أعود إلى مجال الأدب العربي، و المزايا التي يقدّمها له التدوين الرقمي، سواء تعلق الأمر بالمرسل أو بالمتلقي أو كلاهما معا، و لعل أهمها ما هو آت:
- تُصنّف المدوّنات على الموقع الذي تنتمي إليه، و بالتالي على صفحات الأنترنيت في شكل مجموعات حسب التخصص: أدب، فن، علوم، إعلام...
- تُدعَم المدوّنات من قبل محرّكات البحث (Google مثلا) ممّا يسهل العثور عليها من قِبَل المتلقي.
- المدوّنات متاحة للمرسل و المتلقي مجانا، و هي في الغالب ذات أهداف فكرية لا تكسّبية، ممّا يُعطيها مصداقية أكثر، فيما عدا بعض المدوّنات ذات الاتجاهات الفكرية المنافية لمقوّمات المجتمع العربي طبعا.
- المدوّنات الإلكترونية جدّ اقتصاديّة، لأنّها تعتمد على نشر نسخة واحدة موجّهة للجميع، ممّا يُغنينا عن استعمال كمّيات هائلة من الورق، كما أنّها تقتصد الوقت و الجهد أيضا، بحيث يستغني المؤلّف عن مراحل الطبع و النشر و التوزيع. و عن ذلك يصرّح عبد الملك مرتاض قائلا: "... كما أنّ الكاتب لم يعد مفتقراً إلى اصطناع الورق وهدر ماله في شرائه، بحيث بعد أن يكتب نصّه على شاشة الحاسوب يمكن أن يُرسله بكيفيّة مباشرة عن طريق البريد الإلكتروني إلى الهيئة الناشرة. وينشأ عن ذلك اختفاء أحد الطّقوس الذي كان يلاحق المؤلفين وهو خلاصهم النهائيّ من تصحيح النّصّ، وذلك بإرساله إمّا قرصاً مسجّلاً، وإمّا بريداً إلكترونيّاً، فيُطبع كما هو دون تصحيح لأنّه يطبع على أصل وضْعه عند الكاتب... ونحن شخصيّاً لم نعد قادرين على كتابة نصّ في حجم صفحة واحدة خارج مكتبتنا، وبالقلم التقليديّ، بعيداً عن اصطناع مماسّ الحاسوب الذي أمسى جزءاً من طقوس الكتابة لدينا..." [1]
- اتّساع مجال القراءة بحكم أنّ الشبكة العنكبوتية عالمية و مدعمة أيضا بوسائل الترجمة إلى اللغات الأخرى، مما يساعد على نشر ثقافتنا و إيصالها إلى الآخر.
- إمكانية دعم المدوّنة بمجموعة كبيرة من الواصفات أو الكلمات الدلالية المنتقاة من المقالات المنشورة، و بالتالي مساعدة محرّكات البحث على إظهار المدوّنة للمتلقي.
- إمكانية رجوع المتلقي إلى المدوّنة الرقمية في أيّ وقت عن طريق رابط الصفحة أو محرّكات البحث، في حين يصعب عليه الرجوع إلى المدوّنة الورقية التي يكون قد استعارها مُسبقا على سبيل المثال.
- تمكين المتلقي من العثور على المواضيع الجديدة التي لم يُدوّن لها ورقيا بعد.
- إمكانية كشف السرقات العلمية و الأدبية من عالم الورق إلى العالم الرقمي أو العكس، و ذلك بمساعدة محرّكات البحث.
- إمكانية الوصول إلى المعلومة مباشرة بعكس المدوّنات الورقية التي تضطرّنا أحيانا إلى تصفحها كاملة دون العثور على المطلوب.
- تمكين المُدوِّن من الرجوع إلى مدوّنته للتنقيح و التصويب و الإضافة و إعادة النظر و الدعم بالمراجع الجديدة...
- تمكين المتلقي من جمع قائمة ثرية من عناوين المصادر و المراجع (الورقية) التي تهمّ بحثه.
- تمكين المتلقي من التعرف على المدوِّن و سيرته العلمية بواسطة محرّكات البحث، حينها يكون بإمكانه أخذ القرار باعتماد المدوّنة أو عدم اعتمادها.
- ظهور أنواع جديدة و مبتكرة من المقالات و الخطب الأدبية: كالمقالات و الخطب الصوتية، و كذا المرئية، ممّا يحافظ على الطابع الشفوي للخطاب بكل مكوّناته من أداء و إيماءات و تنغيمات و ما إلى ذلك. و قد مكّنت هذه الخاصية من نشر الملتقيات و التظاهرات الفكرية و المحاضرات و المناظرات...كما هي في الواقع. و كانت الخطوة الأولى في المجال الديني، ثمّ انتقلت إلى المجال الأدبي، للمحافظة على خصوصيات الإلقاء في مجال الشعر و القصة القصيرة و المحاضرات...
- إمكانية الحصول على نسخ أصلية من نوع (pdf) للنصوص و المقالات المنشورة على بعض المواقع المتخصّصة و الرسمية: كالمجلات و الجرائد الإلكترونية -مثلا- و ذلك قصد التوثيق.
- خلق حالة من التكافل و التبادل بين العالم الورقي و العالم الرقمي، حيث يُصبح المدوِّن أمام اختيارين؛ أوّلهما: خوض تجربة النشر الرقمي لجسّ نبض المتلقي، و تكييف الموضوع مع متطلّبات الحياة العلمية و الأدبية الراهنة، و من ثم تنقيحه و تصويبه للدخول به إلى العالم الورقي و هو يكتسي بحلّته الجديدة المتكاملة. و ثانيهما: نشر الأعمال الورقية الناجحة على صفحات الأنترنيت كثاني خطوة، و ذلك لتوسيع مجال القراءة.
- خلق جوّ من التفاعل الجاد بين المرسل و المتلقي، ممّا أثمَر ما يُسمّى بالنقد الأدبي التفاعلي الثقافي، الذي يقوم "على أصل فكري مبتنٍ من المشاركة"[2] حيث "يُعزز قدرته على ملاحقة التفاعلية ورصد نجاحاتها وإخفاقاتها، وتقويم مسيرتها في حث المتلقين على التواصل والاستمرار في التعالق مع النص الأدبي التفاعلي الرقمي."[3] و هكذا يرفع "من شأن المتلقي الذي أُهمل لسنين طويلة من قبل النقاد والمهتمين بالنص الأدبي، والذين اهتموا أولا بالمبدع، ثم بالنص، والتفتوا مؤخرًا إلى المتلقي."[4]
يتبع
[1]عبد الملك مرتاض، الطقوسية و سيرة الكاتب، موقع الواشنطوني العربي، الرابط:
http://arabwashingtonian.org/arabic/article.php?issue=28&articleID=653
[2] أمجد الفاضل ـ كاتب عراقي، القصيدة التفاعلية الرقمية وثقافة التعايش، موقع الموروث، دار الكتب والوثائق ببغداد، الرابط: http://www.iraqnla.org/fp/journal24=/17.htm
[3] الرابط نفسه.
[4] فاطمة البريكي، في ماهية الأدب التفاعلي، موقع دروب، الرابط: http://www.doroob.com/?p=4134