"أنا بردانة وجائعة، بدأت السودانية فوزية محمود (39عامًا) جملتها القصيرة السابقة بصوتها المرتعش قبل أن يتوقف وتكملها على ذراعها، حفرت على زندها بأظافرها الحادة الطويلة بالانكليزية: "أريد لحافًا، أرجوك". فوزية تعيش على ضفاف شارع آيلف بولاية كولورادو الأميركية (غرب)، تنام بالقرب من مستودع للأخشاب مع صديقة أميركية، على بعد (15) دقيقة بالسيارة من فوزية يرقد العراقي سالم الطاعي (42عامًا) خلف أشجار صغيرة قاحلة بجوار مرآب للسيارات، أتى سالم لأميركا لاجئًا في العام 1993من مخيم رفح للاجئين العراقيين في السعودية. وصل تحديدًا إلى فلوريدا (جنوب) قبل أن ينتقل إلى كلورادو التي عمل في مطاريها(ستيبلتون)، و(مطار دنفر الدولي).

الطاعي تزوج أميركية من الهنود الحمر عام 1997. أحبها، يتنهد بعمق ويسترجع الذكريات: "تزوجتها لأن ملامحها وتصرفاتها تذكرني بالمرأة العربية، ارتبطت بها رغم أنها تكبرني بسنوات فضلًا عن معرفتي بإدمانها للكحوليات. الحب أعمى. ربيت أطفالها من زوجها الأفغاني السابق حيث عملت 70 ساعة أسبوعيًا لأصرف على أسرة وافواه جائعة".

دخل السجن لأول مرة بسببها عام 1999، ويبرر لـنا: "عملت بشكل مضاعف لأنفق عليها وأاطفالها فضلًا عن أسرتي في العراق. بينما كنت أكافح في سبيلها كانت تهدر وتنفق جل مدخولي في الشراب. تفاقمت المشاكل بيننا ما جعلني أفقد أعصابي ذات يوم بسبب الضغط المتواصل. ارتفع صوتي. بلغ أحد الجيران الشرطة التي اعتقلتني بعد أن كذبت زوجتي في التحقيقات لتتخلص مني ونصائحي التي تمقتها".

صورة ومعاناة عربية جماعية

حول السجن سالم من إنسان منتج يرحب به الجميع إلى انسان عاطل عن العمل، يهرب منه حتى أعز أصدقائه: "خسرت كل شيء، وثائقي وبطاقتي الخضراء، وزوجتي وأطفالها الذين كنت أحبهم كأنهم أبنائي".

قال له صديقه عادل عندما شاهده في شارع كوليفاكس الرئيس في دنفر عاصمة كلورادو وهو يجمع إطارات السيارات بعد أن خرج من السجن :"أنت عار على العراق والعراقيين".

يخشى سالم الطاعي أن يؤدي نشر الموضوع إلى موت أمه التي ابتاع لها منزلًا في العراق قبل دخوله السجن وتدهور أحواله: "إنها مريضة وتحسبني أعيش حياة كريمة في الولايات المتحدة. ستعلم اني أنام على الاسفلت. أصلي حتى لاتموت عندما تعلم بماحدث لإبنها".

سالم الشيعي استنجد بإمام الطائفة الشيعية في دنفر الشيخ حجة الإسلام إبراهيم الكرزوني ليوفر له وظيفة تنتشله من الشارع والظلام: "ذهبت إليه، أبدى اهتمامًا كبيرًا، لكن ضياع وثائقي حال دون أن تتكلل جهوده بالنجاح".

هنا يعيش العراقي سالم الطاعي

يعيش الطاعي الذي يحمل الشهادة المتوسطة على جمع العلب الفارغة وإطارات السيارات التالفة. ينتظر استكمال اجراءات استعادة وثائقه الرسمية ليعمل من جديد. ندم على قدومه إلى أميركا، تركته يتابع رحلة البحث عن علب فارغة بعد أن عبس في وجهي وزميل يرافقني بعد أن عرضنا عليه مبلغًا متواضعًا.

ليس بعيدًا، وفي مدينة ارورا المجاورة لدنفر، يوجد مغربي، يلتحف الليل والبرد. عندما اقتربت منه وعرفت بنفسي ووظيفتي، أطلق ساقيه إلى الريح. وجدت بجوار الأكياس التي ينام عليها علبة سجائر رخيصة وصورة للمطربة الأميركية بيانسي.

في أميركا نحو 5 ملايين عربي، وما يقارب الـ240 ألف عراقي، ونحو 600 ألف لبناني، خلاف الجنسيات العربية الأخرى والتي تتكاثر أعدادها بوضوح كالمصرية والمغربية والسودانية والصومالية.
[img]http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Reports/2005/2/thumbnails/T_5c9e1570-7620-4f01-928d-2a5b93ec48ce.gif[/img]

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية