أيتطلب الأمر ان نتحدث ابتداء عن دور النشء في بناء الامم والاوطان، وان نشيد ونطنطن بقيمة هذه الثروة البشرية الثمينة وضرورة الحفاظ عليها من الضياع والتبديد؟ اعتقد انني سأتجاوز تلك المقدمة الطللية التي تثير الشجون وتستمطر الدموع حين نتفحص الواقع الفعلي لمؤسساتنا الرسمية وشبه الرسمية في بناء الهوية وغرس خصوصية الانتماء لدى أبنائنا الناشئة، وهو واقع مأسوي يتناقض مع تلك المقدمات النظرية المعزولة عن ميدان التطبيق لتبقى الى الأبد حبرا على ورق! في نهاية شهر يناير نظم النادي العلمي الكويتي رحلة لـ 270 فتاة كويتية لزيارة معسكر اميركي بمنطقة عريفجان ويتساءل المرء عن (علمية) هذه الرحلة ليكتشف مما ظهر من برنامجها انها خلو من ذلك تماما فلا وجود لمختبرات ولا لمعامل وليس ثم ما يشير الى انشطة بحثية مادية تضفي على الزيارة ثوبا من المشروعية العلمية التي يتوخاها النادي المذكور، فهي زيارة قد رتبت بطريقة تهدف الى تعميق الارتباط الوجداني ـ لا العقلي ـ بالنموذج الاميركي للمرأة عبر توجيه بوصلة الاحتذاء والتقليد نحو نموذج المجندة الاميركية الذي كان محط اعجاب المراهقات الصغيرات، وكأن الجرعات التغريبية المكثفة المتواصلة عبر الغزو الاعلامي الفضائي لم تكن بالكافية لتغريب الذات الهلامية التي لا تزال في طور التشكل والتكوين، مما استدعى مثل تلك الرحلة المشؤومة! ويدل البرنامج المعد للرحلة علاوة على العدد الكبير للمشاركات على ان الامر اكبر من ان يكون من اعداد هيئة ناد علمي صغير، فوراء الاكمة ما وراءها، لا سيما اذا ما ادرج ذلك النشاط في سياقات تعديل المناهج التربوية والاعلام الرسمي المنحاز ومفردات الخطاب الاميركي الجهير المنادي بجلاء بضرورة تأسيس آيات ثقافية وإعلامية واجتماعية تجعل الوجود الاميركي بالمنطقة محل احتفاء وترحيب!
وازاء ما حصل وما سيحصل مستقبلا فإن كل مواطن حريص على صيانة الانتماء العربي والاسلامي للناشئة يشعر بالغصة والألم من الموقف السلبي للدولة في الحفاظ على البقية الباقية من الانتماء الوطني في ظل التخطيط الخارجي المبرمج لصبغ الهوية الكويتية باللون الاميركي، وليت شعري لم تفكر الدولة ممثلة بوزارة التربية والحال كذلك بتدريس مادة التربية الوطنية بينما تمضي انشطة مؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية في اتجاه معاكس تماما لذلك الاتجاه، ليكون ضحايا هذا التخبط التربوي في الرؤى والمناهج اولئك الناشئة الذين نزعم صباح مساء وبلا حياء، انهم عماد المستقبل وثروة الوطن,,, الخ الخ! ان الدولة ـ اي دولة ـ تنظر بعين الريبة والاتهام لمواطنيها الذين يكثر ترددهم على سفارات الدول الاجنبية اذ تعد مثل ذلك السلوك خروجا عن مقتضيات روح الانتماء الوطني للفرد عبر الاتصال بجهات اجنبية، فكيف تكون نظرتها للأمر اذا كان الاتصال المذكور يتم عبر قواعد عسكرية وبهذا العدد الكبير من مواطناتها؟!
ولا تقتصر سلبية الموقف في التعامل مع هذا الحدث الذي مر بسلام ودون حساب على الدولة فقط، بل ان الجماعات الاسلامية والتيارات الوطنية لم تشجب او تستنكر شيئا من ذلك مما يعني موافقة ضمنية ستشجع آخرين على تكرير مثل تلك الرحلة والقفز في مسار الامركة خطوات وخطوات حين مرت تلك الخطوة في صمت مريب وتخاذل غريب لم يتوقعه حتى الاميركان انفسهم! لقد بتنا في الكويت نمثل حالة نافرة عن الموقف العربي والاسلامي ازاء الغارة لاميركية الشعواء التي لا تقف عند استعمار الارض بل تتجاوزه الى استعمار الذات، فبينما يشار في العالم الاسلامي الى محبي اميركا لقلتهم بالقول: هذا يحب اميركا, تنقلب الآية في الكويت الى الضد ليقال: هذا يكره اميركا! فيا لها من مأساة.