإدارية" لنحو ستة أشهر وكنت "ما صدقت" إني تخرجت في الجامعة وارتحت من المحاضرات والامتحانات، وقاطعت الدورة الدراسية فتم تفنيشي.. ولم أحزن لذلك فرغم أن العمل الدبلوماسي ممتع ويوسع المدارك، إلا أنه قد ينتهي بك في بلد "حفرة" تظل تناضل طوال أربع سنوات للخروج منها، وكنت خلال عملي بالسفارة البريطانية في الخرطوم على علاقة طيبة بمستشار السفارة الذي كان دائم الشكوى من أنه ومن فرط غبائه درس العربية وانتهى به الأمر بـ"تدبيسة" في العالم العربي، المهم أنني خرجت من امتحان وزارة الخارجية السودانية بمكسب كبير وهو لقب "ذكي جدا"، فقد تضمن الامتحان اختبارا للذكاء (آي. كيو) وأحرزت نسبة 135%، ومنذ يومها عشت على وهم أنني شخص نابه ومكحل بالشطة وأفهمها وهي طائرة أو زاحفة.. ولكن فريقا من أساتذة جامعتي أبردين وأدنبرة في أسكتلندا ببريطانيا قالا في تقرير نشرته مجلة نيو ساينتيست (العلمية) في عددها الصادر يوم الخميس الماضي إن أبا الجعافر أغبى من العديد من نظرائه ورصفائه وزملائه.. فقد جاء في بحث نشره البروفسور لورنس واللي، والدكتور جون ستار أن التدخين يضعف القدرات الذهنية ويجعل العقل متبلدا كما أن المدخنين معرضون للخرف والتخريف أكثر من غير المدخنين! عندما قرأت ذلك في أول التقرير قلت الحمد لله فمنذ سنوات هجرت التدخين.. مما يعني أنني محتفظ بكامل قواي العقلية وما زلت أبوالجعافر نفسه الذي أحرز نسبة عالية في اختبار الذكاء ذاك .. ولكن التقرير يقول إن آثار التدخين الضارة بالذكاء تبقى حتى بعد الإقلاع عن التدخين بسنوات طويلة.
يقول هذان الأستاذان الحاقدان (على أبو الجعافر) إن المواد الكيميائية السامة التي في التبغ المحروق تدخل الأوعية الدموية التي تغذي المخ بالأوكسجين، وبمرور الزمن يفقد المدخن القدرة على التركيز والتفكير السليم والحسم الواضح.. ولكن المدخن يعزو ذلك لعدم أخذ كفايته من النيكوتين فيشعل سيجارة جديدة لـ"يمخمخ" ويعدل مزاجه و"يروِّق" أعصابه، وتكون النتيجة أنه يزود دماغه بالمزيد من السموم التي تجعل نشاطه الذهني أقل من نظرائه غير المدخنين.. ولعلك تلاحظ ذلك في لاعبي الورق، فكلما أحس الواحد منهم بالزنقة وأراد أن يحسن اللعب أشعل سيجارة،.. ثم يقدم على لعبة خاطئة.. والأمر الذي لا يحتاج إلى بروفسورات من أسكتلندا هو أن التدخين يضعف الرئة وهذا الضعف يؤدي إلى قلة الأوكسجين الذي ينبغي أن يصل إلى الدماغ.. وهذا يعني أن الدماغ لا يعمل بالكفاءة المطلوبة.. وكما قلت قبل قليل فإن شخصا مثلي "تقاعد" عن التدخين يكون قد ألحق بذكائه تلفا بنسبة 2% إذا تعاطى التبغ في شبابه لعشر سنوات مقارنة بشخص لم يدخن قط.. يعني أبوالجعافر الذي قد يلاحظ بعضكم أنه "يخرِّف" في هذه الزاوية في كثير من الأحيان، معذور.. وسبب العلة معروف! فانج سعد فقد هلك سعيد.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية