ومن يتأمل الإحصائيات في هذا الجانب يدرك بوضوح مدى الفاجعة ومقدار التردي فقد أكدت إحدى الدراسات أن 80 عربيا يقرؤون كتابا واحدا في السنة ، فيما يقرأ الأوربي الواحد :35 كتابا سنويا، نظير 40 كتابا يقرأ الإسرائيلي سنويا!! وإذا كانت هذه الإحصائيات خاصة بالكبار فكما يقال : ( إذا كان رب البيت بالدف ضاربا…) فلا عجب أن يقرأ الطفل العربي 7 دقائق في السنة بينما يقرأ نظيره الأوربي 6 دقائق يوميا.
قد يشكك البعض في هذه الإحصائيات السابقة بحال أو بآخر، وربما يقال أنها من جانب الغرب لبث روح الانهزام وتثبيطنا… مع أن هذه الحقائق غير خافية ولا تحتاج إلى عناء لإثباتها فقل لي بربك متى كان آخر كتاب قرأته أو اشتريته وكم ساعة تقضيها في القراءة ومن هم كتابك المفضلين……. الغالب منا سيعجز عن الإجابة إلا من رحم !
هل صادفك يوما ما أحداً يقرأ كتابا وهو يركب أحد وسائل النقل ،أو ينتظر دوره عند طبيب في عيادة أو في مستشفى .. وربما إذا ُوجد ذلك فيما ندر؛ فليس ببعيد أن يستنكر الآخرين ذلك بأعينهم وهمساتهم ولمزاتهم وربما يرميه البعض بالسفه!!
كثير ما سمعت من يقول- وللأسف -بفخر شديد أنه آخر مرة مسك فيها أو طالع كتابا عندما كان بالجامعة لأنه كان مسيراً لا مخيرا!!ودائماً وأبداً عندما أدعو أحد أصدقائي إلى منزلنا في مصر ويرى مكتبة والدي حفظه الله العامرة بالكتب لابد وأن ُيشغر الصديق الزائر فاه مستغربا مندهشا : لماذا كل هذه الكتب وهل قرأها كلها؟ ثم يستطرد معقبا بكل فخر أنه لا يحب القراءة.ونادراً وربما يكون من التاريخي أن يقلب أحدهم في أوراق كتاب أو يصل به الأمر إلى أن يطلب استعارته ، لكن دائما وأبداً إذا وجد أحد منا مجلة مصورة أو جريدة صفراء تهتم بالحوادث أو حياة المشاهير أن يعمد إلى تقليبها كالأطفال والأميين لا كالقراء أيضا إلا من رحم !!!بالطبع ( من شب على شئ شاب عليه )، فمن لم يقرأ صغيرا كيف له أن يصبح قارئا في الكبر ، ولا يدرك لذة القراءة من حرم منها وكما يقال (….و خير جليس في الزمان كتاب)! لكن كيف ننمي في أنفسنا وأبناءنا حب القراءة والإطلاع!!كثير منا من راودته فكرة القراءة وربما حاول مراراً وتكراراً ولكنه اصطدم بكثير من المعوقات أثنته عن محاولة التفكير في القراءة مجددا ولعل أهمها ماذا يقرأ وبم يبدأ؟
إن عدم إحسان الاختيار يكون في الغالب سبباً رئيساً في التثبيط عن القراءة وربما كرهها، مع أن اختيار الجليس (الكتاب) ليس من الصعوبة بمكان، فبإمكانك اختيار الكتاب الذي يوافق هوايتك المحببة أو اهتمامك المهنية فليس بالضرورة أن تقرأ كتاب فلسفيا عميقا أو أدبيا تراثياً أو علمياً متخصصا فإذا كنت مثلا من محبي الرياضة أو من هواة الكمبيوتر أو كنت عشاق الطبخ أو من محبي السفر والسياحة أو حتى من محبي النكت والتسلية فبإمكانك اقتناء كتاب فيما تحب .ليس من الضروري أن تقرأ كثيرا بقدر أن تقرأ باستمرار فخير البر أدومه وإن قل، فالقراءة للروح والعقل كالطعام والشراب للجسد والناس تتفاوت في مقدار ما تحتاجه لتصح أبدانها وتشبع حواسها، وإن كان من الطبيعي أنك قد تستثقل القراءة بعض الشيء في البداية لكنك مع حسن الاختيار ودوام الاستمرار ستيقن بلا شك أن( نعم الأنيس إذا ما خلوت كتاب).
وحتى لا تجهد نفسك في قراءة كتاب لا يروق لك أو تكتشف بعد ضياع مدة من الوقت طالت أو قصرت أنك يستعصي عليك فهمه، عليك بفتح فهرس الكتاب أولا وقراءة العناوين وأخذ فكرة عما يحتويه ، وربما تكون بحاجة لقراءة المقدمة قبل أن تبدأ فأحيانا ما تكون المفتاح الذي تستطيع من خلاله الاستمرار ومعرفة أهداف الكاتب واتجاهاته.كذلك من الأمور المهمة بعد القراءة هو أن تحاول أن تتناقش مع المحيطين بك فيما قرأت لكي يستفيد غيرك وتستفيد أنت من أفهام الناس فالناس تختلف أفهامهم ومداركهم وهناك من هو أعلم منك كما أنك بذلك تثبت معلوماتك، وتقوي أسلوبك اللغوي والخطابي بما اكتسبت من عبارات جميلة.كما يجب على الآباء والمربين تربية النشء على حب القراءة والإطلاع وذلك بحثهم على القراءة وشراء القصص المفيدة من مصروفهم ومكافئتهم مثلا إذا تفوقوا في دراستهم بكتاب مفيد أو قصة مصورة شيقة كهدية ، أو قراءة قصة مشوقة قبل النوم من كتاب أو إعطائهم كتابا يقرءونه قبل النوم بدلا من أن يحكوا لهم قصة، وإذا كان التلفزيون والألعاب والكمبيوتر وغيرها.. من وسائل تلهية الأطفال وترفيههم فلابد أن يكون للكتاب وللقصة والمجلة الهادفة كذلك حظا ونصيباً لا يغفل، وإذا اعتاد الأطفال ذلك ، فبإمكانهم تبادل القصص مع زملائهم وتناقل المعلومات فيما بينهم وهكذا من شب على شيء شاب عليه فبإذن الله نستطيع أن نخلق جيلا مثقفا متسلحا بالعلم والمعرفة لا أجوفا فارغاً يترنح في ظلمات من الجهل والغباء.