هذه هي الفلسفة الحاضرة في المجتمع المصريّ، وهي الأكثر سيادة، وشيوعاً داخله، عليك أن تبيع... لكي تكون...!!!. و الغريب أن المجتمع المصري ساير هذه الموجة العولمية سريعاً في ظل الظروف الاقتصادية التي يمرُّ بها، وهذا يدلُّ على مدى هذا الضعف والخَوْر الكامن داخله، فما إن تتأتى الرياح بما لا تشتهي السفن حتى ينفجر، وكأنه هو الوحيد الذي على الحقّ. يبدو أن هذه الأشياء قد ظهرت على السطح بداية من برامج "التوك شو"، وأشهر هذه البرامج هو البرنامج الذي تقدِّمه الدكتورة "هالة سرحان"، ويبدو أن الأمر كله هو مسرحية هزلية، حيث بعد أن حدثت الواقعة، استنجد أهالي الفتيات اللاتي قمن بدور المومسات (عفواً: أقصد بنات الليل) بالصحافة، ويبدو أن الصحافة قد تواطأت مع أسر هؤلاء الفتيات، باعتبار أن الصحافة تمثل القيم والأخلاقيات، ولكن من وجهة نظري أن الصحافة قد فقدت مصداقيتها في هذه الحالة باعتبارها هي حامية الحمى والشرف والأخلاقيات، فالبنات هن اللاتي قد بِعْن أنفسهن، ولا لوم على برامج التوك شو، ولكن اللوم كله لا بد أن يوجَّه إلى القتيات وأسرهن اللاتي أهملن في تربيتهن بعيداً عن قيم وأخلاقيات وثقافة المجتمع المصري القائم أساساً على الالتزام بالوسطية، وعدم السعي إلى التكسب بالطريقة العولمية القائمة على مبدأ (اكسب من الهوا)، التي قد انتشرت في الآونة الأخيرة عندما وجدت بعض طبقات المجتمع الانتهازية تعرف كيف تتسلق درجات السلَّم من خلال مبدأ ( بِعْ نفسك)، فأصبحت كما أرادت، وهكذا بدأ التقليد الأعمى داخل المجتمع المصري في فلسفة (لماذا لا أكون...؟!!)، فمن الممكن بيع أخلاقك، أو مبادئك أو شرفك مادام هذا الأمر سيحقق لك الربح المادي الذي من خلاله ستسود فئات المجتمع الأخرى، ليكون لديك السيارة الفارهة، والفيلا ذات الموقع المتميز، ولا ضير أن يكون لديك حساب في البنك بالدولار، ....إلخ، يبدو أن أوضاعنا كلها صارت اقتصادية، حتى أننا في مصر نشعر أننا مستعمرون اقتصادياً، والدليل على ذلك هو أن هدف الحكومات المصرية المتعاقبة توفير رغيف الخبر أو لقمة العيش الذي هو أعلى غاياتنا، ولنا الآن أكثر من ثلاثين عاماً بلا حروب، ولكن مازالت أهدافنا متواضعةً للغاية. مازالت غاياتنا تحبو، ولا نتقدَّم إلا بالنذر اليسير، هو سؤال يجب أن نسأله لأنفسنا؟
والآن يأتي في نفس الإطار مسابقة (ملكات جمال مصر 2007م)، عفواً وحتى لا أُتَّهم بالتخلُّف والرجعية مسابقة (Miss Egypt 2007)، تلك القضية المثارة حالياً على ساحة الرأي العام، وتتناوشها الصحف والمجلات من قريبٍ أو بعيدٍ، ولكنها في نهاية الأمر هي مسابقة على المستوى العالمي مسابقة لتجارة الأجساد، (أعتذر: هي سوق نخاسة عصرية)، والجميع يعلم أن المشارِكَاتِ في مثل هذه المسابقات هن (موديلات)، والهدف النهائيُّ هو الإتجار بأجساد هؤلاء الفتيات في سوق الإعلانات سواءً في القنوات الفضائية أو الصحف والمجلات أو الفيديو كليبَّات، وبالرغم من أنني لا أدين بأيةِ مبادئ رجعيَّةٍ، حتى أن جميع من يعرفونني يقولون عنى: أنني متحرِّر الآراء، ولكن هذا الأمر قد استفزَّني كثيراً، فأصبحت مستثاراً غاية الاستثارة، وحتى أصبحت أحادث نفسي ليل نهار، ماذا يحدث للمجتمع المصريّ...؟!!
ويبدو أن القضية التي هي مثار الجدل، يمكن تصنيفها من الناحية الأخلاقية بأنها كما هو المبدأ المتعارف عليه (بِعْ نفسك) أو يمكن أن نضيف عليه في هذه الحالة (بِعْ نفسك وعِرْضك وشرفك) إن استطعت، فعندما رأيت هذا الصراع الدائر بين عائلات الفتيات المشارِكات، وجدت أنني لا أتعاطف مع أحدٍ ضد أحد، فكل عائلات الفتيات المشارِكات يعلمنْ بما يحدث داخل هذه المسابقة، فلماذا ظهر هذا الأمر بعد انتهاء المسابقة...؟!!، ولماذا اشتركت هذه العائلات ببناتهنّ بهذا المنظر إلا أرادت تحقيق أمرٍ ما في خلجاتهم، فأحد أولياء أمور إحدى المتسابقات يقول: إنني قد أنفقت على ابنتي أكثر من (ثلاثين ألف جنيهاً مصرياً)؛ لماذا...؟!!؛ لإعدادها للمسابقة، فأسأله في مقابل ماذا...؟!!، لا بد أنك ستستفيد من ورائها أكثر من (ثلاثين ألف جنيهاً) أليس هذا هو بيعٌ للعِرضْ والشرف...؟!!. و في المقابل تقول إحدي المتسابقات ردَّاً عليه: لقد تعلَّمت أشياء كثيرة، منها كيف أقوم بفعل الخير، وأوجِّه هذا الأمر للأوجه الخيرية. أهذا الأمر يعقل أن تكون هذه إحدى الفائزات في مسابقة (Miss Egypt)، هذه الفتاة من أكثر الفتيات ثقافة في المجتمع المصري، لا تعرف كيف تقوم بأوجه الخير...؟!!. وهذا أعتبره لا يدل إلا على ثقافة ضحلة للغاية، وهذه الفتاة هي التي ستقوم بتمثيل مصر في المنتديات العالمية، على أيِّ أساسٍ، لا أدري...؟!
ويبقى القلب موجوعاً، بما يراه ترّهات الأمور، وسفاسف الآراء، فحين نرى أن في مصر من يموت جوعاً، فهناك من ينفق على ابنته (ثلاثين ألف جنيهاً)؛ لإعدادها لمسابقة (ملكات جمال مصر)، وللحديث بقية مع أوجاعنا.