للاستماع إلى هذه المقالة بصوت الكاتبة:
{enclose Nashiri_Shoes_Hayat.mp3}
كلا، أجلكم الله وأكرمكم. الأمر لا علاقة له بحذاء "سندريلا" الزجاجي الذي يشي بسخافة قصتها؛ إذ يعود كل شيء إلى طبيعته بعد منتصف الليل إلا هو. وأؤكد لكم أيضا أن الأمر لا صلة له أبدا لا بـ"خفيّ حُنَيْن"، ولا بـ"حذاء الطَنْبُورِي"، ولا بالخفين الرثين الذين ذكّرا الفتيات بهدايا العيد في رواية "نساء صغيرات"، ولا بالأحذية الحديدية التي كانت فتيات الصين يحشرن أقدامهن فيها كي تظل صغيرة.
إذا بلغ منكم الفضول مبلغه، شاهدوا هذا المقطع المصوّر:
(إذا لم يظهر المقطع، اضغط هنا)
أفواج وأمم من الأحذية تنتشر وتتناثر وربما تثرثر ريثما تنتهي صلاة العيد. ولا أظن أن الأحذية لديها مشكلة في ذلك، فهي الأخرى تريد أن تحتفل بالعيد وتبارك، بل وربما تلقت صغار الأحذية "العيادي" من كبارها! وكل هذا حق مشروع ليس لنا أن نستكثره عليها وهي تتحمل أوزاننا الثقيلة وحركاتنا غير المتوقعة ولا تئن ولا تشتكي. لكن ألا ترون أن علينا البحث عن طريقة أكثر كرامة ولطافة لجمع الأحذية ببعضها في العيد السعيد؟
لا أقول هذا لأفسد عليها تجمعها الميمون ولا محادثاتها البهيجة، لكن واقع الحال (وللأسف لم أتمكن من تصوير هذا المشهد إذ كنت ألهج قائلة: نفسي نفسي!) أثبت أن نسبة الإصابات بل والوفيات عالية بين الأحذية يوم العيد بمجرد خروج أبابيلَ المصلين من المسجد. فكم من حذاء جديد لم يكمل يومه الأول دُهس، وكم من حذاء من أعرق عائلات الأحذية نسبا ومكانة (ويدعوها العامّة "ماركات”!) تحول إلى جلد بالٍ بعد أن تلقى رفسات وركلات ودهسات من شخص ينقّب عن حذائه. ولا تنسَوا أن الفِراق واليُتم قد يطال بعض الأحذية فنجد أحد الزوجين صامدا بين زمرة الأحذية، في حين -ونتيجة للاختناق المروري العيديّ- يقفز الزوج الآخر قفزا اضطراريا مبتعدا، فيضيع وقد لا يتم التعرف على مكانه، ويتفرق الحبيبان وتسجل القضية ضد مجهول.
طبعا ما سبق سرد لما رأيته يحدث لأحذية النساء في الأوقات التي تزدحم فيها المساجد، أما إخواننا الرجال فأظن أن الأحوال لديهم تزيد عن هذا لارتيادهم اليومي للمساجد. فالسرقة مثلا قد تطال بعض الأحذية فتذهب مأسوفا على شبابها، خاصة إذا كانت جديدة وأصيلة المحتد، عفوا أقصد أصيلة الجلد. ولعل هناك حوادث أخرى تقع للأحذية لا علم لي بها، فأرجو من إخواني الرجال عرضها علي ليتم مناقشة أمرها، ورفع مظلمتها.
قد يقول قائل أن المساجد مزودة بأرففٍ مزركشة ومتعددة الأدوار توضع عليها الأحذية، لكن فلنكن صرحاء، من يستعملها؟ فحتى في أرقى المساجد، كثيرا ما تعلوها طبقة سميكة من الأغبرة المتراكمة من سالف الأحذية، فتجد أنه خير لك أن تترك حذاءك ملقى في العراء معرضا لحوادث الدهس والدعس والهرس من أن تضعه في فقّاسة الجراثيم هذه. وإن كنت محظوظا وكانت الرفوف نظيفة، ففي الغالب ستحتاج إلى "ذاكرة فيل" لتتذكر على أي رف تركت حذاءك خاصة أن الأماكن غير مرقّمة والأحذية قد تتشابه. وهذا يدفع المصلين إلى تصرف مشابه لكثير من سائقي السيارات الذين يفضلون إيقاف سياراتهم في أماكن غريبة وخطرة -لكن تذكرها سهل- على إيقافها في موقف كبير لكن غير مرقّم أو منظّم.
وبعد أن أشبعنا الظلام شتما، ما الحل؟ هل نأتي إلى بيوت الله بأقدم وأبلى الأحذية مثلا؟ إن فعلنا خالفنا أمر الله تعالى "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ". هل يحضر كل مصل معه كيسا مثلا ليضع فيه حذاءه ويدخله معه إلى المسجد؟ لا أدرى عن شرعية ذلك، لكني أخشى من اعتراض منظمات حماية البيئة! فالأكياس البلاستيكية لا تتحلل وتضر بالبيئة، والورقية تستنزف الأشجار، ولدينا خمس صلوات في اليوم، وبحسبة بسيطة نكون قد كتبنا على سطر وأنقذنا الأحذية، لكن تركنا السطر الآخر فارغا وآذينا البيئة.
ويبقى حل أخير وهو ارتياد المساجد التي يبالغ أئمتها في التطويل في الصلاة، وتعاني من رداءة نظام الصوت، ويا حبذا لو كانت تعاني أيضا من تعطل التكييف خاصة أن رمضان بات يقترب من الصيف أكثر فأكثر! فهذه المساجد عدد روادها قليل بطبيعة الحال، وحوادث الأحذية بالتالي فيها ناردة. لكن ولأن مساجدنا ولله الحمد في الكويت ممتازة في أغلبها، فالشروط السابقة قد لا تتوافر إلا في نزر يسير من المساجد. لكن احذروا، فبعد فترة قد يذيع صيتها ونقع في مصيبتين، تدافع الناس عليها -نجاةً بأحذيتهم-، ونعود إلى معضلة الأحذية مجددا، وفوق ذلك معاناتهم من صلاة قد يعوزها الإتقان.
رباه! أيعقل أن يكون شيء بسيط ومستحقر مثل كيفية ترتيب الأحذية دلالة فاقعة وفاجعة على فشل أمة في فهم معنى النظام، وفشلها أيضا في ابتكار منتجات تحل مشكلاتها؟ نعم، يعُقل، يعُقل.
في العيد القادم قد أبحث عن مصلى أو مسجد غير مُتدافَع عليه، وإن كنت في الغالب سألجأ إن شاء الله إلى طريقة الكيس إلى أن تُفرج. أما عن المستقبل فأقترح أن ينتج أحد ما صناديق ذكية للمساجد (وأشعر أن المُنتِج سيكون صينيا، إما بوذيا وإما كونفوشيا والله أعلم!). وفكرتها بأن يكون في كل صندوق مكانان؛ واحد للحذاء والآخر للهاتف النقّال. يضع المصلي إبهامه على المحَس (sensor) فيتبرمج الصندوق وفق بصمته وينغلق. وبمجرد فراغ المصلي يضع إبهامه تارة أخرى فيُفتح الصندوق مفرجا عن آمانات المصلي، وتُمسح بصمته من الذاكرة استعدادًا لخدمة شخصٍ آخر في صلاة أخرى. فكرة نظم الأمان المعتمدة على بصمة الإصبع بدأت بالانتشار وتكلفتها آخذة في الانخفاض ولا أدل على ذلك من انتشارها في كثير من الحواسيب المحمولة. ويمكن لتقليل التكلفة استعمال محس واحد لمجموعة الصناديق كلها، ويُدخِل المصلي مثلا رقم الصندوق الذي أودع فيه مقتناياته الذي ثم يسجل بصمته.
هنالك يخرج الحذاء لا شِيةَ فيه، وينال الهاتف النقال غفوة بعيدا عن صفوف المصلين، وينال المتعبدون شيئا من الطمأنينة والتركيز، والكثير الكثير من النظام والنظافة والانشراح. وإلى ذلك الحين، أرجو ممن يعرف من أين يمكنني شراء أكياس صديقة للبيئة ألا يبخل علي بالخبر.
التعليقات
لم أفكر فيها من هذه الناحية.
شكرا على مرورك وتعليقك.
لم أفهم، هل تقصد الملف الصوتي؟
الأخت فاطمة،
شكرا على مرورك البهي.
فعلا، نتقن الوقوف في الصفوف، لكن لا نتقن صف الأحذية بطريقة حضارية.
أناممن يترقب مقالاتك بشوق لأنها دعوة لقراءة لغة متقنة وراقية وللإطلاع على أفكار جديدة. وما كتبته حول أخذ بصمات المصلين ما كان إلا دعابة فقط.
مقال إيجابي، يحثنا على النظام، وما الصلاة - ضمن معانيها - إلا درس يومي في الوحدة والانتظام والاتقان، فجموع المصلين تؤدي حركات واحدة خلف قيادة واحدة، ولكننا للأسف نمارس الفوضى مع التسليمة الثانية!
أحد المدونين الكويتيين قد حملة "مواطن صالح" وكان ضمن ميثاقها، "الحرص على وضع الأحذية في أماكنها المخصصة"، ومنذ اطلاعي عليه وأنا أجاهد نفسي وأفعل ذلك شاقًا عصا جماعة الفوضي شكرًا لكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
يسعدني أن تكون أولى مشاركاتي معك أختي (حياة)
فلكم كنت ممن يتابع دار ناشري منذ فترة لكني لم أستطع الاشتراك إلا اليوم.
عموماً جزاكم الله كل الخير على ما قدمتموه لنا نحن القراء وفي موازين حسناتكم .
بالنسبة للموضوع هو في غاية الأسى ..فالفوضى العارمة التي نشاهدها ما هي إلا انعكاس
لواقع مجتمع لم يتقن النظام في أبسط الأمور الحياتية .منظر الأحذية ((أعزكم الله) وهي ملقاة هنا وهنا دائما ما يذكرني بامرأة عجوز كانت في كل مرة تزورنا تحمل نعليها بين يديها فأضحك من حرصها إلى أن جاء اليوم الذي أرى فيه أناس
لا يهتمون من مسألة النظام وعدم الفوضى وليتها مقتصرة على مسألة الأحذية !!
ففي الأعراس مثلا أرفض ان أذهب إلى صالة الطعام لامن قلة الطعام أو من تعب لكن من الفوضى والهجوم الوحشي من قبل بعض المدعوات البعض منهن حتى لا أنقص من حق الأخريات..
أرى أن الحل هو يبدأ بالتدريب على النظام وإن كل من يرتادد مسجد لابد وأن يضع حذائه في أرفف الأحذية ...
شاهدت حلقة لبرنامج خواطر للأخ أحمد الشقيري في الجزء الثالث على ما أذكر وكان قد زار عدة مساجد ليعرض تلك المأساة فكان قد ألصق منشيت يعرض غرامة لمن يرمي حذائه 50 ريال فيتفاجأ بالغرامة والبعض عندما يقرأ المانشيت ويعرف بالغرامة يضطر بوضع حذائه في الأرفف حتى صارت أغلب الأحذية مرتصة على الأرفف بكل نظام .
أكتفي بهذا القدر وأعتذر على الأطالة.وجزاك الله كل الخير
تحية طييبة وبعد
في البداية استغربت من عنوان الموضوع والفضول خلاني استمع الى المقطع الصوتي قرأة جملية منج وبصراحة ذكرني صوتج في مسلسل كرتوني قديم يعرض في كل صباح جمعة أسمة حكايات عالمية السبب طريقة الألقاء مشابة، موضوع شيق أتمنى لج كل خير والمزيد من التقديم ننتظر جديدج
و اقتبس منك:
" أيعقل أن يكون شيء بسيط ومستحقر مثل كيفية ترتيب الأحذية دلالة فاقعة وفاجعة على فشل أمة في فهم معنى النظام!"
لا أجد دلالة أفضل من هذه للأسف الشديد..
أختي حياة أرجوك افعلي خيرا و قومي بتسجيل هذه الفكرة و أخذ براءة الإختراع لها " أرجوك " !!
قد تكون لتلك الفكرة الأثر العظيم و لتبدأ النهضة من مساجدنا..
أذكر حلقة عرضها أ. أحمد الشقيري للموضوع ذاته "و لكنها موجه للرجال " بفرض غرامة على من يترك حذاءه ملقا عند الباب..!!
هذه فكرة أخرى و لكني أجد فكرتك عملية و متحضرة.
أحببت فكرة الأستماع إلى المقال.. فكرة ذكية تستحق الإشادة عليها !
روح و ريحان لك أيضا أختي الغالية
I pray to Almighty Allah to reward you and bless your efforts by making your work accessible to all so that everyone may benefit from them. May Almighty Allah always keep you under His protection.
Ameen!
Wassalaamu 'Alaikum wa Rahmatullaahi wa Barakaatuhu
شكرا على مرورك الطيب أختي.
د. الملاح،
أعلم ذلك. جزيت كل خير.
الأعمش الصغير،
يبدو أني سأغير رأيي وأقترح وضع رقم سري لغلق الصندوق
لكن ماذا لو نسي أحدهم الرقم، سيسير حافيا وبلا هاتف نقال أيضا.
أم ميمونة،
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
شكرا جزيلا لك وبارك الله فيك.
مداخلة قيّمة.
خالص تقديري لمرورك.
شكرا جزيلا على مرورك الطيب.
أما "حكايات عالمية" فمن مسلسلاتي المفضلة!
تحياتي
آمنه آل بن علي،
بوركت عزيزتي.
الحقوق متاحة لكل مسلم يمكنه إنتاج الاختراع.
ولا أظن أن هناك سبب لتسجيله سوى الترويج له، ألم تلاحظي أنه ما أن يسجل اختراع ما، حتى تظهر رغبة دفينة وغريبة لدى البعض بكسر هذه الحماية وإنتاجه. أما لو كان غير محمي لما عبئ به أحد.
ورب ضارة نافعة على أي حال.
Thanks brother.
May Allaah reward and bless you too.
الأفكار الجديدة والفريدة والمفيدة
أحييك على النظرة الثاقبة من زاوية مختلفة في معظم الأمور
بارك الله بك عزيزتي
وتبقى الأحذية محل التفكير (:
لنكن واقعيين من ناحية التطرق إلى صناديق ذكية تعمل بالبصمة أو أي تقنية أخرى، غالبية المصلين إلا من رحم الله، يأتون للمسجد متأخرين إما أثناء إقامة الصلاة أو بعد الشروع فيها، فلن يبالي المصلي بقذف حذائه أو نعاله لا سيما إن كانت قديمة أيضا، فالوضع سيكون شبه مسلم به من حيث الرمي و عدم اللامبلاة. و قليل من المصلين يولي انتباها لحذائه "لا أجد غضاضة في اعتباري أحدهم" و هؤلاء يقومون بذلك إما لوعيهم التام بأهمية سلامة أحذيتهم أولا أو لإحساسهم بأهمية النظام في حياتهم ثانيا، و أنا من المؤمنين بكليهما.
مرورك وتعليقك أسعداني.
شكرا لك.
أخي خالد،
شكرا على تعليقك المثري، وأكثر الله من أمثالك.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة