لم يكن يدور في خيال أحدٍ من المحيطين بهذا المولود الصغير "رضا عبد السلام" أن يصبح له هذا المستقبل المشرق وهذا النجاح الباهر بسبب الإعاقة الحركية التي وُلد بها، وهي الضمور في الذراعين. إلا أن استقبال والديه له بالرضا، ومن ثَم أسمياه "رضا"، وتصميم والده الحاج عبد السلام، رحمه الله، على الاهتمام به وتعليمه، كان له الأثر الواضح في بلوغه هذه المكانة.
فكان من عادة أهل الريف أن يتعاملوا مع أي صاحب إعاقة بنوع من الشفقة، ثم يهبونه للقرآن الكريم ليتعلَّمه ثم يتكسَّب من تعليمه عندما يكبر، إلا أن والده كان له أسلوب آخر في التعامل معه...
فأول ما فعله عند استقباله هو أن صلى ركعتين ثم توجه إلى الله تعالى بهذا الدعاء "أنت الذي خلقته وأنت الذي تسيره للحياة"، ثم أخذ في رعايته وتعليمه شيئًا فشيئًا حتى مرت سنواته الأولى وأصبح على مشارف الالتحاق بالمدرسة.
وكما يروي هو في كتابه "نقوش على الحجر" الذي لخص فيه مراحل حياته والعقبات التي واجهته واستطاع التغلب عليها، لم يقبل مدير مدرسة القرية في ذلك الوقت، قرية كفر الشيخ إبراهيم بمحافظة المنوفية، لم يقبل التحاقه بالمدرسة بسبب إعاقته، مما اضطر والده إلى أن يصحبه إلى مدير المديرية التابعة لها المدرسة، ويطلب منه مجددًا التحاق ابنه بالتعليم، ولكن هذه المرة قدَّم والده دليلاً على تغلب هذا الطفل على إعاقته واستطاعته متابعة الدروس كبقية زملائه الأصحاء، وذلك لأنه تعلم الكتابة بأصابع رجله بدلاً من أصابع يده، وبالفعل كتب الطفل اسمه، واسم والده، واسم قريته بأصابع رجله، فانبهر مدير المديرية لذلك وأصدر تعليماته على الفور بقبوله بمدرسة القرية.
ثم توالت المراحل الدراسية حتى انتهى من دراسته الجامعية، مع العلم أنه قد حصل على مؤهلَين جامعيَّين، وهما ليسانس الحقوق، ثم ليسانس الدعوة الإسلامية من جامعة الأزهر، وبعد ذلك كان عليه أن يطرق أبواب الوظائف، فعمل في أحد مكاتب المحاماة، لكنه لم يألَف هذه الوظيفة فاتجه للعمل الإذاعي.
ولكن التجربة الصعبة السابقة في بداية التحاقه بالدراسة قد تكررت معه مرة أخرى في بداية التحاقه بالإذاعة، فعلى الرغم من تمكنه من اللغة العربية، ونطقه السليم، ومهاراته في الخطابة وإلقاء الشعر، وعلى الرغم من أنه قد اجتاز فترة التدريب والاختبار بنجاح، إلا أنهم نظروا لإعاقته ولم يقبلوه للعمل كمذيع في الإذاعة المصرية.
لكنه لم يستسلم لهذا الأمر، واتجه للعمل في إذاعة أخرى، هي إذاعة وسط الدلتا الإقليمية، إلى أن أجرت إذاعة القرآن الكريم من القاهرة إحدى المسابقات لاختيار مذيعين جدد، وقد كان النجاح حليفه هذه المرة... حيث تقدم إلى رئيس لجنة التحكيم في ذلك الوقت، الإعلامي الكبير الأستاذ حلمي البلك، وطلب منه ألا يُبدي رأيه في قبوله مذيعًا أو رفضه إلا بعد أن يرى إمكانياته ومن ثم يصدر حكمه.
وهنا كانت الفرصة سانحة للأستاذ "رضا عبد السلام" لإقناع لجنة التحكيم بأنه لا يختلف إطلاقًا عن زملائه الأصحاء، بل قد يتفوق عليهم، فأراهم قدراته الحركية عن طريق خلع الجاكت الذي كان يرتديه دون مساعدة، ثم قدراته الكتابية عن طريق الكتابة بفمه التي تعلمها بعد الكتابة بأصابع قدمه، وأخيرًا قدراته الإذاعية عن طريق إجراء حوار إذاعي مع الأستاذ حلمي البلك نفسه، وهنا لم يكن بوسعه إلا الاقتناع بإمكانياته وإصدار التعليمات بقبوله مذيعًا في إذاعة القرآن الكريم.
ومن ذلك الحين، أصبح "رضا عبد السلام" نجمًا مضيئًا في سماء إذاعة القرآن الكريم، يعرفه القاصي والداني بصوته الهادئ الجميل الحنون، الذي ارتبط به ملايين المستمعين في العديد من البرامج الرائعة أمثال: "مساجد لها تاريخ"، و"قطوف من السيرة"، و"مع الصحابة"، و"وبشر الصابرين"، بالإضافة إلى العديد من الأمسيات الدينية حتى صار كبير مذيعين في إذاعة القرآن الكريم من القاهرة، ليصبح بذلك مصباحًا يضيء الطريق لأصحاب الهمم، ونموذجًا يُحتذى به في قوة العزيمة، وتحدي الإعاقة، وتحقيق الأهداف والغايات النبيلة.