"هذا وتشير توقعات الخبراء إلى استمرار وجود السحابة الحمراء التي غطت سماء البلاد في أيام معدودات، ويصاحبها طقس رطب مائل للحرارة نهارًا، لطيف ظريف ليلاً، وتصاحبها شبورة منذ الصباح الباكر لا تعمي الأبصار فقط بل القلوب التي في الصدور، أما في المساء فيتوقع سقوط أمطار لتلطيف الحرارة مصحوبة برعد وبرق مما قد يتسبب في حوادث على الطرقات الزلقة". نعم أحبائي، هذه هي النشرة الجوية لكنها نشرة من نوع أخر؛ إنها تصف أحوال "الجو" في بلادنا ليوم الرابع عشر من فبراير/شباط والذي يهل علينا ببركات العم فالنتاين أو يوم الحب أو عيد الحب -أيما شئت أن تطلق عليها- ولهذا لا عجب إن سمعت مقولة "الجو جميل"!

إذا عرف السبب بطل العجب

حسنٌ، لست ممن يلعنون الظلام، فلماذا لا نحمل مشعلا كي نلق نظرة متفحصة على هذه الظاهرة علنا نفهم سر انتشارها الغريب في بلادنا؟

يلوح لي أن الأمر لا يقتصر على عولمة الحدث، وكذا على الجدال المعتاد الذي يسبح في فلك الثنائيات المتضادة من قبيل "الأصالة/المعاصرة" بقدر ما يدل على مدى التصاقنا بالماضي. هاؤكم قصة للتدليل على رأيي: كان ياما كان، في سالف العصر والزمان، وجد شاعر ولهان بزوجة النعمان، يسمى المنخل اليشكري، رآها فوقع في هواها، فألف فيها قصيدته التي اشتهرت ببيت "وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري". يا للعقلية الصحراوية!

الطريف -إن كان ثمة طرافة في الأمر- أن الليلة مازالت تشبه البارحة؛ فنحن أضحينا فيما أمسوا فيه، متناسين -جهلا أو عمدا- أن ربي قد َمنّ علينا إذ بعث فينا رسولا من أنفسنا! وما برح أكثر الناس يتبعون سنة شاعرنا السيئة هذه والتي أضحت فيها المرأة صفراء فاقع لونها تسوء الناظرين!

هو وهي

الصدق منجي لذا لنكن صرحاء؛ لقد قُزّمت المرأة في العقليات على إحدى السيئتين:

    * إما أن نصبح ميدانا لغزوات سيادته من حيث كونها متاعًا فقط ولتسقط عقليتها فجميعهن ناقصات عقل ودين؛
    * وإما أن تقوم بدور أنثي الحيوانات والحشرات التي تجذب ذكورها برائحتها المثيرة ليقتتلوا على حضرتها في ظل الثقافة الاستهلاكية البحتة التي لا ترى في المرأة سوى الإغراء ولتسقط عقليتها ولا ضير فهن ناقصات عقل ودين.

 

عجبا! إن قمنا بخربشة الظاهر وصولا إلى الباطن، فسوف نكتشف ما في هذين الأمرين من إفراط وتفريط؛ ذلك أن حب الله ورسوله هو الأصل الثابت للشجرة الطيبة ذات الأفرع العديدة التي تملأ سمائنا كي تؤتي أكلها بدء بحب أهلنا مرورا بحب بلادنا وانتهاء بحب القطط ولا عزاء للكلاب. في هذا الإطار إذًا، فإن الحب بين الرجل والمرأة لا يكون سوى بنظام الأسرة التي هي نواة المجتمع -وليست فقط عماده- عن طريق علاقة تتكامل فيها اختلافاتهما برباط ذي نطاقي المودة والرحمة، ومنها ينشأ نسيج المجتمع الذي يملأ الدنيا خيرا هذه هي قيمنا وهويتنا.

فضرب بينهم بسور

هذا عن الأسرة فماذا عن خارجها؟ من ليست في عصمة الرجل هي ببساطة أخته حتى لو لم تكن من أبيه وأمه فلماذا اللجوء لمشاجب "العولمة" و"الفتنة" لإطلاق البصر واستباحة الحرمات؟

الشيء بالشيء يذكر، الحجاب ليس فقط قطعة قماش توضع على الرأس تقليدا للغير أو إرهابا وإكراها من الأهل أو المجتمع، بل الأصل في الحجاب -لمن يلقي السمع- أنه سور يضرب على النساء ظاهره الحياء وباطنه الإيمان بدورهن في المجتمع كشقائق للرجال، فالطامعون الذين في قلوبهم مرض كثر إلا من رحم ربي، كما أن غض البصر موجه للطرفين وليس لطرف دون الأخر بالمناسبة.

بالله عليكم انظروا حولكم وأخبروني أين هذا تطبيقًا؟ أم أنه كلامًا وكفى الله المؤمنين القتال؟ عفوا! ليست المسألة في العولمة بحد ذاتها؛ بل في استيعابنا -رجالا ونساء- لهويتنا الثقافية وما نراه في مجتمعاتنا هو محصلة فهمنا لهذه الهوية سلبا كان أو إيجابا.

وختاما ألم أفتيكم سابقا أن الأمر كله لأولي الألباب؟ عسى أن نكون منهم

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} – سورة الروم

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية