مصيبتنا نحن المسلمين أننا لم نعرف الحرية التعريف الذي يليق بمقامها كما لم نحدد مفهومها تحديدا دقيقا ، نستطيع أن نعرف حقا مكان أقدامنا في دائرة الواجبات و الحقوق. فللأسف لا نزال من فرط جهالتنا كأمة استمرأت الجهالة في ثوبها الحضاري الكاذب نخلط بين ما هو طبيعي خاص بالفرد دون سواه ، لا دخل لأي مخلوق مهما كانت قيمته المادية و المعنوية ، ومهما علا كعبه ،أن يحشر بأي صفة كانت أنفه فيه.وبين ما هو حق الجميع ، الاعتداء عليه أو مجرد محاولة التشويش يفرض استنفارا ،و تدخلا فوريا و سريعا . وإلا مست المصالح بأكملها و غرقت السفينة . و الزواج ، وإن كان رابطة مقدسة ليس في الإسلام فحسب ، بل حتى في كل الشرائع غير السماوية ، فإن الحديث عن دائرته التي ينتمي إليها هذا الرباط المقدس يفرض علينا علنا تحديد مجال الحرية الذي يجب أن لا نتعداه .
ولو أن مجال الحرية فيه واسع و شاسع ، غير أن القضية ليست كما نتصورها ، لأن كل مقبل على الارتباط والاقتران إلا و يزعم – وإن له الحق وهذا مشروع في أن يرسم في مخيلته الصورة التي يراها المثلى – أنه على حق في أن يفعل ما يشاء في اختياره و هذا خطأ إلا إذا حددنا المرجعية التي منها استقى قرار اختياره و بما أن مرجعيتنا تكمن في الإسلام فكل قرار خارج عن هذه المرجعية فهو باطل و لا يقاس عليه .. ويعتبر صاحبه مرتدا بكل المقاييس الشرعية ..
من هذا المنطلق نستطيع أن نرسم الخطوط التي يجب أن لا نتعداها ولا نتخطاها ومن ثم نحدد ما علينا وما لنا ،لأن الرجل العاقل الذي يفهم معنى الرابطة الزوجية و يحترمها كل الاحترام يحدد لنفسه قبل أن يخطو خطوة واحدة حاجزا يكون له نعم المعين على عدم التيه في بحر الموبقات لأن ما سوف يترتب عنه فيما بعد هذه الرابطة سيكون نتيجة حتمية لذلك القرار الذي اتخذه أول مرة و صدق المثل" أن زواج ليلة تدبيره عام ".
إن الرجل له الحق و الحرية الكاملة في أن يختار و يقرر من سوف تكون زوجته كذلك بالنسبة للمرأة لها كامل الحرية المطلقة في اختيار من يشاركها حياتها إلا أن بارومتر هذه الحرية سيتوقف بالتحديد عندما نعرف المنحنى البياني الذي سوف تأخذه حياة الزوجين . فليس معقولا إطلاقا ـأن يتزوج عربيد مع راقصة في كباريه و ينجبا بعد ذلك أطفالا ، فكيف ستكون حال هؤلاء الأطفال .. وماذا سينهلون من هذين الأبوين؟ ..ففاقد الشيء لا يعطيه.. كذلك بالنسبة لكل إنسان فاقد للأهلية للزواج ولا توجد لديه الصفات الضرورية التي بها يتمكن من فتح بيت زوجي يحقق الغاية المنشودة للأمة .فلا داعي لأن يتزوج أبدا .
إنني بصراحة أتعجب لمن يتزوج و الرعونة و الحمق شيمته.. فإن حياة الأبناء ستطبعها هذه الصفات لا محالة وإن أفلت الأبناء من ربقة الأباء الرعاع فلن يهنئوا ما داموا أحياءا.. وسوف يعرفون أمراضا نفسية تنغص عليهم حياتهم فيما بعد .ويبقى صراعهم مدفونا في اللاشعوري متراوحا بين كره آبائهم والضمير الذي يؤنبهم إن قصروا في واجب من الواجبات الشرعية اتجاه هؤلاء الأباء .
ولقد رأينا شواهد حية كيف أن أبا لا يزال يفرض جهالته على ابنه الجامعي المتعلم وتجرأ على أمره بتطليق زوجته التي رفضت أن تغسل له رجليه ... وكذلك الأم التي وقفت في طريق زواج ابنها بحجة أن الفتاة لها عداوة مع عائلتها تعود إلى عهد جدتها ... فماذا يفعل في هذه الحال أمثال الذين وقفوا قبالة هذه الحوادث وكيف يتصرفون حيالها...إن المطلب من العلماء والفقهاء القانونيين وضع قوانين ردعية تؤمن المجتمع المسلم من مثل هذا النوع من الزواج الذي سيكون وبالا على الأبناء وعلى الأمة فيما بعد .. كما نطلب من المجتمع المسلم أن يلتفت إلى خيار الزواج المعمول به في الدول المسلمة ..لأن الشر كله قادم من اللبنة الأولى وهي الزواج ومتى يصلح الزواج .. فسيصلح حال الأمة ... والمنطلق هو أن يعرف الأبوين ..أن كما لهما حق الطاعة فلهما واجب تحقيق الطاعة لأن الطاعة لا تأتى تلقائيا .. بل لها مقدمات .. وهي الاختيار السليم لمؤسسة الزواج .. ولنا في موروثنا الإسلامي ما يجعلنا نعرف ما يجب أن يكون في هذا المضمار... لأن الحق الجميع يعرف كيف يطلبه أما الواجب فقليل من يؤديه.. ومتى يؤديه؟....