لا تستغرب أيها الطبيب القارئ لهذه الرسالة، فعنوانها (الأبيض) لا ينفي حزننا وشقاء بعضنا من بعضكم.. وإن كان الشقاء يشفع له عطاؤكم وإنجازاتكم العظيمة في تخفيف آلام كثير من المرضى، لكن هذا لا يمكن أن نرى دمعة الحزن فيمن كان مصابه نتيجة خطأ، من بعضكم حيناً، أو إهمال وتسرع وعدم اكتراث من بعضكم الآخر، وإن كانوا قلة ولله الحمد والمنة.. ولا تحسب أيها الطبيب القارئ أنك على العموم متهم ما دمت طبيباً، ومن منا لا يخطئ، لكني أتحدث عن الخطأ الواقع لأسباب لا يمكن أن يقبلها عقل عاقل، ولا فهم فاهم.أنت تعمل أيها الطبيب الشهم مقدار ما تخلفه من فرحة وسعادة في قلوب الناس الذين يشفيهم الله على يديك.. لكن هل تعلم في المقابل مقدار الحزن الذي تورثه لمن يقع ضحية بين يدي بعض زملائك.. لا تقل إن في هذا الكلام تجنياً عليهم.. لا وربي.. ولست أنا من يحب التجني، وقد سمعت يوماً من طبيب مشهور قولاً مثل قولي، ورأياً مثل رأيي.. حتى في نفسه.. ودون أن ننسى فضل الأطباء على الناس، لكننا في المقابل لا بد أن نذكر أن أطباء اليوم لا يتنافسون على دخول كليات الطب من أجل الإنسانية، لكن باعتبارها كليات النخبة التي تضمن لصاحبها مالاً وفيراً ومقاماً رفيعاً.. وما من أب وأم اليوم - إلا من رحم ربي - يشجعان أبناءهما على دراسة الطب ويدفعانهم فقط ليكرسوا أنفسهم خدمة للبشرية جمعاء، وكل الناس - إلا ما ندر منهم – يؤملون أنفسهم بالثوب الأبيض كمهنة إنسانية، لكننا أيها الطبيب ما عدنا نجد ذلك في معظم الأحيان، فالطب بات كسائر المهن، كلما دفع المريض أكثر كلما نال من العناية أكثر، ولا يخفى على الناس كما تذكر الصحافة في بعض البلاد وفاة مريض على باب الطوارئ لأنه لا يملك دفعة على الحساب، ومن ذلك ولادة حامل على رصيف مستشفى رفض استقبالها..

وقد يقول البعض ليس للأطباء علاقة في ذلك.. ربما، لكنهم مسؤولون عن جزء منه. أعلم أن هناك كثيراً من الأطباء إنسانيون بطبعهم.. وهذه الرسالة بالطبع ليست إليهم.. فكل طبيب يليق به اللون الأبيض هو بالنسبة لنا نصير الحق وخصيم الباطل.. لكننا مع كل احترامنا لكل منهم - لائق أم غير لائق - لا بد أن نسأل لماذا يحجم الشرفاء منهم عن قول الحق فيمن لا يعرف الحق، بل على العكس هناك من يتستر على زملاء مهنته، ولا يتكلم ويفضل الصمت عن الإفصاح بالحقيقة التي رآها أمامه، بل وربما يشهد بالباطل وينكر علمه بما يعلم، وكأنه لم يسمع ولم ير، والآية الكريمة تقول: (ولا تكن للخائنين خصيماً). عبثية - ربما - هذه الرسالة، فلا خير في كثير من الكلام إن لم يحقق غاياته.. وأننا على علم وثقة بأنه من المحال أن يقر الطبيب المخطئ بخطئه، إلا إذا ضبط بالجرم المشهود وبالدليل القاطع، وسوف يبحث عن ألف تبرير وتبرير حتى مع وجود الدليل، باعتبار الطبيب غير مسؤول عن النتائج، وإن لم يبذل الجهد المطلوب. بل ستنبري القوى من حوله مدافعة عنه باعتباره شخصاً من نخبة المجتمع وتاريخه يشهد له. على كل حال ليس كلامنا ومبتغانا بالرسالة نكأ الجراح فكل من تعرض لخطأ واضح وظلم فادح ممن نتكلم عنهم جراحكم لا لم تندمل لكي ننكأها.. هي رسالة لكل طبيب مات ضميره.. وإن كنا على ثقة تامة بأن كل كلام الأرض والسماء لن يحيي ضمير ميت. أما الطبيب الذي يعتبر نفسه شريفاً فلا بد أن يؤيد ما نقول وينبذ من حوله أطباء السوء، فإن كان يرفض هذا الكلام ويصر على اعتبار نفسه شريفا فعليه أن يعيد قراءة الآية السابقة ويحذر أن يكون كمن رأى الباطل وتستر عليه. عش أيها الطبيب المكرم كما شئت.. فالحياة قصيرة، وقد يهاجم بعض من يقرأ هذا الكلام بسخافة معهودة.. وليس المقام هنا مقام هجوم ولا دفاع.. فعندما يموت المريض نتيجة إهمال طبيب فإن موته تبقى جريمة قتل وإن حمته كل دساتير الأرض.. صحيح أن الطبيب لا يقصد موتى مرضاه مباشرة.. لكنه جنى عليه إهماله وتقصيره، فكان الموت نتيجة، وإن قيل بأن العمر مكتوب، والقدر محتوم.. وتعددت الأسباب والموت واحد. أيها الطبيب المقصود؛ لا تفرح بما أنت عليه من مكانة أو "نذالة".. فغدا تلقى الضحية وصحبه.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية