الحمَل كائن وديع مسالم لا يضمر شرا لأحد ولا يحمل في قلبه ضغينة ولا حقدا,هذا مع أنه مبتلى بأعداء كثر من أجناس شتى, فالإنسان يستطيب لحمه ويتفنن في طبخه وشيّه ,والسباع والضباع تجد فيه صيدا سهلا ,فحينما يفتك بها القرم – شهوة اللحم – فإن أول ما يخطر ببالها صورة الحمل المسكين! وللحمل قرنان صغيران معقوفان هما للزينة لا للنطاح,غير أنهما مع ما بهما من صغر وقلة الجدوى صارا موضع جدال وسجال,ففي النظام العالمي الجديد الذي يسيطر عليه الذئب الأكبر لا مجال للتغاضي عن الاحتمالات النادرة التي قد تهدّد الأمن ,فمن يدري فربما خرج من سلالة هذا الوديع من يفطن لهذين القرنين ويحولهما من حلية تزيّن إلا سلاح نطاح ,ولذا فلا مناص من أن يستجيب الحمل الوديع في النهاية للإرهاب والتهديد فيخلع قرنيه ليطأهما بظلفيه وسط تهليل الذئاب العاوية!.
هذا باختصار حال العالم الإسلامي الذي شرع في ما يسمى بنكسة تعديل مناهج التعليم استجابة لأوامر العم سام ,وينزعج المسؤولون التربويون عندنا من هذا الاتهام زاعمين أنهم يقومون بتعديل المناهج بمحض إرادتهم ودون ضغط خارجي,وينسى هؤلاء المثل العربي (ما يوم حليمة بسر), فالإدارة الأمريكية لا تفتؤ تعرب في كل حين جهارا نهارا عن ضرورة تعديل المناهج بما يتوافق مع سيطرتها المطلقة على العالم تحت ستار الحرب على الإرهاب!في الأيام الخوالي كانت أمريكا تصدر أوامرها للأنظمة العربية عبر ترتيبات سرية تكفل تنفيذها في الخفاء,وتتيح للإعلام الرسمي ممارسة صراخ تصريحات الردح والرفض وخطاب العنتريات الثورية ,وأما الآن فإنها تستكثر الإبقاء على ورقة التوت هذه,و تمارس عتوها وجبروتها على رؤوس الأشهاد دون أن تقيم أدنى اعتبار لحفظ ماء تلك الوجوه البائسة!.
ما يثير العجب حقا أن مناهج التعليم في عالمنا العربي خاضعة للإشراف المباشر من قبل منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة وبالتالي فإنها بذلك تتمشى مع نظامها العام وما تقضي به معاهداتها ومواثيقها,وهذا ما يعني أنه لا يوجد فيها ما يشجع على الإرهاب والاعتداء على الآخرين كما يشاع الآن ,إذن فما الذي تطمح إليه التعديلات الجديدة ؟ إن الجهاد الذي يدرس في مدارسنا هو جهاد الدفع الذي يعدّ باتفاق العقلاء من قبيل الدفاع المشروع عن النفس والوطن,وأما جهاد الطلب لنشر التوحيد وضم بقاع جديدة تحت راية الإسلام كما في الفتوحات الإسلامية فلا يُدرّس أصلا في مدارسنا ,ولذلك كنا نعيش أيام التلمذة نوعا من التناقض الغريب حينما نرى خيول الأمويين تغزو جنوب فرنسا من الغرب,وتدك مدافع العثمانيين أسوار فيينا من الشرق,بينما يصر أساتذة التربية الإسلامية على تلقيننا مفهوم الجهاد الدفاعي باعتباره هو المفهوم الشرعي الوحيد!! التعديلات هذه المرة ستمضي إلى أكثر من ذلك حين تصادر الحق الطبيعي للشعوب والأمم في مقاومة الغزاة وهو الحق الذي تقره الشرائع السماوية والأرضية بما فيها شريعة الأمم المتحدة! كما لن تقتصر التعديلات على العلوم الشرعية حيث مفهوم الجهاد المحرّف وعقيدة الولاء والبراء التي ستستبدل بها عقيدة احترام الأديان والغاء مصطلح الكفر,بل ستتعداها إلى مادتي اللغة العربية والتاريخ !أفهم أن مواكبة العصر والتقدم العلمي التكنولوجي تستدعي تجديد علوم الكيمياء والفيزياء مثلا لكنها لن تسير في تلك الوجهة بل ستطال الثوابت والمعتقدات وما يتصل بخصوصية الأمة لغة وتاريخا ,إننا باختصار سنشهد عملية صياغة لعقول الناشئة لتصنع على عين أميركية تكفل لها أمة تابعة من الحملان تخلت بمحض إرادتها عن قرونها الصغيرة التي كانت تمثل حيلتها الأخيرة في مواجهة عالم دموي مظلم يموج بمكر الذئاب وعواء السباع !!.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية