اعتلى الملك محمد السادس سدة الحكم بالمغرب سنة 1999م ،وليوصف مباشرة بعد ذلك، خاصة مع تبني "المفهوم الجديد للسلطة"، ب"ملك الفقراء". سنة بعد ذلك ،عمل المغرب شأنه شأن 193دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة ومالا يقل عن 23منظمة دولية على اعتماد "إعلان الألفية"، كتوافق جماعي لضمان تنمية بشرية مستدامة منسجمة عالميًا في أفق سنة 2015م. وهو الاعلان الذي جعل من أولوياته بلوغ ثمانية أهداف وعلى رأسها القضاء على الفقر المدقع والجوع . سنة 2005م تم اطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية INDHكمقاربة تشاورية و ادماجية ، تقوم على مبادئ المشاركة الديمقراطية و الحكامة التنموية وسياسة القرب وعلى تبني الفاعلين المعنيين، وعلى رأسهم الفاعل الجمعوي لمشاريعها الهادفة أساسًا إلى التصدي للعجز الاجتماعي، بخلق أنشطة مدرة لمصادر الدخل ومنتجة لفرص العمل.
في 17اكتوبر 2014م وعلى هامش تخليد اليوم العالمي للقضاء على الفقر، أكد سايمون غراي مدير القسم المغرب العربي بمجموعة البنك الدولي، على أن المغرب نجح في استئصال الفقر المدقع، حيث انتقلت نسبته من 2 إلى0.28 % خلال الفترة الممتدة من2001م إلى2011م، مشيرًا في ذات الوقت على أن المغرب يعد من البلدان الأربعة بمنطقة مينا (بالإضافة إلى الأردن و تونس وفلسطين) التي تسجل بها نسبة فقر أقل من 5 في المائة، والمقدرة بدولارين في اليوم. وفي يونيو 2015م تسلم المغرب –بالإضافة إلى 71 بلد وآخر-بروما جائزة منظمة الفاو لتحقيقه أول أهداف الألفية للتنمية، والمتعلق بالحد من الفقر المدقع والجوع. وفي نفس السياق، تم التأكيد على أن تحقيق هذا الهدف من طرف المغرب هو نتاج سياسة عمومية اجتماعية ناجعة، تمثلت أساسًا في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي اعتبرها البنك الدولي في إطار تقرير صادر عن مجموعته حول"وضعية شبكات الأمان الاجتماعي في العالم سنة2015م" ثالث أفضل مبادرات اجتماعية على صعيد العالم، والمتوخية أساسًا النهوض بالفئات الهشة والاعتناء بالطبقات الفقيرة.
على هذا الأساس يمكن التأكيد على أن هذه المبادرة من شأنها أن تقوم بالدور الريادي في تحقيق المغرب لأول هدف من الأهداف الإنمائية للألفية والمتجسد في القضاء على الفقر المدقع والجوع بشكل كلي، والتفكير بالتالي في أهداف أخرى لما بعد2015م. ومن ثم البرهنة بشكل ساطع على قدرة المغرب على اللحاق بركب الدول الصاعدة. وهو الرهان –أكد عليه ملك المغرب محمد السادس في خطابه ل20 غشت 2014م -الذي لن تقوم له قائمة، إلا بتوطيد دعائم صرح تنموي متين، ومن أبرزها تكريس مبدأ العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة وانتشال الفقراء من دائرة التهميش والفقر.
فكسب رهان اللحاق بركب الدول الصاعدة –يؤكد الملك دائما في نفس الخطاب –ليس مستحيلا، وإن كان ينطوي على صعوبات وتحديات كثيرة، وعلى رأسها تحدي مجابهة الفقر والقضاء عليه. وعموما هناك تحديات عديدة تواجه البناء الديمقراطي بالمغرب والمتسم بالانتقالية. فالتنمية مازالت هي التحدي الأساسي والرهان الأكبر للمغرب الصاعد، والذي يتوق لتحقيق الغاية المتوخاة في اللحاق بركب الدول الصاعدة. ولعل أهم مايعوق المسألة الديمقراطية هو آفة الفقر إلى جانب الآفات الاجتماعية الأخرى من قبيل :الأمية ،البطالة، الفساد . . . والتي تعتبر مؤشرًا من مؤشرات انبثاق أزمة هيكلية تعرقل بالضرورة المسار الديمقراطي. إذ نجد، أن هناك علاقة جدلية مابين التنمية والديمقراطية، بحيث لا يمكن إطلاقًا الفصل بينهما. فالديمقراطية تستوجب حدا أدنى من النماء والتقدم، والتنمية لا يمكن ضمان أسسها دون حد أدنى من الديمقراطية. هكذا، قد يشكل الفقر عائقًا أمام التنمية كما أنه يتعارض مع قيم حقوق الانسان. فالقضاء على الفقر هدف أساسي من أهداف التنمية، وأيضا يشكل تحرير الإنسان من براثين الفقر والعوز حقًّا من حقوق الإنسان الاقتصادية، مع ما يمكن أن ينجم عن تأكيد هذا الحق من عدالة اجتماعية وسلم اجتماعي. ومن ثم، يبقى الاهتمام بمعالجة القضايا التنموية ذات أثر هام في مستقبل المغرب، لأن انتاج خطاب حول التنمية وملامسة ظاهرة الفقر كظاهرة شمولية تزكي كون تجاوز "الإقصاء الاجتماعي"، قد يوفر أرضية مناسبة لتحقيق الأمن الاجتماعي المؤسس للسلم المجتمعي. إن الفقر على ضوء ذلك، وكمعوق موضوعي، قد يحول دون فعالية الإصلاحات المزمع تطبيقها في المجالات التنموية أساسًا. كما أن تحرر الانسان من الفقر قد يمده بطاقات كبيرة تساعده بالضرورة على المشاركة بشكل فعال. إن إشكالية الفقر بالمغرب ينبغي معالجتها في ارتباطها الجدلي القوي بطبيعة التركيبة المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، في شمولية وتفاعل عناصرها وتشابك ما تقبل به من رهانات بالنسبة لحاضر البلاد ومستقبلها على السواء. ومنها أساسا تلك المرتبطة بمختلف المبادرات والسياسات العمومية الاجتماعية الرائجة في هذا المجال، مجال محاربة الفقر ومناهضته. في هذا السياق، أتت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية – والمعلن عنها منذ تاريخ 18ماي2005م- باعتبارها ورشًا اجتماعية ضخمةً يتوخى القضاء على الفقر والتهميش بمختلف مستوياته، وذلك عن طريق خلق دينامية جديدة تدعم مجهودات السلطات العمومية في مجال التنمية الشاملة. ومن أجل تحقيق الأهداف التي تصبو إليها المبادرة كان لزوما عليها، الاستناد إلى جملة من المرتكزات والمنطلقات تدور برمتها في فلك الحكامة الجيدة التي ترنو أساسًا إلى تحقيق أسس مغرب صاعد متكافئ متوازن ومنسجم وليس مغرب –كما يؤكد الملك محمد السادس في خطاب 20غشت2014م ب"سرعتين، أغنياء يستفيدون من ثمار النمو ويزدادون غنى وفقراء خارج مسار التنمية ويزدادون فقرًا و حرمانًا". خاصة في ظل الرغبة الطموحة للمغرب في اللحاق بركب الدول الصاعدة. إن المسألة في حاجة ماسة إلى تبني أسس ومبادئ الحكامة الجيدة، وهو الأمر الذي يحث عليه سايمون غراي بقوله "إنه بامكان المغرب تحقيق إنجازات كبيرة فيما يتعلق بزيادة إنتاجية وتسريع وتيرة النمو الاقتصادي واللحاق بالدول المتقدمة. وذلك شريطة تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة خاصة احترام القانون والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة".
التدقيق اللغوي: لجين قطب.