يمكن القول بأن السبب الرئيسي لعدم تحقيق مجتمعات أو مؤسسات عامة التقدم المنشود؛ هو أنه تسودها ثقافة سلبية وهذه الثقافة ليست دافعة إلى الأمام، بل تدفع إلى الخلف، ويمكن القول بأن أبرز عناصر هذه الثقافة العامة السلبية هو: عدم صفاء النوايا على نحو متبادل بين أغلب أفراد مجتمع أو مؤسسة ما، ومحاولة تصيد أخطاء لغيرهم؛ مما قد يفسد أي عمل جماعي؛ حيث يعتقد أغلب أفراد هذا العمل أنه توجد مصالح خاصة لدى غيرهم؛ وبالتالي لا يكتمل العمل. ويرجع ذلك إلى محاولة العديد من أفراد مجتمع أن يعظموا إنجازاتهم ويبخسوا إنجازات زملائهم ، وإلى اختفاء مفهوم المصلحة العامة ومفهوم الإنجاز الجماعي لدى أغلب الأفراد، بينما يعلو في الأفق مفهوم المصلحة الخاصة والإنجاز الفردي لديهم ؛ مما يؤدي إلى إحباط الآخرين وإحجامهم عن المشاركة في أي عمل جماعي وسط نظام ضعيف للحافز الجماعي، وبالتالي تسود فكرة العمل الفردي.


 كما يعد من أبرز عناصر هذه الثقافة العامة السلبية التي قد تسود مجتمع أو مؤسسة عامة ما هو: اختفاء الاحترام والتقدير المتبادل بين أغلب أفراد مجتمع أو مؤسسة عامة وسط ضعف نظام المساءلة داخل هذا المجتمع أو هذه المؤسسة؛ حيث يحاول أغلب الأفراد التقليل من شأن الآخرين ومن شأن زملائهم ومكانتهم ومن شأن آرائهم وخاصة عند الحوار؛ على وهم بأن ذلك يرفع من مكانتهم؛ وبالتالي تختفي قواعد وآداب الاختلاف في الآراء لدى أغلب أفراد مجتمع أو مؤسسة عامة ؛ حيث عند اختلاف الحوار قد تقع شتائم وتجريح وقذف متبادل بين أغلب المختلفين، ؛ لتسود حالة من عدم الاحترام والتقدير المتبادل بين الأفراد والزملاء في العمل الواحد ، وعدم مراعاة مشاعر الآخرين وعدم الحفاظ على حقوقهم وكرامتهم؛ بل قد يتعدى الأمر إلى محاولة إهانة كل للآخر وإقصائه من المشهد.


  وأيضا يعد من أبرز عناصر تلك الثقافة العامة السلبية هو: عدم الاعتراف بالكفاءات والمتخصصين وسط نظام ضعيف للحافز الفردي في مجتمع أو مؤسسة عامة؛ فأغلب أفراد المجتمع أو المؤسسة العامة يتحدثون في جميع الأمور ويدلون بدلوهم ويعتقدون أنهم يفهمون في كل مجال ، بل إنهم يجادلون كفاءات متخصصة في آرائهم على نحو يثير الاستغراب، كما أن الكثير من المديرين ونوابهم في مجتمع أو مؤسسة عامة قد لا يكونون كفاءات متخصصة، بل إن مستشاريهم قد يكونون أيضا من غير الكفاءات المتخصصة، وهذه هي الطامة الكبرى في الإدارة العامة والمحلية.


  كذلك يعد من أبرز عناصر هذه الثقافة العامة السلبية هو: عدم تعلم أغلب أفراد مجتمع أو مؤسسة عامة من أخطائهم وسط نظام ضعيف للمحاسبة ؛ حيث يكرر أغلب الأفراد أخطاءهم وأخطاء سابقيهم على نحو يثير الشفقة والسخرية معا، الشفقة على هذا المجتمع الذي يتحمل الخسائر الواحدة تلو الأخرى، والسخرية من هذا التكرار العجيب لأخطاء الماضي القريب قبل البعيد، وقديما قيل شر البلية ما يضحك.
وبالتالي يمكن القول بأن هذه الثقافة العامة السلبية تؤدي إلى عدم تحقيق المجتمع أو المؤسسة العامة التقدم المنشود؛ حيث يدخل الأفراد في صراعات يمكن أن تقود جميع أفراد المجتمع أو المؤسسة العامة إلى حافة الهاوية. 

التدقيق اللغوي لهذه المقالة: شوق البرجس

كاتب
أستاذ الإدارة العامة بكلية العلوم الإدارية - أكاديمية السادات. محكم بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية لفحص الإنتاج العلمي للمتقدمين لشغل وظائف الأساتذة والأساتذة المساعدين. محكم بدوريات علمية عربية لتحكيم الأبحاث المقدمة للنشر. أشرف ويشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في الإدارة. عضو لجان المناقشة والحكم على رسائل الدكتوراه والماجستير في جامعات القاهرة وحلوان وعين شمس. رئيس تحرير موقع الإدارة العامة والمحلية. تولى عدة مناصب. له العديد من الكتب والدراسات العلمية والمقالات المنشورة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية