1- العربي في نظر الإعلام الإسرائيلي .
إن المتتبع لتاريخ الإعلام وتطور وسائله وأساليبه يلاحظ أن ميزة عصرنا الحالي هي ميزة عصر المعلومات والمعلوماتية ، حيث أن الأقوياء هم الذين يمتلكون الإعلام ويسيطرون عليه وعلى قنوات الاتصال المؤثرة في أوسع الجماهير .
ومن أهم العلوم الإعلامية فن التأثير على الرأي العام الذي يقوم على دراسة التأثير المباشر وغير المباشر للدعاية السياسية أو الإعلامية أو الإعلانية على الفرد وكيف يتفاعل معها ويتأثر ويؤثر عليها. ودراسة نفسية الرأي العام هم الأساس لوضع الخطة الإعلامية . فالإعلامي الناجح هو الذي يفهم الجماهير ويعلم السبيل الواجب أن يسلكه لإحداث الاستجابة . إن لوسائل الإعلام تأثير كبير على الجماهير والرأي العام . فالصحافة تعد السلطة الرابعة في الأنظمة الرأسمالية والديمقراطية ، هي تقود الرأي العام وقد استطاعا عبر تاريخها إسقاط حكومات وإحداث حوارات والكشف على فضائح عصفت بأكثر من رئيس .
وقد لعبت الصحافة دورا كبيرا خلال القرن العشرين في الحرب العالمية الثانية عندما استغل هتلر الإذاعة لبث الدعوة النازية ، ونفس الشيء قام به الرئيس المصري جمال عبد الناصر إذ كان يخطب على الجماهير لساعات ويبث لهم مبادئ القومية العربية.
ومنذ البداية حرصت الحركة الصهيونية ، في منتصف القرن التاسع عشر على السيطرة على الإعلام الدولي، الأوروبي والأمريكي ، لبث دعوتها الصهيونية وتهييء الرأي العام للتأقلم مع أهدافها المستقبلية ( آنذاك) والتعاطف معها عندما تحتل أرض فلسطين وتغتصبها. وهكذا بدأ ت الصهيوينة حملتها التشويهية لصورة العرب منذ عهد الانتداب الإنجليزي حليفها .
وبعد الحرب العالمية الثانية عملت الصهيونية على تثبيت أقدامها في الشرق الأوسط باحتلالها فلسطين سنة 1948.
إن ما توصلت إليه إسرائيل اليوم من وسائل الإعلام الغربية ليست سوى دعاية صهيونية ودعاية سياسية وإعلامية تهدف من ورائها تخلف المنطقة العربية وحجبها عن الساحة الإقليمية والعالمية في جميع المجالات . وقد استفادت الولايات المتحدة كثيرا في هذا المجال . وإسرائيل بعملية السلام تحاول التطبيع الاقتصادي والصناعي والزراعي والثقافي والإعلامي والتكنولوجي وتحويل التحدي القائم بينها وبين العرب إلى تحدي علمي تكنولوجي في المقام الأول وتأخذ المعلومات في هذا الصدد الموقع المتقدم والمتميز نظرا لدورها الحاسم على الصعيد السياسي والاقتصادي والإعلامي .
أما في فترة ما قبل 1967 ، فقد حدتث بعض التغييرات إلا أنها لم تمس الجوهر ما دامت أن الاستراتيجية الصهيونية ثابتة لا تتغير وإنما التغييرات هي مجرد تاكتيكات تصيب المظهر فقط .
فقد سيطر على الكتابات في هذه الفترة اتجاه يقضي بإنكار الوجود الفلسطيني كليا، وهو نفس الاتجاه ـ من حيث الطبيعة والعمق ـ الذي وصفه الزنوج في أمريكا في خمسينات القرن الماضي ، ووصف الجزائريين قبل الاستقلال . واتسمت النظرة إلى الشعب الفلسطيني آنذاك بالنظر إليهم كلاجئين تقع مسؤولية إعالته وحل مشاكلهم على العرب . وخلال هذه الفترة تم إسقاط عملة كلمة " فلسطيني " نهائيا لاستخدام مكانها عبارة " لاجيء عربي " .
لقد عرض " غانم مرغل " في كتابه " الشخصية العربية في الأدب العبري الحديث " صورا ونماذج من القصص بين فيها أن الأغلبية العظمى مما كتب في هذه الفترة صورت العرب في أبشع صورة ممكنة ومتاحة . إن العربي في تلك القصص كابوس مزعج يهدد كيان إسرائيل وحضارتها ، ألصقت به أسوأ الصفات .
والمفكرون والأدباء القليلون جدا الذين رفضوا هذا التوجه آنذاك وصفوا بالجنون أو الخيانة وتعرضوا للإيذاء البدني أحيانا وللملاحقة والتشهير .
وبعد سنة 1967 استطاعت الثورة الفلسطينية أن تبين للعالم أن الشعب الفلسطيني موجود وأن له حقوقا مشروعة في فلسطين وبذلك بحثت الصهيوينة عن بديل يخدم أهدافها في مقاومة الوجود الفلسطيني على المستويين الإقليمي والدولي . ولقد ركزت الكتابات الصهيونية في هذه الفترة على الإشارة إلى العرب وكأنهم وحدة سياسية واحدة تبنون الاتجاه والإيديولوجيات نفسها وذلك بهدف نقل الصراع إلى دائرة أوسع، وهي الدائرة العربية .
ومن كتاب هذه الفترة هناك " آري إلياف " صاحب كتاب " أهداف جديدة لإسرائيل في الصراع العربي الإسرائيلي" الذي ركز على عنف العرب ووصف زعماءهم بالوحشية والهمجية وبالجنون أحيانا. كما ظهرت عدة كتابات تصف العرب بأنهم ضد السامية يتسمون بالتعصب وعدم التسامح وبأن الكراهية توجه سلوكهم. والهدف من ذلك هو تبرير إقامة الدولة الصهيونية التي يجب أن تقتصر على اليهود فقط وحيث لا مكان فيها لعربي .
ونجد كثيرا من الإنتاج الأدبي العبري يعكس نشوة الانتصار الذي حققه الجيش الإسرائيلي سنة 1967 على الرغم من أن حرب 1973 زعزعت ثقة بعض الإسرائيليين بالتفوق ، وقد اعتبر هذا التغيير تحولا أقر ـ حسب البعض ـ بأن النصر غير ممكن أن يكون حليف إسرائيل إلى الأبد. برزت آنذاك أصوات تتسم بقدر من العقلانية ولاستعداد لقبول وجهات النظر العربية ، ومنها " عاموس عوز" الذي تحول من يميني متعصب إلى مساند ومشارك في مظاهرات " السلام الآن".
وعموما فقد انعكس الإنتاج القصصي والأدبي لمبدعي إسرائيل على الأطفال والشباب وأسهم في تحولهم إلى اليمين ا.لمتطرف
فقد حاول " أدير كوهين" في كتابه " وجه قبيح في المرآة" عرض صورة الإنسان العربي كما يبدو للأطفال بإسرائيل خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين . والكتاب هو حصيلة مسح لألف وسبعمائة كتاب صدرت في أعقاب حرب يونيو 1967، وتبين له أن أكثر من 520 منها أشارت إلى الشخصية العربية، وكلما كتب مخصصة للأطفال .
وقد كشفت دراسة ميدانية في هذا المجال أن 63% من الكتب وصفت العرب بصفات سلبية ( الخيانة / الكذب/ المداهنة / المبالغة/ الوقاحة/الشك/ الوحشية / الجبن/ سرعة الغضب/ التملق/ النفاق/ التباهي / الخبث ) بينما بلغت نسبة الكتب التي أوردت صفات إيجابية 24 % وهذه الصفات هي : الاجتهاد / الشفقة/ الصداقة/ الشعور بالآخرين/ الجرأة ، في حين كانت نسبة الكتب التي لم تصف العربي بشيء 13% .
إن أغلب الكتابات الإبداعية الموجهة للأطفال والشباب كرست ترجمة للاستراتيجية الصهيونية.
2-صورة العربي في الأدب القصصي العبري
لقد وضعت الحركة الصهيونية استراتيجية واضحة المعالم وشرعت في تنفيذها منذ حصولها على وعد بلفور . وقد وضعت نصب أعينها منذ البداية هدفا أساسيا وهو التشويه المتعمد للشخصية العربية ، وسخت لتحقيق هذا الهدف كل الوسائل الممكنة محليا وإقليميا وعالميا .
وقد مرت هذه الاستراتيجية بثلاثة مراحل :
1 ـ قبل 1948 : حاولت أن تبين للعالم أن فلسطين كانت صحراء قاحلة يقطن أجزاء بسيطة منها بدو متوحشون وهمجيون ، لا صلة لهم بالحضارة . وقد حول اليهود الذين قدموا إلى فلسطين هذه الأرض إلى أرض زراعية وجنة وارفة الظلال .
2 ـ قبل سنة 1967 : تميزت هذه المرحلة بوصف الفلسطينيين بالوحشية وسفاكي دماء، وأن مصدر المشكلة في الصراع هم لاجئون عرب وإسرائيل ليست معنية بهذا الأمر ، ويتعين على العرب والدول العربية استيعابهم في أراضيهم الواسعة لترى إسرائيل تعيش في سلام .
3 ـ بعد سنة 1967 : في هذه المرحلة صورت الصهيونية العرب في مرتبة أدنى من اليهود من حيث سلم التطور الإنساني ونعثتهم بشتى النعوت والصفات المتعارضة مع إنسانية الإنسان .
4
وثمة اتجاه حاليا إلى التأكيد على عجز العرب التقني والتكنولوجي والتقليل من قدرتهم على اعتماد الحداثة والتحديث واللحاق بركب الحضارة العالمية. ولذا فإن هناك تركيزا صهيونيا على الدور المهم الذي من الضروري أن تلعبه إسرائيل واليهود عامة " كجزء " من العالم العربي " المتحضر " في مساعدة العرب على عملية الحداثة والتحديث .
فالصهيونية تعتبر إسرائيل بتفوقها العلمي السياسي منارة العلم وواحة الديمقراطية في " صحراء " عربية تعج الحضارة المتخلفة وغير الديمقراطية . أضف إلى ذلك تصوير الحضارة العربية السلامية ووصمها بأنها حضارة قامت على سفك الدماء وكراهية الأقليات وأن وجود إسرائيل في المنطقة هو نعمة الدلو العربية والإسلامية . وقد عملت على عرض صور نمطية للعرب والمسلمين ، أضحت غير قابلة للتبدل رغم أنها مغالطة للواقع.
وهكذا انتشر صور نمطية عن العربي والمسلم تصفه بالأنانية وعدم التعول عليه ، المتعطشين إلى الانتقام الإرهابي بالتوارث ، المناهض للديمقراطية .
وبفعل هذه الدعاية الإعلامية الواسعة المدى ، أضحى الإسلام في نظر الغرب مرتبطا بالأصولية والتطرف والعنف والإرهاب .
ويصل تشويه صورة العرب إلى أقصى درجاته بأمريكا في برامج الأطفال التي تقدمها التلفزة ، وهي توحي للأطفال بأن العرب قوم أشرار ومغفلون .
كما أن السينما سارت هي كذلك في نفس المنحى ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، هناك أفلام كثيرة تظهر العرب في صورة المتوحشين ، في حين تظهر الإسرائيليين قوم طيبي القلب .
3- المسلم في الإعلام الغربي هولا ندا نموذجا
من المعلوم أن الإعلام يحتل دورا حيويا ورئيسا في تكوين الرأي العام ومع التطور الذي عرفته وسائل الإعلام أضحى هذا الأخير يقوم بصياغة الأفكار والآراء حول مختلف القضايا المطروحة . وبذلك فهو يثير مشاعر الغضب أو التعاطف مع هذه القضية أو تلك من خلال الصورة والصوت والحرف واللقاءات والمتابعات .
فهناك لغة خاصة ومصطلحات معينة وهناك الإثارة في العرض وجذب الأنظار إليها، وكل ذلك من أجل تسريب أفكار وتصورات ومواقف إلى المتلقي لجعله يتناغم مع أهداف معينة. وطبعا يظل الإعلام مهيمنا بفعل امتلاكه لوسائل فعالة ومنتشرة في مختلف أنحاء العالم.
وفي هذا الصدد ، فإن هولاندا تمتلك خبرة طويلة في قضايا العام الإسلامي، لاسيما وهي التي كانت تحتل أحد أكبر البلدان الإسلامية : أندونسيا . ويشكل المسلمين 3% من سكانها ، علما أن نسبة الأجانب تفوق 5% من مجموع سكان هولاندا، ويشكل المسلمون90% من مجموع الأجانب . وتوجد بها ثمان مؤسسات إعلامية تتقاسم 5 قنوات تلفزيونية ، إضافة لعشرات الإذاعات ومحطات التلفزة المحلية في مختلف المدن الكبرى والأقاليم .وحسب جملة من الدراسات تنفق الحكومة الكثير أكثر من بريطانيا على الإذاعة والتلفزيون .
أما الصحافة المكتوبة فتتجاوز 60 صحيفة يومية منها 6 وطنية والباقي محلية. وهناك مئات الصحف الأسبوعية ، و80 مجلة أسبوعية فنية وثقافية وسياسية ومتخصصة. كما تصل إلى هولندا يوميا عشرات الصحف والمجلات الصادرة خارج البلاد وبمختلف اللغات,( الإنجليزية والفرنسية والعربية والتركية والهندية والعبرية وغيرها( . كما تصدر بها بعض الصحف الإسلامية باللغة العربية مثل صحيفة "الميزان" وصحيفة "العماد"، وهي ذات إمكانيات متواضعة جدا وتوزيع ضئيل ومحدود . كما أن هناك برامج تلفزيونية تعنى بالقضايا التي تهم المسلمين ، لكن على الرغم من وجود مراكز متخصصة في شؤون الإسلام والعالم الإسلامي وقضايا العالم الثالث ، وعلى الرغم من خبرة هولاندا في التعامل مع المسلمين والبلدان الإسلامية ،وعلى الرغم من إدراج الإسلام تاريخا وعقيدة في المدارس، إذ مازال الإعلام عاجزا عن تكوين صورة حقيقية عن الإسلام. إذ مازال الإعلام الهولاندي يكرس صورة سيئة عن المسلمين والإسلام . ومرد هذا أن اليهود – رغم أن نسبتهم لا تتجاوز 0,7% من السكان – لازالوا يلعبون دورا فعالا في المجتمع الهولاندي ، وهم يمسكون بالعديد من مفاتيح السلطة والاقتصاد والمال والإعلام. إذ لا تخلو وزارة من وزراء أو موظفين يهود على الرغم من قلة نسبتهم العامة، علاوة على أن هناك علاقات قوية بين هولاندا وإسرائيل، إذ يعيش هناك أكثر من 15 ألف هولاندي . علما أن هولاندا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي أرسل متطوعين إلى إسرائيل سنة 1973 للمشاركة في المعارك ، حيث ردت الدول العربية على ذلك بحضر تصدير النفط إليها الشيء الذي أدى بالإعلام إلى إثارة مشاعر الحقد والكراهية ضد العرب والمسلمين.
فالإعلام الهولاندي حاول ولازال يحاول ترسيخ صورة سيئة للمسلمين والإسلام من خلال التركيز على المشاهد الدموية ومظاهر العنف والحروب في تطرقه لشؤون الإسلام والمسلمين . وقد نجح الإعلام في بلوغ الهدف حيث أن العديد من الهولانديين يعتقدون أن الإسلام دين صارم مقارنة بالمسيحية، وأنهم يتصورون المسلم هو ذلك الشخص الذي يفجر نفسه ويحطم السفارات ويسقط الأرواح البريئة دون تمييز وينشر الرعب في العالم.
ويعتقد بعض الهولانديين أن المدارس الإسلامية في تزايد مستمر وهي في نظرهم تشكل قاعدة تربوية " الأسلمة " هولاندا، علما أن المدارس الإسلامية هناك لا يتجاوز عددها 20 مدرسة رسمية ، كما يعتقد هؤلاء أن تزايد تلك المدارس والإذاعة الإسلامية والمساجد والنوادي والجمعيات الإسلامية يعني عدم إمكانية المسلمين على تكيفهم مع المجتمع الهولاندي ، وبذلك سيكون المآل وانغلاق في " غيتوهات " وعموما هناك تدفق إعلامي غزير ينطلق من عدة دوافع وخلفية تاريخية تكن العدة لكل ما هو إسلامي ويرسم صورة مشينة للمسلمين. لذلك فهناك حاجة ملحة لبلورة استراتيجية إعلامية للتعامل مع الإعلام الغربي وتقليل أضراره على الرأي العام العالمي فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين .