الإنسان هو الثروة الحقيقية على سطح الأرض، وهو أغلى ما تملكه الأوطان والأديان، إذ يكفيه شرفاً أن سجدت له الملائكة بأمر مليكها الرحمن، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34).
والدول المتقدمة تدرك ما نقول، ولذلك كثيراً ما تسهل هجرة العقول المبدعة وأصحاب التخصصات العلمية النادرة إلى رحابها، وتقيم من تلك العقول الوافدة رافداً لها، ودعامة من دعائم التقدم والرقي الحضاري.
ولكن ثمة سؤال هنا، وهو: لماذا تهاجر الطاقات والعقول من البلدان النامية باتجاه الدول المتقدمة؟ وهل من مصلحة الدول النامية أن تحرم من خيرة أبنائها؟ والجواب يمكن تحديده بما يلي:
هنالك أسباب اقتصادية، فالجوع والفقر قد أنهك معظم السكان في البلدان النامية، والناس تبحث بطبعها عن الكفاية والوفر أو ما نسميه بالأمن الاقتصادي، قال عروة بن الورد:
ذريني للغنى أسعى فإني رأيت الناسَ شرهم الفــقير
وقال ابن الوردي:
حبكَ الأوطانَ عجزٌ ظاهرٌ فاغتربْ تلق عن الأهلِ بدلْ
وهنالك أسباب سياسية، وهي تعود في مجملها إلى الحروب والاحتلال والاستبداد وقمع الرأي الآخر.
وهنالك أسباب نفسية، فقد يلجأ الإنسان للغربة لأسباب كامنة في داخله من عاطفة حب أو كره أو نحو ذلك، قال العباس بن الأحنف:
سأطلبُ بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكبُ عيناي الدموع لتجمدا
وفي الغربة محاسن شتى، منها الشعور بالتجدد والنشاط، قال أبو تمام:
وطول مقامِ المرء في الحيِّ مُخلقٌ
لديباجتيــــــــــــــهِ فاغتربْ تتجددِ
فإني رأيتُ الشمسَ زيدتْ محبـــةً
إلى الناس أن ليستْ عليهم بسرمدِ
وفيها مساوئ شتى أيضاً، وفي المقدمة الحزن على فقد الإلف والأليف، قال الزركلي:
العينُ بعد فراقها الوطنا لا ساكناً ألفتْ ولا سَكنا
وفقدان الإلف يجعل الإنسان متخبطاً، مضطرباً، ويظهر هذا في سلوكه وتعامله مع الناس، فلا يميز عدوه من صديقه، قال زهير:
ومنْ يغتربْ يحسبْ عدواً صديقََََهُُ ومنْ لا يُكـــــــرِّمْ نفسَهُ لا يُكرمِ
فالغربة ليست لللدى بعضم إلا موتاً تدريجياً لحواس الإنسان وقلبه معاً، ولذلك تختلط أمام ناظريه الأشياء.
وقد لا تكون المشكلة بالنسبة للفرد في قرار الهجرة أو عدمه، ولكن ماذا سيفعل الإنسان لو ها جر وماذا سيفعل إذا بقي في وطنه؟ فالمهم من العملية هو الإنجاز والعطاء، ولكن المشكلة الأساسية في هذا القرار هي بالنسبة للأمة التي تفقد أفلاذ أكبادها، فعلى أي شيء من بعدهم سيقوم البنيان؟ وماذا فعلت لاستبقاء أبنائها؟ وأي مستقبل لأمة يرحل عنها أهل المعرفة والإبداع؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية