لديك المال والسلطة والجاه، واسمك له شنّة ورنّة، وتسيطر على سوق المال وتتحكم في الأسعار، ولكن جماعتك يبلغونك أن هناك محل صرافة يجني مالا وفيرا لأنه لا يتقيد بالشروط التي حددتها بل يتلاعب بأسعار الصرف، وتسمع أيضا أن صاحب المحل يظلم الزبائن، بل ولا يعطي موظفيه رواتب مجزية وإذا طالبوه بحقهم قام بتفنيشهم أو ضربهم أو تلفيق تهم ضدهم لتتولى الشرطة تأديبهم، فتقرر الاستيلاء على المحل بالقوة وتستعين بعدد من البلطجية، وتقتحم المحل وتستولي عليه دون مشقة، لأن الموظفين العاملين فيه لم يكونوا على استعداد للتصدي لعصابة البلطجية والتضحية بأرواحهم في سبيل كفيل أو مخدِّم ظالم، وعلى الرغم من أن صاحب المحل ضغط على جرس الإنذار إلا أن السلطات الأمنية طنشت وفعلت ما فعله جيران محل الصرافة الذين انصرفوا إلى أعمالهم، وكأن الذي يحدث في الجوار لا يعنيهم، على الرغم من أن البلطجية وزعيمهم ألمحوا أكثر من مرة إلى أنهم قد يضطرون إلى الاستيلاء على المحلات المجاورة لتلك الصرافة لضبط السوق ومنع "الفوضى"،.. وتهلل للسهولة التي سيطرت بها على محل الصرافة الناشز ثم تفتح الخزائن الموجودة فيه فتكتشف أن بها مبالغ هزيلة، لأن صاحب المحل لم يكن عبيطا كما تصورت، وكان يودع أمواله أولا بأول في حسابات مصرفية في الخارج، وتقلب دفاتره وتكتشف أنها لا تحوي مستندات تكشف الجهة المصرفية الخارجية التي أُودعت فيها تلك الأموال، وتستنتج أن الرجل كان يتعامل بحسابات بنكية سرية، فتعاند وتقرر إدارة المحل لحسابك الخاص على أمل أن تصلك تحويلات وأن تقوم بإبرام صفقات تعود عليك ببعض المال الذي يغطي النفقات التي تكبدتها للقيام بعملية السطو، ولكن معظم الجهات ترفض التعامل معك لإدراكها أنك لا تحمل صفة قانونية لإدارة الأموال، مستخدما اسم المحل الذي استوليت عليه، ويزداد الطين الذي أنت غائص فيه بلة بعد أن تتعرض لهجمات متكررة من أقارب وبعض معاوني صاحب المحل المطرود، وتضطر إلى زيادة عدد البلطجية الذين يحرسون المحل، وهكذا يصبح البقاء في المحل عبئا مرهقا وفادحا عليك فتحاول استدراج بلطجية من الشرق والغرب ليشاركوا في حراسة المحل.
فهمت؟ محل الصرافة هو العراق، وصاحبه هو صدام، والذي خطط ونفذ عملية الاستيلاء على المحل باعتبار أنها ستكون خبطة العمر هو جورج بوش الثاني الذي قال له عباقرة المحافظين الجدد إن الاستيلاء على العراق يعني وضع اليد على كنوز كهف علي بابا المليء بجرار الذهب، وطلعت الحكاية "مقلب"، ولم يجد في البلاد غنائم بل ألغاما، وعجز عن منح موظفي "الصرافة" الأمان والرواتب، لأنه بات مشغولا بأمنه الخاص، وفي سبيل ذلك بدأ يطخ حتى الموظفين الذين وعدهم بالمدد والسند، وعلى الرغم من أنه انفرد بعملية السطو على أمل الاستفراد بالغنائم إلا أن توالي الخسائر البشرية والمادية أرغمه على اللجوء إلى بلطجة من نوع جديد لجذب شركاء في "الموت": إما أن تأتوا برجالكم لتحرسوا معنا المحل وتموتوا كما يموت جماعتنا وإلا فالدور عليكم!