"ضع هذه، واضحة أكثر". "نعم، صحيح. أفضل من سابقاتها". "اللباس ملفت". "لنجعله أقصر والنحر أوسع". "رائع ولكم الشكر. اتفقنا وتستحقون المبلغ".

ويطبع إعلان دقيق التفاصيل فيأتي الاعجاب، ويتكرر الشكر، ويبدأ طوفان التهافت على الاعلان.

"تصوير مصنع وخط انتاج وحده لا ينفع". "هذه إضافة ضرورية؟". "صحيح. وفيها تمثيل حي مؤثر". "نعم. مقطع ملفت جدا". "وهو مغرٍ ويجذب الأبصار". "الزوايا البارزة والتقاسيم المزينة. رائع". "فلننتج ونسلمه للقنوات".

ويظهر مقطع إعلان يقتلع الأعين من المحاجر ويحرك الضحكات والغمزات ثم يستدر الجيوب.

 

تخيلت سيلا من كلمات ونقاشات مختصرة عجلة، وابتسامات واشارات تكون قبل إتمام إخراج وتصوير إعلان. وتخيلت أثر صورة وشريط في الرجال وفي الشباب، فرادى ومجتمعين على لعب ولهو، تهيمن عليهم غفلة وسذاجة، ناظرين في مواقع إلى مقاطع إعلانات في قنوات، منصرفين إليها ممعنين في ضياع عقولهم وشتات قلوبهم، لا يقبلون حقا ولا ينكرون باطلا، ويجنون على من يربون وعلى من يتصدرون. ثم جرائم متفاوتة الأحجام والأشكال في إضاعة الأوقات والأهل وإهمال الواجبات وترك المفيد وتبذير اموال وربما في الشرف، سعيا حثيثا وراء سراب الشهوة التي تغذيها تلك المغريات.

مخرجون ومعلنون وتجار وقنوات لا يتورعون عن تعرية المرأة في دعايات ومنتجات وأعمال، تبجحا بحاجتها للمال وبقبولها للعرض. أي إهانة للمرأة أشد وأي إهراق لحرمتها أكبر وأي كشف لعورتها أعظم؟ وأي إخلال للرجولة وطمس للحياء وضياع للغيرة وأي استخفاف بالمجتمع؟ أي تطاول على العقل الذي لا يفهم إقحام المرأة والغواية في إظهار ميزة أي غرض في السوق. المتفقون على كشف المرأة أيرضونه على أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم وبناتهم؟ أو يرضون أن ينظروا هم للعورات؟ أي افتقار للأدب وضياع للنخوة وضعف دين وانقياد للشهوات عندكم؟

أيها الشّمُّ الأغيار. أيها المربون والمتطلعون لخير حياتكم ولتماسك مجتمعاتكم التي هي من قوتكم ولخير ذرياتكم، كلكم راع. لا تغرقوا ولا تغرقونا معكم بهذه الصور والمقاطع كذبا باسم الدعاية والاعلان وما هي إلا للإفساد.

اللهم اكفنا الغافلين والديوثين وعبدة الأهواء.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية