Imageيحكى أنه في إحدى الوديان، كانت تعيش مجموعة من الحملان، كل له عشيرة يأوي إليها، لا هم لهم إلا ما تعارف عليه الحملان. وتفرقت عشائر الحملان في هذا الوادي، فكانت تتقاتل فيما بينها علي الكلأ، فيكون بينها من الصراعات ما يشيب له الولدان، حتى استطاعت عشيرة منهم أن يكون لها السيادة علي الحملان.

وبينما الحملان على هذا الحال، إذ خرج عليهم ذات يوم حمل من أشرافهم، فأخبرهم بما يصلح أحوالهم، فأكثروا فيه من اللغط والقول، ولسان حالهم يقول: "كيف لمن كان بالأمس فينا حملا أن يصبح اليوم علينا راعيا؟" فلبثوا حينا من الدهر يقاتلونه، وهم كارهين لما يقوله، ظنا منهم أنه يدعوهم إلي الهلاك، حتي إذا بلغ منهم الأمر مبلغه، وعرفوا أن ما جاء به لهو الحق، وأنه لا يريد لهم سوي الإصلاح، فأقبلوا عليه يتوافدون، وأسلموا له القيادة فيما يمرعون. وهكذا إنصلح حال الراعي مع الرعية، فنقلهم من ضيق الوادي إلي فسحة المراعي الغنية، وأيقنوا أنهم كانوا قبله مجرد قطعان غبية.

 
وكما هو الحال في كل الوديان، فإن للحملان ذئابا تتربص بهم. أما وقد كانوا في أمسهم متفرقين، فقد كان للذئاب عليهم من سبيل، أما وقد أصبحوا في يومهم متراصين ومتبعين لوصية الراعي الأمين، فكأنما أصبحوا في حصن حصين الذي يقيهم شر تلكم الذئاب.

 
ومضت الحياة مع تلكم الحملان، تتسع أمامهم السهول والوديان، والراعي ينظم لهم الأمور بالميزان، أما وقد آن للراعي أن يرحل عن الوادي، فما يخلد فيه من غاد أو بادي، فقد ترك فيهم خيرا ألا وهو الوصية: ألا يضلوا من بعده ماداموا في جماعات قوية، تسبح بحمد ربها بكره وعشية، وترعى وتنتج في المراعي الفتية، وتدعوا غيرها ليشاركها في نعم الرحمن الجلية.

 
ومازالت الذئاب تتربص بالحملان، مستاءه مما هم فيه من نعيم، وقد حاولوا بشتي الطرق أن يقتحموا الحصن الحصين، غير أنه إستعصي عليهم طالما كانت الوصية مرعية. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد بدأت الحملان تهمل في تنفيذ الوصية؛ فكان أن تشققت جدران الحصن وأسفرت عن صدوع خفية. لكن كانت تلكم الصدوع أضيق من أن تتسع لدخول كل الذئاب، ففكرت في حيلة ذكية؛ فلتدخلن طائفة منا بينهم ولتتشبهن بهم فتكون ذئابا في ثياب الحملان، ولتخلطن عليهم أمرهم وترجعهم إلي ما كانوا فيه من ضلال، وما يضيرهم وقد تركوا هم أنفسهم الوصية؟!

 
عجبا لأمر هذه الحملان! أولم يلاحظوا الشقوق في الجدران؟ نعم لم يلاحظوا لأنهم عادوا إلي ما كانوا فيه من ضلال؛ ففريق مشغول بالصراع علي الوديان، وأخر قد قنع بما يرعاه، وثالث قد ثار علي الأهل والخلان، والكل يغض الطرف عن الشقوق في الجدران؛ فكانت أن إتسعت تلكم الشقوق ودخلت منها الذئاب وتكالبت من كل حدب وصوب، ونزعت الذئاب المتنكرة أزيائها فظهرت علي زيفها.

 
سبحان مغير الأحوال! فبعدما أمسى الحملان في العلو فقد أصبحوا أقرب إلي الدنو.

 
حسن! رغم كل شيء فإن وادينا ما زال بخير! فالحصن ما زال قائما فما كان ليتضغضع تحت وطأة الضربات - وإن كثرت - مادامت وصية الراعي باقية، فتلك هي عصمتهم من الزوال الوقتي وإن كان لابد من الزوال في آخر الحال. فهلا بدأ الحملان في ترميم شقوق الجدران؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية